الحكومة المقبلة بين المطالب القواتية والرفض البرتقالي
كان حزب “القوات” يُعدّ العدة منذ سنوات، لرفع عدد نوابه في البرلمان. لم تكن المهمة سهلة، بوجود التيار “الوطني الحر” في قلب معادلة السلطة، منذ العام 2005، مستنداً الى تمثيله “الأكثرية المسيحية”، يومها كان البرتقاليون يرفعون شعار 70%. لكن التمدد السياسي القواتي تواصل بهدوء، فإستغل رئيس حزب “القوات” سمير جعجع بحنكة، التفاهم على النوايا بينه وبين “العونيين”، ليتوسّع في فرض تواجده السياسي في مساحات اكبر، الى ان وصل لترسيخ حضوره القوي، في جبيل وكسروان ومناطق أخرى كبعلبك-الهرمل.
تكتيك قواتي حكيم، كان مدروس الخطوات غير الارتجالية، أدى الى فوز مرشحي القوات بنسب عالية من الاصوات الانتخابية. بينما اختلف المشهد بالنسبة الى البرتقاليين. في دوائر عدة، كان اعتماد “الوطني الحر” على حلفائه لرفع حواصل لوائحه، في المتن(الطاشناق والقوميين) في البقاع الاوسط (المستقبل)، في بعبدا وبيروت الثانية (الثنائي الشيعي)، وحيثما فشل “الوطني الحر” في صياغة تحالف متين في بعلبك-الهرمل، عجز البرتقاليون عن الوصول الى فرض حاصل للائحتهم. الأمر يختلف نسبياً عند “القوات” التي تفاجأ قياديوها انفسهم بالنتائج والنسب المرتفعة التي نالوها في عدد من الدوائر. هذا لا يعني أن “القوات” تفوّقت على “الوطني الحر” بكل الدوائر، لكن التقدم الذي حققه حزب “القوات” في الدوائر الانتخابية، سيطرحه “الحكيم” على طاولة التفاوض من اجل الحصول على مراكز حكومية على قدر الكفاءة والحجم النيابي والسياسي الذي ناله.
طرحت “القوات” سابقاً مطلب الحصول على وزارة الطاقة والمياه، هل يقبل وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل؟ لا يبدو الامر وارداً في حساباته. ماذا لو أصرّ “الحكيم” على الاستحواذ على حقائب وزارية تساوي ما سيحصل عليه “الوطني الحر”؟
هنا تبدو السيناريوهات مفتوحة، يستطيع الآخرون، وخصوصا “الوطني الحر” و”المستقبل” أن يرفضوا مطالب “الحكيم” ليتحوّل بدوره الى تزعم المعارضة. هذا ما سيتم التلويح به، ردّاً على مطالب “القوات” بمقاعد حكومية على قدر فوزها الانتخابي وتمثيلها النيابي. لكن لا “المستقبل” ولا “الوطني الحر” بوارد القبول بشروط قواتية للمشاركة في الحكومة. لا مصلحة للتيار “الوطني الحر” بتقاسم الحصص مع “القوات”، لا في الحكومة ولا في التعيينات الادارية.
هنا لا بدّ من الانتظار لمعرفة ما هي أولويات “الحكيم”؟ هل الدخول في الحكومة، بما يتيسر من حقائب؟ أم يصرّ جعجع على الحصول على حقائب حكومية وازنة؟
سيكون “الحكيم” مضطّراً لإختيار القرار الصعب: اما المشاركة الحكومية في اطار يفرضه التياران “الازرق” و “البرتقالي”، وإمّا المعارضة للحكومة والعهد والتحضير لإكتساب مزيد من الشعبية. سيفضّل جعجع السيناريو الاول بالطبع، لأن المعارضة لن تحقق ما يصبو اليه حزب “القوات”، وهو الذي خاض كل معاركه الانتخابية تحت عنوان: صار بدّا… واستند الى نجاح تجارب وزرائه، كنموذج يريد تعميمه.
ان المعارضة لن تُكسب جعجع سوى شعبية أوسع. فهل هي اولويته للوصول الى عام 2022، والتحضير لطرح نفسه مرشحاً لرئاسة الجمهورية؟.
انها لعبة خطرة. يعرف “الحكيم” أن عدم تبني ترشيحه من الحريري وباسيل لا يحمله الى بعبدا لاحقاً. لأن علاقة جعجع بالأفرقاء الآخرين غير صحّية. لا بل ان هناك مرشحين آخرين لرئاسة الجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون.
الفرز الآن لن يتم على اساس مقاربة انتخابات الرئاسة الأولى، لأن هناك اختلاطاً في المشهد السياسي، لكن البُعد الآخر لأي تحرك وموقف وحلف هو موضوع رئاسة الجمهورية. هنا بدا خطاب باسيل مصوّباً عملياً في هذا الاتجاه من خلال محاولته رفع رصيده السياسي، والإيحاء بقدرته على ان يحتل الصف الاول. لكن باسيل أخطأ في اعتماده هذا الأسلوب، من خلال مخاطبة جعجع بالإسم المباشر سمير، من دون لقب ولا إقران صفته ولا ذكر عائلته. هدف باسيل بإتجاهين: اظهار قدراته السياسية الزعاماتية، وكسر الخصم او تهشيم هيبته.
أمام تلك الوقائع تبدو الأمور مفتوحة بكل الاتجاهات. قد يدفع “الحكيم” ثمن تفوقه في الانتخابات بدفعه نحو المعارضة. وقد يتم تحجيم دوره الحكومي، بإستغلال حاجته للبقاء في السلطة، كي لا يتحول إلى “سامي الجميل 2”.
انها المنافسة السياسية في الساحة المسيحية حول زعامة وانتخابات رئاسة. سيكون ايضاً على ملعبها رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية.
عباس ضاهر – النشرة