المواجهة على الساحة المسيحية.. من النيابة إلى الوزارة
على الرغم من أن الكثيرين كانوا يضعون المعارك الإنتخابية في الدوائر ذات الأغلبية المسيحيّة، لا سيما دائرة الشمال الثالثة، في سياق السباق إلى قصر بعبدا بعد إنتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، بالرغم من أن ولاية المجلس النيابي من المفترض أن تنتهي قبل سنوات العهد الست، إلا أن المعارك لا تزال مستمرة، لا سيما بين “التيار الوطني الحر” وحزب “القوات اللبنانية”، إنطلاقاً من التنافس على موقع نائب رئيس المجلس النيابي وتشكيل الحكومة المقبلة، في حين لا يبدو أن كلّا من تيار “المردة” وحزب “الكتائب” بعيدين عنها على الإطلاق.
في هذا السياق، أفرزت الإنتخابات النيابية تقدماً على مستوى تمثيل كل من “التيار الوطني الحر” (29 نائباً في تكتل لبنان القوي) وحزب “القوات اللبنانية” (15 نائباً في تكتل الجمهورية القوية)، بينما تراجع عدد أعضاء كتلة “الكتائب” من 5 إلى 3، وحافظ تيار “المردة” على عدد أعضاء كتلته (3 نواب)، لكن الأخيرة قد ترتفع إلى أكثر من ذلك نتيجة التوجه نحو تأسيس تكتل مع بعض الحلفاء.
في هذا السياق، ترصد مصادر سياسية مطلعة، عبر “النشرة”، توجهاً نحو إبعاد “القوات” عن الحكومة المقبلة، لا سيما أن وزراء الحزب كانوا من أبرز المعارضين لزملائهم في تكتل “التغيير والإصلاح” في الحكومة السابقة، وتشير إلى أن سقف المطالب المرتفع قد يؤدي إلى هذا الأمر، لكنها تلفت إلى أن رهان الحزب سيكون، بشكل أساسي، على الكتلة النيابية التي فاز بها، بالإضافة إلى ما يمكن أن تفرضه السعوديّة على رئيس الحكومة سعد الحريري، لا سيما أن الرياض تعتبر أن رئيس الحزب سمير جعجع هو الحليف الأول لها على الساحة اللبنانية اليوم، والتطور بالعلاقة بين الجانبين برز من خلال الزيارة التي قام بها جعجع إلى الحريري أول من أمس.
على صعيد متصل، يتمسك “القوات” بتفاهم معراب، الذي سبق الإنتخابات الرئاسية، والذي يؤكد أنه نص على حصوله على عدد من المقاعد الوزارية يوازي الحصة التي يحصل عليها “التيار الوطني الحر”، في حين أن الأخير يفضل الإنتهاء من هذه المعادلة التي باتت عبئاً عليه، وهو في المقابل يتوجس من التحولات التي حصلت مؤخراً داخل تيار “المستقبل”، خصوصاً بعد إبعاد مدير مكتب رئيس الحكومة نادر الحريري عن موقعه، نظراً إلى أنه كان “عرّاب” التفاهم بين “المستقبل” و”الوطني الحر”، وبالتالي من المفترض أن يكون هناك بعض التداعيات على العلاقة بين الجانبين.
وفي حين تشير هذه المصادر إلى أن “العقدة” الأساس تكمن في رغبة “القوات” بالحصول على حقيبة وزارية سياديّة، تلفت إلى أن هذا الأمر من المفترض أن يكون على حساب “التيار الوطني الحر”، نظراً إلى أن الحقائب السياديّة هي 4 موزعة في الحكومة الحالية على الشكل التالي: الداخلية والبلديات لـ”المستقبل”، المالية لـ”حركة أمل”، الخارجية والمغتربين ووزارة الدفاع لـ”التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية”، وتوضح أنه بعيداً عن معادلة تقاسم الحصص، هناك الكثير من علامات الإستفهام التي تطرح حول إمكانية موافقة “حزب الله” على تسلم “القوات” حقيبة الخارجية والمغتربين أو إحدى الحقيبتين الأمنيتين، في حين أنه قد يعمد، في حال الرفض، إلى المطالبة بإحدى الحقائب الأساسية، أي وزارة الطاقة والمياه، التي لا يبدو أن “التيار الوطني الحر” مستعد للتخلي عنها.
بالتزامن، توضح المصادر نفسها أن خيار المعارضة سيكون هو الأقرب إلى الواقع بالنسبة إلى حزب “الكتائب”، خصوصاً أن رئيسه النائب سامي الجميل يحمل، منذ الانتخابات الرئاسيّة، شعار معارضة التسوية الرئاسيّة والقوى المشاركة فيها، مع العلم أن الكتلة النيابية التي فاز بها لا تؤهله لأن يتمثل بأكثر من وزير في حال تشكيل حكومة من 30 وزيراً، وهو الأمر الذي يفضله كل من تيار “المستقبل” و”التيار الوطني الحر”، نظراً إلى الدور الذي لعبه الجميّل في الفترة السابقة، لا سيما لناحية الطعن أمام المجلس الدستوري بقانوني سلسلة الرتب والرواتب والموازنة.
بالإضافة إلى ذلك، تشير المصادر السياسيّة المطلعة إلى أن تمثيل تيار “المردة” لن يكون بالسهولة التي يتصوّرها البعض، خصوصاً بعد أن طرح، خلال مرحلة الحملات الانتخابية، الحصول على حقيبة الطاقة والمياه، وهو اليوم يسعى إلى تشكيل تكتّل نيابي يرفع من عدد أعضاء كتلته، الأمر الذي قد يكون من أبرز الأزمات التي تعرقل ولادة الحكومة، خصوصاً أن الإصرار على حصول “المردة” على وزارة الأشغال العامة والنقل أدى في السابق إلى تأخر ولادة الحكومة الحالية.
في المحصّلة، لن تكون ولادة الحكومة المقبلة “ميسّرة”، بالرغم من كل ما يُقال في المواقف السياسية عكس ذلك، لا سيما مع دخول اللاعبين الإقليميين إلى ساحة التوازنات الداخلية بقوة، في ظل ما يجري في المنطقة من “كباش”.
ماهر الخطيب – النشرة