“القوات” لن تسمّي الحريري رئيساً للحكومة؟!
كلام "الحكيم" يمثّل فصلاً جديداً من فصول "المواجهة" المستترة بين "القوات" و"المستقبل"
خلال الأيام الماضية، توقّف كثيرون عند قول نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم إنّ مرشح الحزب إلى رئاسة حكومة ما بعد الانتخابات ليس بالضرورة رئيس الحكومة الحالي سعد الحريري، بل إنّه قد لا يكون ممثّلاً للأكثرية الشعبيّة داخل طائفته، ولا رئيساً لكتلة نيابية، ولا حتى نائباً.
وعلى أهمية هذا الكلام الذي ناقض في الشكل ما حُكي على مدى الأشهر الماضية عن التسوية الرئاسية التي وافق عليها الحريري بعد حصوله على “ضمانات” بالبقاء في موقعه، فإنّ تصريحاً آخر يفترض أن يكون وقعه أكبر، حين رفض رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الخوض في الملف الآن، وارتأى “تأجيله” إلى ما بعد الانتخابات.
فما الذي يعنيه كلام “الحكيم”، وهل يمثّل فصلاً جديداً من فصول “المواجهة” المستترة بين “القوات” و”المستقبل”، خصوصاً أنّه ترافق مع “إشاعات” عن انفتاح قواتي غير مسبوق على رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي، في ظلّ “المعركة الشرسة” التي يخوضها الأخير مع الحريري من بوابة الشمال الانتخابية؟!.
أين المفاجأة؟!
على الرغم من أنّ موقف “حزب الله” هو الذي استأثر بمعظم التعليقات والتحليلات والتفسيرات والتأويلات خلال الساعات الماضية، فإنّ الأكيد والبديهيّ أنّ موقفه، بخلاف موقف “القوات”، لم يكن مفاجئاً. ولعلّه يكفي للدلالة على ذلك العودة بالذاكرة القصيرة إلى الاستشارات النيابية التي سبقت تكليف الحريري تشكيل الحكومة الحالية، مباشرة بعد انتخاب “حليف الحزب” العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، بمباركة الحريري.
يومها، كان جميع الفرقاء مسلّمين بأنّ “التسوية الرئاسية” التي أتت بالعماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، ستعيد الحريري إلى رئاسة الحكومة بعد فترة من “الانقطاع”، ولم يكن الحديث عن “اتفاق ضمني” بهذا الخصوص “كلام صالونات” بقدر ما كان يستند إلى وقائع حسية وملموسة ولا غبار عليها. إلا أنّ “الحزب”، الذي قيل إنّه شارك في إبرام “التسوية”، لم يسمّ الحريري رئيساً للحكومة، واكتفى بالامتناع عن تسمية أيّ شخصيّة لرئاسة الحكومة، معتبراً ذلك بحدّ ذاته “تنازلاً”، بشكلٍ أو بآخر.
وعلى الرغم من أنّ “الحزب” دافع عن أداء الحريري الحكوميّ بعد ذلك، ويُحكى الكثير عن “تسهيل وتيسير” لمهامه في أكثر من محطّة، فإنّ أحداً لا يعتقد أنّه سيذهب إلى حدّ تسميته لرئاسة الحكومة هذه المرة، على اعتبار أنّ “المقوّمات” التي كانت تستدعي تسميته قبل أشهر تتفوّق على “المقوّمات” هذه المرّة، خصوصاً بعد “التصعيد” الذي مارسه الحريري في وجه “الحزب” من بوابة الانتخابات النيابية، وإن حرصت أوساط الأخير على تسريب “تفهّمها” له و”استيعابها” لحيثيّاته وملابساته، أكثر من مرّة، علماً أنّ الحزب نفسه لجأ إلى “التكتيك” نفسه في المواجهة في بعض الدوائر، وخصوصاً دائرة بعلبك – الهرمل.
وإذا كان “الحزب” يأخذ في الاعتبار في موقفه، إضافة إلى كلّ ما سبق، “تحالفه” مع العديد من الشخصيات السنّية المحسوبة على فريق الثامن من آذار، والتي لا مبالغة في القول إنّها تطمح بدورها لموقع رئاسة الحكومة، فإنّ ما يزيد من القناعة بأنّ موقفه حُمّل أكثر ممّا يحتمل، أنّ “حليفه الأساسي”، رئيس المجلس النيابي نبيه بري، سبق أن “سلّف” الحريري موقفاً أقرب إلى الوعد، حين قال إنّه سيسمّيه لرئاسة الحكومة، ولو أتى هذا الكلام من باب الردّ على تأكيد الحريري بأنّه سيسمّي بري لرئاسة المجلس، ولهذا الموقف أيضاً معانيه ودلالاته.
