اخبار عربية ودوليةالرئيسية

محاولات للالتفاف على القرار 2254: أميركا تدفع بلامركزية نسبيّة

عامر علي - الاخبار

بالتزامن مع إعلان مجلس الأمن إعادة إحياء القرار 2254 والذي من شأنه أن يدخل السلطات الانتقالية في سوريا في طرق وعرة، لأسباب عديدة، أبرزها استمرار إدراجها على قوائم الإرهاب الأمميّة، كثّفت الولايات المتحدة وفرنسا مساعيهما لإحياء مسارات تفاهم متوازية تتعلّق بملفَّي «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) وإدارتها «الذاتية» شمال شرقي البلاد والسويداء التي باتت تعيش حالة حكم ذاتي في الجنوب. ويأتي التنشيط الأميركي – الفرنسي لهذين المسارين بعد الإعلان عن موقف موحّد يربط القضيّتين، إلى جانب ملف العلويين، وفق مخرجات «كونفرانس وحدة المكوّنات في شمال شرق سوريا» الذي انعقد في الحسكة ودعا إلى إقامة نظام حكم لا مركزي في سوريا.

وفيما مثّلت تلك المخرجات تهديداً كبيراً للسلطات المؤقّتة، فهي دفعت الأخيرة إلى إطلاق تحركات فورية، شملت لقاء وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بوفد تقني من «الإدارة الذاتية» برئاسة إلهام أحمد، الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في «الذاتية»، في دمشق، بالإضافة إلى لقاء ثلاثي لاحق جرى في عمّان، وجمع الشيباني بنظيره الأردني أيمن الصفدي والمبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توماس برّاك.

وفيما كان من المفترض أن يشارك ممثّلون عن السويداء في لقاء عمّان، أكّدت تسريبات أنّ شيخ عقل الطائفة الدرزية، حكمت الهجري، رفض المشاركة في أي اجتماع مع ما وصفه بـ«حكومة إرهابية»، في إشارة إلى السلطات الانتقالية. وخرج اللقاء ببيان خجول لم يحمل أي جديد واكتفى بعرض نقاط فضفاضة، منها «إجراء التحقيقات الكاملة ومحاسبة كل مرتكبي الجرائم والانتهاكات في محافظة السويداء»، بالإضافة إلى «التعاون مع هيئات الأمم المتحدة في مسار التحقيق في الجرائم والانتهاكات التي ارتُكِبت» و«زيادة دخول المساعدات الإنسانية» إلى جميع مناطق المحافظة، بما يشمل التعاون مع وكالات الأمم المتحدة المعنية. كما شدّد البيان على «تكثيف عمل المؤسسات الخدمية لاستعادة الخدمات التي تعطّلت جراء الأحداث والشروع في مسار المصالحات المجتمعية في محافظة السويداء وتعزيز السلم الأهلي».

الضغوط المتزايدة على السلطات الانتقالية باتت تفوق قدرتها على الانسياق الكلّي وراء الموقف التركي

وفي ضوء ذلك، تلاحظ المحاولة الحثيثة للالتفاف على بيان مجلس الأمن الرئاسي الداعي إلى تطبيق القرار 2254 والذي يفرض مشاركة المؤسسة الأمميّة في العملية الانتقالية وهو ما يتجلّى في الدعوة إلى إشراك مؤسسات أمميّة في التحقيقات في الجرائم التي شهدتها السويداء، على يد فصائل تابعة أو مرتبطة بالإدارة الجديدة. إذ إنّ هذه الدعوة تستبطن ضمان شرعية السلطات الحاكمة وحصر مشاركة الأمم المتحدة في إجراءات جزئية لا تتعلّق بانتقال السلطة.

كما تلاحَظ محاولة الالتفاف على مطالبات متزايدة في السويداء بفتح معبر حدودي مع الأردن لإدخال المساعدات، من شأنه، إذا ما تحقّق، ترسيخ الحكم الذاتي في المحافظة، ومنحها شريان حياة بعيد عن الرقابة والحصار الصارمين اللذين تفرضهما السلطات الانتقالية وتحاول استثمارهما في معركتها لفرض سلطة مركزية على السويداء. وفي هذا السياق، جاءت تصريحات أطلقها محافظ السويداء، مصطفى البكور، من دمشق، حول إنشاء آلية تهدف إلى تسهيل وصول الخدمات إلى الأهالي وتأمين احتياجاتهم بالتنسيق مع الوزارات المعنية، عبر رفع كتب من قبل المديريات والمؤسسات في محافظة المحافظة تحدّد فيها احتياجاتها وهو إجراء لن يجد طريقاً لسلكه في ظل إنشاء آلية إدارية بعيدة عن سلطة دمشق ومؤسساتها.

في غضون ذلك، سرّبت وسائل إعلام مقرّبة من السلطات الانتقالية ما يمكن اعتباره موقف السلطات من المباحثات الموازية الجارية حول «الإدارة الذاتية» والسويداء والذي يؤكّد عدم الاعتراض على مبدأ «اللامركزية»، في ما يمكن عدّه محاولة للتقدّم خطوة على هذين المسارين وفصلهما عن ملفّ الساحل.

غير أنّ مبدأ «اللامركزية» الذي يجري الحديث عنه يدور حول «لا مركزية إدارية»، تضمن بقاء السلطة السياسية المركزية على جميع الأراضي السورية وتمنع أي مشاريع «فدرالية»، أو على الأقل تصل إلى تفاهمات منفصلة مع «قسد» وأهالي السويداء، بما يمنع تعميم الاتفاق على كامل أراضي البلاد. لكنّ هذه الرؤية تصطدم بإصرار «الذاتية» على ترسيخ وجودها شمال شرقي البلاد والإبقاء على «قسد» كتشكيل موحّد داخل الجيش السوري، فضلاً عن رفض الشيخ الهجري أي مفاوضات مع السلطات الحالية.

أيضاً، أشارت التسريبات إلى «شعور السلطات الانتقالية بتراجع الدعم الممنوح لها من واشنطن»، الأمر الذي يتطلّب منها «استثمار تلك الاجتماعات بشكل أفضل». ويشي ذلك بأنّ الضغوط المتزايدة على دمشق باتت تفوق قدرتها على الانسياق الكلّي وراء الموقف التركي، الذي تسبّب بإعلانها انسحابها من اجتماعات باريس مع «قسد»، قبل أن يتمّ تسريب أنباء عن عدم صحة التراجع، ما يرسم بدوره صورة واضحة حول حالة من التخبّط السياسي في أروقة الإدارة الجديدة، على وقع اشتداد الصراع الإقليمي والدولي حول سوريا واستمرار الجرائم وآثارها الكبيرة على صورة هذه الإدارة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى