اخبار محليةالرئيسيةخاص دايلي ليبانون

كتب د. هشام الأعور- إدخال المواجهة مع إسرائيل في الحكومة… لعب بالنار

في خضم الواقع اللبناني الهش، حيث يتقاطع التوازن الطائفي مع التوترات الإقليمية، تبرز مسألة الاعتراض السياسي ضمن الحكومة كعامل دقيق يُقاس بميزان الميثاقية الوطنية. الاعتراض الذي سجّله وزراء الطائفة الشيعية مؤخرًا على مناقشة ورقة براك الأميركية داخل مجلس الوزراء، لا يمكن قراءته خارج هذا الإطار الدقيق. ففي ظل نظام سياسي لا يقوم على الغلبة العددية بل على التوافق، يُصبح أي موقف صادر عن مكوّن طائفي أساسي محاطًا بأسئلة مشروعة حول مدى انسجامه مع روح الشراكة الوطنية.

غير أن الاعتراض الأخير، رغم ما أثاره من سجالات، لم يبلغ حدّ الانسحاب الكلي من الحكومة أو تعطيل مسارها. بل أتى في سياق تحفظ واضح على بند خلافي لطالما شكّل مادة حساسة في الحياة السياسية اللبنانية، أي مسألة حصرية السلاح بيد الدولة. وعلى الرغم من الرمزية العالية لهذا الاعتراض، فإن المواقف اللاحقة للوزراء الشيعة دلّت على استعدادهم للعودة إلى جلسات لاحقة، ما يؤكد أنهم لا يقاربون الأمر من زاوية التفجير أو التعطيل، بل من باب التوازن والتأكيد على أن الشراكة لا تعني التبعية أو السكوت عن قضايا تمسّ جوهر العقد الوطني.

الميثاقية في لبنان، كما أفرزتها التجارب المتراكمة، لا تُختصر بالحضور الشكلي داخل المؤسسات، بل تتعلق بالفعل السياسي المشترك، وبإرادة متوازنة بين المكونات في صياغة القرار الوطني. وفي هذا السياق، فإن الاعتراض الموصوف لا يُعدّ خروجًا عن الميثاق، بل تجسيدًا له، حين يُمارَس كحق في إطار النقاش الديمقراطي، لا كأداة لتعطيل المؤسسات أو فرض الشروط المسبقة.

لكن المقلق حقًا ليس في الاعتراض ذاته، بل في الخلفيات التي تدفع البعض إلى تجاهله أو التقليل من أهميته، أو الأسوأ، في محاولة تمرير قرارات مصيرية في غياب مكوّن أساسي. هذا المنطق، وإن اتكأ على شرعية قانونية شكلية، فإنه يتجاوز روحية التفاهم اللبناني ويخالف مبدأ التوازن الذي يمنح هذا النظام قدرًا من الاستقرار وسط العواصف الإقليمية التي لا تهدأ.

ولعلّ الأخطر من كل ذلك، هو جرّ البلاد إلى نقاشات حساسة من نوع ما تضمّنته ورقة براك، في توقيت لا يحتمل التوتر ولا الجدل حول قضايا سيادية من هذا الحجم. إن طرح موضوع السلاح، وارتباطه بملف الصراع مع إسرائيل، لا يجب أن يُزجّ به في أروقة مجلس الوزراء، خاصة إذا كان ذلك يتم من خارج سياق وطني جامع أو من دون توافق واضح. فمقاربة هذا الملف، بمعزل عن الإجماع الداخلي، لا تعني فقط تجاوز الميثاقية، بل تضع السلم الأهلي على المحك، وتُعرّض البلاد لخطر الانقسام العمودي حول مسألة أمنية وجودية، ما يُضعف موقف الدولة نفسها بدل أن يُعزّزه.

من هنا، تبدو دعوة رئيس الجمهورية إلى تغليب منطق التفاهم والعقلانية واجبة وملحّة. عليه أن يتحرّر من ضغوط الأجندات الخارجية، وأن يتصرف بوصفه حامي وحدة اللبنانيين لا ممثّل فريق منهم. فلبنان لا يحتمل مقاربات التحدي، ولا تسويات قائمة على الغلبة، بل يحتاج إلى مسارات تفاهم تحترم كل مكوّن وتعيد إنتاج الثقة بين الشركاء في الوطن. فالميثاقية ليست امتيازًا لطائفة، ولا سلاحًا بيد طرف ضد آخر، بل هي الإطار الوحيد القادر على صون وحدة الكيان ومنع انزلاقه نحو المجهول.

إن تثبيت السلم الأهلي اليوم يتطلّب أكثر من تهدئة لحظية. إنه يحتاج إلى وعي جماعي بأن الشراكة الوطنية ليست منّة، بل ضرورة وجودية. وكلّ محاولة لتجاوز هذه الحقيقة، تحت أي ذريعة، لا تُقرب الحل بل تُفاقم الأزمة، وتفتح الأبواب مجددًا أمام تكرار مشاهد الانقسام والشلل التي دفع اللبنانيون أثمانها مرارًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى