
من يقرأ لغة الجسد فانه في غنى عن الكلام واللغات .. طبعا نحن نعرف ان كل جولات الجولاني ليست فيها اي بركة .. ويستغرب البعض من تلكؤ العالم في دعم هذا الشخص رغم انه يصوره انه مرحب به وأنه صار عضوا في نادي الزعماء الطبيعيين في المنطقة .. ولكن على صاحب العقل أن يفكر بهدوء ويسأل .. لماذا تفتح الدنيا أبوابها في وجه الجولاني ولكن البنوك تغلق أبوابها في وجهه ؟؟ فمن المنطق ان هذا الصبي والزعيم المصنع والذي هو عبارة عن ديكور وغلاف تم تسويقه مثل اي منتج ضعيف لاقناع الناس بجودته .. وهذه ألعاب لا تمر علينا .. لأن ما يجب أن نسأل عنه هو: اين هي المكافأة؟
لماذا لاتتدفق أموال كل الذين دعموا تدمير سورية .. لماذا لا تقدم هذه الدول ضخا من الاموال كي تزيد من شعبية الجولاني؟ أليس غريبا مثلا أن قطر وحدها وفي أول سنتين من الحرب على سورية أنفقت 137 مليار دولار من جيبها فقط .. وتبرعت السعودية ودول الخليج بمئات المليارات .. وقدرت الأموال المدفوعة خلال سنوات الحرب ب 2000 مليار دولار .. وهذه المليارات هي التي جعلت أحد أقوى جيوش المنطقة وهو الجيش السوري يحارب 14 سنة بلا توقف لأنه كان امام دعم عسكري للتنظيمات الاسلامية لا يتوقف وجسر من الامداد لانهاية له .. واذا كانت اسرائيل حصلت على جسر جوي في حرب 73 فان تنظيم القاعدة حصل على جسر بري من الامداد اللامحدود والسخاء في كل شيئ من السلاح النوعي الى الرواتب السخية .. ولا داعي للقول ان هذه الأموال كانت كافية لتحرير فلسطين 30 مرة .. وفتح الاندلس .. لكن فتح سجن صيدنايا ولو بمسرحية تحول الى أهم هدف للجمهور المغيب عقليا .. وصار أهم من فلسطين والأندلس ..
أليس غريبا ان هذه الدول والموازنات صارت بخيلة جدا وتعصر الاموال بالقطارة الان على تنظيم القاعدة بعد أن وصل الى حكم سورية وصار يهاجر من كابول الى دمشق .. وهي تعلم ان مبلغ مليار دولار يكفي لبعث الحياة في عروق سورية .. وطبعا ستشتري بها ولاء الناس للجولاني الذي سيظهر وكأنه جاء بالخير العميم .. فهناك سوريون صاروا يرون ان الدولة والوطن هما كهرباء وبنزين وراتب بسيط (وهو ماكان من أسهل مايحصل عليه أفقر مواطن سوري في زمن الاسد) .. ومع هذا فان كما من الشح لامثيل له هو ما يدير علاقة كل هذا العالم الذي يقدم الصور والمصافحات وأخبار رفع العقوبات والعقود السخية والاستثمارات .. ولكنه لا يقدم أي أموال الا في اطار تخدير الناس .. ففي النهاية لاتقل لي كم مصافحة لديك بل كم دولارا لديك .. !!
النكتة السمجة هي مايروجه الزعران من أن القادم أحلى واننا سننافس دبي وستكون لدينا ابراج ويصنعون لك مشاريع بالذكاء الصناعي عن دمشق ومداخل حلب في المستقبل وهي ألعاب كومبيوتر في الخيال والوهم الشعبي وتشبه حكايات الخيال العلمي ليس لاستحالتها بل لأن هناك قرارا بأن تبقى دمشق وحلب في أدنى الدرك الاقليمي كي لا تقوم للسوريين قائمة أمام المد العثماني المنافس والتوسع التوراتي لتل أبيب … لا بل في الخيال والاوهام التي تباع سيكون لدينا محطة نووية كما قال المعتوه الجولاني … وكأن اسرائيل التي تريد ان تبيعنا الكهرباء ستسمح لنا ان نصنع الكهرباء .. وتركيا التي تريد ان تبيعنا ماء الفرات كأنه نفط تريد منا ان يكون في كل بيت مسبح للرفاهية ..
مايتم بيعه من وهم يشبه ما تفعله شركات النصب العالمية للمختلين عقليا فتبيعهم نجمة في السماء وتعطيهم صك ملكية للنجم الفلاني، ويدفع المعتوه 100 ألف دولار كيف يكتب في سجل النجوم والفلك ان النجم في درب التبانة في موقع كذا هو ملك لفلان او فلانة .. ويعطى وثيقة رسمية بملكيته للنجم .. يعلقها في صدر البيت وبين مستندات الملكية .. ويظن انه يملك نجما .. ويخاف ان يسرق منه ..
