أكثر من انتخابات في الشوف وعاليه…
الدكتور هشام الأعور
يعكّر وئام وهّاب مزاج الإقطاع الجنبلاطي والأرسلاني على حدّ سواء. الانتخابات هذا العام، والخطاب العالي النبرة لوهّاب قبل أقلّ من أسبوع من موعد الانتخابات، يستنفزّ الجبل ليمنح رقعة أخرى للكباش الذي يتسارع في الساحة الدرزية، جاعلاً قسماً كبيراً من الناخبين يستبدلون نأيهم المعتاد عن مشاكل قراهم ومناطقهم لينهمكوا في مواجهة كسر الاحتكار والظلم والتعدّي .
ليس عابراً ان تتوزّع غالبية القوى السياسية في الجبل على لوائح تنافسية في حين التقت جميعها على برنامج واحد وهو عدم السماح بوصول وئام وهّاب إلى الندوة البرلمانية. نجح طلال أرسلان بعقد تحالف مع جبران باسيل وفق دفتر شروط جنبلاط مقابل أن يترك الأخير مقعداً شاغراً للأمير في عاليه.
الربيع كسا الأراضي المتمايلة على ضفتي نهر الجاهلية وشجر “الجنارك” انفجر حبوباً حول الطريق بين النهر ومدخل الجاهلية، لكن الطرقات والحيطان والأملاك العامة والخاصة تعجّ بصور المرشحين.
لم يوفر الحزب الاشتراكي زاوية إلا وزرع صوراً ولافتات فيها تسوّق لشعاراته. ومن غير المستغرب أن نرى صوراً للجدّ والابن والحفيد على قماشةٍ واحدة في محاولة متجدّدة لتكريس الإقطاع ولكن بنكهة شبابية.
منذ ما بعد اتفاق الطائف، ومروان حمادة يمثل المقعد الدرزي الثاني في الشوف. إنه خيار أساسي عند جنبلاط في تزكية حمادة على هذا المقعد، وقد ازداد تماسكاً وارتباطاً في الآونة الأخيرة، يوم قرّر وهّاب الترشح للانتخابات النيابية. سرت شائعات كثيرة عن انّ حمادة سيعتكف عن الترشح بسبب أوضاعه الصحية واعترافه علناً بفشله طيلة سنوات مدة نيابته على صعيد تقديم الخدمات لبلدته بعقلين وعدم الردّ على مطالب أهلها وهمومهم، وان ابنه كريم هو صاحب النصيب في وراثة النيابة. خابت الشائعات، وعاد مروان الى الترشح. يخاله الاشتراكيون الآن عاد شاباً. ولكن… وبدلاً من ان يتنقل من بيت الى بيت في رحلة تجميع الأصوات التفضيلية، استعاض وكعادته عن زيارة البيوتات والاستماع الى هموم أصحابها وأحوالهم المعيشية في تقديم أوراق الطاعة الى أهل البلاط طمعاً برضى “أوسكار”. فعلاً إنه قدر المتخاذلين الذين ما زالوا يقتاتون على كسر الخزي والعار.
غير أنّ المقعد الدرزي الثاني في الشوف، لم يغب عن عين وهّاب في السنوات الماضية، حيث لحركة وهّاب الدائمة حضور آخذ بالتمدّد على مساحات واسعة من قرى الشوف عامة بوجه الاحتكار الجنبلاطي.
استعر الصراع بين جنبلاط – وهّاب في العام 2005 وفي سنوات ما بعد 2006، تاريخ تأسيس حزب التوحيد العربي، وقد تجلى ذلك في انتخابات المجلس المذهبي الدرزي، وفي الاستحقاقات البلدية وغيرها من المحطات الأخرى، كلّ ذلك وعلى شكل تنافس حادّ مضبوط تحت سقف تفاهم بعدم الصدام الذي إنْ وقع في الشوف لتطوّر دراماتيكياً في مختلف المناطق الدرزية في لبنان.
لكنها المرة الأولى التي تحتدم فيها المواجهة على هذا المقعد الدرزي ويكون فيها وهّاب مباشرة على تماس مع جنبلاط، بعد أن رشح وهّاب في العام 2009 بهاء عبد الخالق الذي نال حوالي 22 ألف صوت في مواجهة لائحة جنبلاط.
منذ أقرّ القانون الانتخابي الجديد على أساس النسبية، شعر وهّاب بأنّ الفرصة التي ينتظرها منذ سنوات للفوز بمقعده في الشوف قد آن أوانها. وبات بإمكان وهاّب أن ينافس جنبلاط سياسياً وانتخابياً، لتحقيق توازن سياسي مفقود في الجبل. غير أنّ البحث في علاقة وهّاب – جنبلاط والأسباب التي دفعت رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهّاب إلى عقد الصراع مع الزعيم الجنبلاطي طوال السنوات الماضية، لا تشبه البحث عن جنس الملائكة. لقد أدرك وهّاب منذ اللحظة الأولى أنّ معركة التوازن في الجبل تتطلب تبدّلاً في مزاج العائلات الدرزية والتي سرعان ما أصبحت خانقة على جنبلاط. بالنسبة للعديد من فاعليات هذه العائلات لم يعد جائزاً بعد اليوم ان يتلهّى الدروز بخلافات داخلية أفقدتهم دورهم وموقعهم داخل الحكم، في حين أنهم يعتبرون أحد المؤسّسين للكيان اللبناني إلى جانب موارنة لبنان.
لقد شرّع وهّاب أبواب بيته في الجاهلية أمام عامة الناس شارحين له مظلوميتهم من الشوف والإقليم إلى عاليه إلى بعبدا، وصولاً إلى حاصبيا وراشيا، اتخذ وهّاب قراره بالمواجهة. لم يتوقع مهندسو الإقطاع الدرزي ان تعلو أصوات التغيير في الجبل.
خطاب وهّاب أصاب جنبلاط وأرسلان بالاستنفار، وانقسم الدروز بين الثلاثة. لا تنعزل الانتخابات في الشوف وعاليه عن الصراع السياسي الدائر بين جنبلاط – وهاب – أرسلان. لا يطمئن مهندسو لائحة “المصالحة” ولائحة “ضمانة الجبل” إلى لائحة “الوحدة الوطنية” بقيادة وهّاب، التي قد تحصل على حواصل انتخابية لحجز أكثر من مقعد من المقاعد الـ 13 والتي ستقود حتماً الى زعزعة الهيكل التقليدي في الجبل.
الانتخابات في الشوف وعاليه والإقليم ليست إنماء وتطويراً وتنافساً على المقاعد والنفوذ فحسب، إنها مفصل سياسي حسّاس بعد أن انقلب المزاج لمصلحة وهّاب، وباتت العائلات السنية والدرزية والمسيحية التي كانت مطوّبة منذ سنوات طويلة لتلك الزعامة أو غيرها تصدح منها أصوات خطابات وهّاب.
إنه مشهد غير عادي. انتظر أحدهم ان يأتي قانون انتخابات يكرّس من خلاله أحادية زعامته عبر توريث سياسي، فيما يستكين الآخر لمقعده “الشاغر” منذ سنوات، لكن الوزير وئام وهّاب فعلها…