طلاب مدرسة الفرير – المريجة زاروا دار الرعاية الماروني.. تعايشٌ وعطاءٌ
بقلم: نادين خزعل

تكريسًا لمنهجية التشارك والتعايش بمحبة، وترسيخًا لمفاهيم الإنسانية نظمت إدارة مدرسة الفرير – المريجة زيارةٍ مؤثّرة لطلاب صفي G8 وَ G11 إلى دار الرعاية الماروني، حيث حملوا معهم الهدايا المغلفة بقلوبهم..ذهبوا ليقدّموا للمسنّين ما هو أعمق من العطاء المادي: دفء الحضور، وصدق المشاركة، وإحساسًا بأن العمر مهما امتدّ يبقى بحاجة إلى كلمة طيبة ويدٍ تربّت بحنان.
الزيارة كانت عابرة لنشاط مدرسي عادي، إذ جعلتها الدموع المتلألئة في عيني الأخت إسبيرانس والأساتذة المرافقين والطلاب والمسنين درسًا حيًّا في معنى الإنسانية بأبهى تجلياتها..
الطلاب دخلوا صالون الكنيسة، ثم الدار بابتساماتهم الشبابية المشعّة، أدركوا سريعاً أن الإنسان يكبر حين يمنح، وأن قيمة المرء لا تُقاس بما يملك، بل بما يتركه في قلب الآخر من أثرٍ لا يُنسى.
ومن داخل الكنيسة، حيث التقى طلابٌ مسلمون برموزٍ مسيحية، ارتسم مشهدٌ لبنانيّ نادر بنقائه، يشهد أن التعايش هو علاقةٌ تُبنى، وخبرةٌ تُعاش، ونظرة محبة تزيل المسافات بين معتقد وآخر. هناك، لم يشعر أحد بأنه “ضيف” أو “غريب”، بل كأن الأرض التي وقفوا عليها تعرف الجميع وتضمّهم كما يضمّ القلب أبناءه بلا تمييز.
تعرّف الطلاب إلى ثقافة الآخر من دون رهبة، ومن دون تلك الجدران الوهمية التي كثيرًا ما تقيمها المجتمعات بين أبنائها. كانوا ينظرون إلى الرموز الدينية باحترامٍ ومحبة، ويستمعون إلى شروحاتٍ تعكس تاريخًا وإيمانًا وتراثًا، فيكتشفون أن الاختلاف ليس سببًا للتباعد، بل فرصة للتعرّف والتكامل.
وفي دار الرعاية، جلس الطلاب قرب المسنّين، وقدّموا لهم الهدايا بعطاء جميل يشبه اللمسات الأولى على أبواب الحكمة. كانت الوجوه المتعبة تضيء كلما اقترب طالب أو ربت على يد أحد النزلاء، وكأن الحياة تُعاد إليهم لحظةً بلحظة.
عزف الطلاب للمسنين الموسيقى، ورقصوا، فامتدت الضحكات على جسور الزمن لتسمو عن المكان وتحفر في الأذهان حبًا ما بعده حب…….
تبادل الإثنان لحظات عميقة… المسنّون وجدوا في الطلاب امتدادًا لأحلامٍ لم تكتمل، الطلاب وجدوا في المسنّين تعاليم عمرٍ طويل، وخلاصة تجارب…
هذا النشاط كان تجسيدًا حقيقيًا لفلسفة التعليم التي تنتهجها إدارة مدرسة الفريرـ المريجة والتي تؤمن بأن المدرسة لا تكتفي بتدريس المناهج، بل تفتح عيون طلابها على الإنسان أولًا. فمن خلال لقاءٍ بسيط، اكتشف الطلاب أن الرحمة ليست صفة، بل ممارسة؛ وأن التعايش ليس خطابًا، بل ضوءًا يفتح أبواب الفهم؛ وأن احترام الآخر يبدأ من الإصغاء إليه، والنظر إلى ما يجمعنا قبل النظر إلى ما يفرّقنا.
ختامًا…
غادر طلاب الفرير – المريجة دار الرعاية الماروني لكنهم تركوا خلفهم بريقًا لن يُطفأ بسهولة: بريق زيارة رسخت فيهم أن الإنسان هو مشروع محبة، وأن لبنان، رغم كل جراحه، ما زال ينتج لحظات من الجمال العميق الذي يشبه صلاة مشتركة بين القلب والعقل.
عاد الطلاب إلى مدرستهم أكبر قليلًا… وأعمق كثيرًا.
وستبقى في ذاكرة المسنين زيارة تلمع وهجًا كلما قست عليهم الآلام والأيام….