وكل ما يباع لكم من وهم اقتصادي لايشبه الا أوهام الحوريات التي باعها المحيسني للمراهقين والشباب المسلمين لينضموا للحفلة الدموية الانتحارية في سورية … فهم كان يحدثهم عن الحورية التي ان بصقت في البحر صار حلوا .. ورائحة عرقها مسك يفوح في الجنة .. بيع النجوم مثل بيع الحوريات وأبراج دمشق والمحطات النووية السورية .. والمشتري هو الشعب السوري المغفل ..
يا شباب .. لايراد للشعب السوري أن تقوم له قائمة .. لا تفكروا أبدا ان ايا من الوعود سيتحقق .. لن يدخل دولار واحد الى الخزينة .. لأن سورية لايجب ان تقوم لها قائمة .. فهي في منطقة لا يجب بعد اليوم ان تنافس اسرائيل ابدا ولا ان تنافس تركيا .. ولا أن تكون أستاذة في السياسة على دول الخليج .. ولذلك لا تفكروا بالأبراج ولا الموانئ لأن ابراج تل أبيب هي ما يراد ان يبقى مثل العلامة والشامة في بلاد الشام .. وميناء حيفا هو ما سيكون ميناء الشرق كله ولن يسمح بميناء واحد غيره ..
ما يحيرني هو ان فريق تلميع الجولاني الذي يلمع له حذاءه لايقوم بنصحه بأن يتواضع كالمسلمين والورعين على اساس أنه كان في المغاور والكهوف يقاتل .. ولايستبعد انهم سيقولون انه كان في غار حراء .. ولوحق ولجأ الى غار ثور … ثم منّ الله عليه بساعات ثمينة جدا .. عندما تلا قوله تعالى ان الساعة آتية لاريب فيها .. فارسل له ساعة (باتيك فيليب وورلد تايم كرونوغراف فلايباك ستيل 5935).
التفسير الحقيقي هو ان عملية التسويق ليست للمسلمين بعد الان .. فهو كان يتم تسويقه بالجعبة واللفة الجهادية .واليوم لايهم ان يعجب به المسلمون بل المهم اقناع المواطن الغربي ان قرار اوروبة وامريكا بحمايته والصفح عنه حقيقي وله مبرراته .. فالرجل صار مثل اي رجل غربي يرتدي الذهب والمجوهرات ويتعطر بعطور فرنسية .. فالمهم ان ترضى عنه (اليهود والنصارى) في الغرب .. وليس النصارى العرب في الشرق .. وفي هذا السلوك منتهى الاحتقار والازدراء للشعب .. الذي يرى دولته مفلسة فيما الجولاني وصحابته المؤمنين يرتدون الذهب .. والمجوهرات .. وهو الذي كما قال ابن المغاور والكهوف والمداجن ..
المهم ان هناك شيئا أخر وهو انه لا توجد دولة تريده ان ينجح .. ولكل أسبابها .. فالسعودية رغم كل الابتسامات والعواطف ترى فيه خطرا عليها لأن مشروع الجهاديين ان نجح ونال رضا السوريين سيشكل احتمال نهوض قوى جهادية سورية تستقطب السعوديين، واذا نجحت التجربة السورية الجهادية بتأطير الانجازات الاقتصادية، فانها ستتمدد جنوبا خاصة انها قد تكون مدفوعة بأطماع تركيا لاستعادة السيطرة على الحرم المكي، ويصبح قرار العالم الاسلامي بيدها .. وهو ما كشفت عنه عظام الخاشقجي الذي نُشر في تركيا ..واراد اردوغان ابتزاز السعوديين بالعظام .. وهذه الحادثة ستكون أقسى مليون مرة على ضمير العائلة المالكة السعودية من عبارة (أنصاف الرجال) ..
لذلك اذا ما دققت في نظرات بن سلمان الى الجولاني الذي كان يخفف دمه الثقيل فان النظرات لو نطقت لقتلت .. وكأنها كانت تقول اني لأرى رؤوسا قد أينعت .. او كأنه أبو جعفر المنصور يقول للخراساني عندما قال له دعني لأعدائك يا أمير المرمنين .. فقال له المنصور : ويحك وهل لي أشد عداوة منك؟؟!! ..
عيون بن سلمان التي ظهرت فرحة بتعليق الجولاني تقول شيئا آخر .. ويبدو أن المنطقة لم تستقر بعد .. ولا يزال هناك من ينتظر ان تنضج الرؤوس وتينع في سورية .. وكل مانراه اليوم من رؤوس ورغم الترحيب الدولي فانها تنضج لأن من يلعب بالساحة والمستقبل يرتب شيئا آخر .. يناسب .. فهذه مرحلة التمكين للغرب وللأقليم .. وليس التمكين للجولاني .. الذي سينضج رأسه .. وسيتم قطفه عندما تدق الساعة ..