“الفتور” لم ينتهِ فصولاً
لكن، في مقابل موقف “حزب الله” الذي يبدو “طبيعياً”، على الأقلّ بالمقارنة مع المحطات السابقة، أتى موقف رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع مفاجئاً في الشكل والمضمون، وليؤكد بما لا يقبل الشكّ أنّ تحالف “رفع العتب” الذي جمع الأخير مع الحريري في بعض الدوائر لم ينهِ عملياً “الفتور” القائم بين الجانبين، ولو حرصا على نفيه.
فصحيحٌ أنّ جعحع لم يختر “تحدّي” الحريري بأيّ إعلانٍ صريحٍ بعدم تبنّيه في معركة رئاسة حكومة ما بعد الانتخابات، وصحيحٌ أنّه لم يجاهر بأيّ موقف من المعركة المنتظرة إيجاباً أو سلباً، إلا أنّ مجرّد رفضه الإجابة على سؤالٍ عن مرشحه لرئاسة الحكومة، الذي يفترض أن يكون من “المسلّمات” برأي كثيرين، أو على الأقلّ هكذا كان على مدى السنوات السابقة، من شأنه أن يعني الكثير، خصوصاً إذا ما قورن بموقف “التيار الوطني الحر” مثلاً، الذي لم يتردّد رئيسه وزير الخارجية جبران باسيل بالإعلان صراحةً أنّ الحريري سيكون مرشحه الطبيعي لرئاسة الحكومة إذا ما أفرزت الانتخابات “أكثرية شعبية” له، ولحرصه على مصطلح “الأكثرية الشعبية” بالتحديد دلالته ورمزيّته أيضاً.
من هنا، يمكن القول إنّ موقف جعجع غير المتوقّع يحمل بالحدّ الأدنى رسالة واضحة من “الحكيم” إلى “الشيخ”، ولو من باب “الزكزكة السياسية” ليس إلا، بأنّ “الثأر” من السياسة “المستقبليّة” تجاهه في الآونة الأخيرة أكثر من وارد. بمعنى آخر، فإنّ جعجع يقول للحريري بأنّه جاهزٌ لإعادة النظر بخياراته بعد الانتخابات، خصوصاً إذا ما أفرزت تكريساً للتحالف بين “المستقبل” و”الوطني الحر” على حسابه، التحالف الذي جعل مجرّد حصول لقاء بين جعجع والحريري منذ عودة الأخير إلى البلاد بعد استقالته الشهيرة، أمراً أشبه بـ”المهمّة المستحيلة”، وهو ما لم يتقبّله “القواتيون” ولم يستوعبوه بعد.
ومع أنّ جعجع حرص في المقابل على وضع العلاقة مع رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي في إطارها، على اعتبار أنّها ليست وليدة اليوم، فإنّ من الصعب عزل التسريبات التي تحدّثت عن الانفتاح القواتي “المستجدّ” على الرجل، الطامح بقوة للعودة إلى رئاسة الحكومة، بعدما تحوّلت المعركة بينه وبين الحريري إلى “شخصية” إلى حدّ بعيد، عن موقف “الحكيم”. وسواء قصد الأخير ذلك أم لم يقصد، فإنّ مثل هذه التسريبات أتت لتعزّز “رسالة” جعجع إلى الحريري، ولتدعّمها بالشواهد والأدلة، على أنّ “البديل” حاضرٌ وجاهزٌ أكثر ممّا يتخيّل أو يتوقّع.
من “يتلقّف” كلام “الحكيم”؟!
لم ينتظر الفرقاء صافرة انتهاء الانتخابات النيابية حتى يفتحوا المعركة الأولى التي ستليها، وهي معركة رئاسة الحكومة، ربما لأنّ نتائج الانتخابات شبه معروفة سلفاً، وتركيبة المجلس النيابي الذي لن يختلف كثيراً عن “سلفه” واضحة، وكذلك المشهد الجديد الذي ستفزره هذه المعركة سياسياً وانتخابياً، وعلى غير صعيد.
قد يقول قائل إنّ هذه المعركة محسومة سلفاً، وأنّ الحريري الذي يقدّم أصلاً في جولاته الانتخابيّة “وعوداً” تتعلق بعمل الحكومة المقبلة، لا يخشى خسارة موقعه بأيّ شكلٍ من الأشكال، وأياً كانت نتيجة الانتخابات. كلّ ذلك صحيحٌ، إلا أنّ الأصحّ منه أنّ المعركة بين “القوات” و”المستقبل” قد تتّخذ منحى جديداً بعد الانتخابات، تكرّس “التصادم” لا “التقارب”، بدليل كلام “الحكيم”، الذي ينتظر من “يتلقفه” ويلاقيه في منتصف الطريق…
حسين عاصي – النشرة