
في زمنٍ صار فيه بيع الدماء تجارة رخيصة، والتنازل عن الكرامة سياسة مقوننة، يبقى الكبار كباراً. الزعيم وئام وهاب أثبت أنه من هذه القلّة النادرة التي لا تساوم على وجود طائفتها ولا على تاريخها. وقف إلى جانب أهالي السويداء بوجه الجماعات المسلحة، في حين أن بعض من يدّعون الزعامة في لبنان تخلّوا عن دروز السويداء، وأهدروا دمهم، وأداروا ظهورهم لصرخة الكرامة، وكأن مصير الطائفة عندهم لا يساوي شيئاً أمام رضا الخارج أو مصالحهم الشخصية الضيقة.
الفارق واضح: وهاب قرأ المشهد باعتباره معركة وجود، بينما الآخرون تعاملوا معها كصفقة. هو انحاز إلى الأرض والتاريخ والدم، فيما هم ارتضوا الارتهان للخارج والانبطاح أمام مشاريع التقسيم. هؤلاء لم يكتفوا بالصمت، بل شاركوا بشكل أو بآخر في مؤامرة تستهدف كسر جبل العرب وإذلال أهله، وهو الجبل الذي كان على مدى التاريخ حصناً للكرامة والعزة.
من يقارن بين موقف وهاب اليوم ومواقف بعض “القادة الورقيين” في لبنان، يدرك تماماً من يمثل خط سلطان باشا الأطرش، ومن يمثل خط الانبطاح والذل. فالتاريخ لا يرحم، وقد سجّل ثورة الأطرش عام 1925 كواحدة من أعظم حركات التحرر في المشرق، وسيكتب أيضاً عن هذا الزمن أن ثمة من خان الدم وارتضى المهانة، فيما رجل من لبنان اسمه وئام وهاب أعاد إلى الطائفة صوتها العالي وصورتها الأصيلة.
إن من يفرّط بالسويداء إنما يفرّط بالوجود الدرزي كله، ومن يتواطأ على كرامة الجبل إنما يسلّم بمحو دوره من المعادلة المشرقية. وحده وهاب أدرك أن سقوط السويداء يعني سقوط جبل لبنان أيضاً، وأن طعنة في خاصرة الدروز في سوريا ستصيب كل الموحدين أينما كانوا. لذلك لم يتردّد في المواجهة، ولم يختبئ خلف شعارات خاوية أو مواقف رمادية.
الكبار يُعرفون عند الشدائد، ووئام وهاب أثبت أنه من طينة الكبار. أما أولئك الذين أضاعوا دم السويداء وسلّموا رقاب أهلها للخارج، فالتاريخ سيكتب أسماءهم على لائحة الخيانة.
في زمن الخيانة يبقى الكبار كباراً… ووئام وهاب أحد هؤلاء الذين لا يبيعون دمهم ولا يساومون على كرامتهم.