مقاتلو الإيغور على حدود لبنان:ما وراء الحشود السورية الغامضة؟

كان ملف « المقاتلين الأجانب» إحدى أبرز النقاط الخلافية ما بين الغرب والإدارة السورية الجديدة، وهو الذي حال لأشهر امتدت حتى منتصف أيار المنصرم ما بين الأول وبين مد جسوره نحو الثانية، لكن « العقدة» راحت تشهد، بدءا من هذا التاريخ الأخير، حلولا لفكفكة حبالها بفعل أصابع عربية، وكذا بفعل الرواية السورية التي تركزت على محورين اثنين، أولاهما أن ضم هؤلاء تحت راية الجيش السوري هو أفضل من انضمامهم إلى « تنظيم الدولة الإسلامية – داعش»، وثانيهما أن ولاء هؤلاء هو بدرجة تجعل منهم» أمرا مفيدا»، وعلى الرغم من أن تلك الرواية فيها الكثير من الثُغر التي لا تستوي لتسويقها، من نوع التساؤل الذي يقول: إن معظم اولئك المقاتلين مضى على وجوده في سورية نحو عشر سنوات، والبعض نحو خمس عشرة سنة، فلماذا لم ينضموا، أو بعضهم على الأقل، إلى « داعش» ؟، ثم إذا كانت هناك ميول ملحوظة لدى هؤلاء، أو بعضهم، إلى هذا التنظيم المصنف إرهابيا على لوائح الغرب فكيف يمكن لدعاة ضمهم تحت راية الجيش أن يذهبوا باتجاه هذا الفعل ؟ إلا أن الرواية لقيت، كما يبدو، إذنا صاغية لدى أغلب الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، التي سيقول مبعوثها إلى سورية، توماس باراك، يوم 7 حزيران الفائت، إن « بلاده وافقت على خطة الحكومة السورية في ما يخص هذا الملف ( الذي يقصد به ملف انضمام المقاتلين الأجانب إلى الجيش السوري الجديد) «، وقبله بأربعة أيام كانت وكالة « روبترز» قد قالت في تقرير لها بهذا الخصوص إن « واشنطن وافقت على انضمام آلاف المقاتين الأجانب الى الجيش السوري الجديد»، وإن» الخطة تقضي، بحسب مسؤولين في وزارة الدفاع السورية، بانضمام 3500 مقاتل أجنبي من الإيغور إلى الفرقة 84>.
يمثل مقاتلو» الأيغور» مفصلا هو الأهم من بين المفاصل التي يحتويها ملف» المقاتلين الأجانب» في سورية، وذاك عائد لعدة اعتبارات، أبرزها أنهم يمثلون الجزء الأوزن من الكتلة التي يحظى بها هؤلاء، وعلى الرغم من أن عددهم غير معروف، فإن تقارير غربية ترجح أنهم بين 5000 – 18000 مقاتل، ومن الواضح أن حدي الثنائية المتسع كاف وحده، لإثارة الكثير من الغموض والشكوك حول اولئك الذين باتوا « ظاهرة» تستدعي الكثير مما يستوجب البحث في جذورها،وكذا المآلات التي يمكن أن تصير إليها، والجدير ذكره في هذا السياق إن جذور» الإيغور» تعود الى قومية تركية تعيش منذ قرون في منطقة شينجيانغ الصينية، ومع تصاعد ألسنة اللهب السورية عام 2013 بدأ توافد «الإيغور» إلى الشمال الشرقي من البلاد عبر الحدود التركية، واللافت هو أن توافدهم كان مع عوائلهم، وتلك إشارة قد تحمل مضامين عديدة أبرزها أن الفعل بلا» خط رجعة»، وبعد نحو عام، أو عام ونصف، قاموا بتأسيس « الحزب التركستاني الإسلامي» الذي انحصر نشاطه في إدلب وريفها، وكذا في الريف الشمالي الشرقي من الساحل السوري، واللافت هو أن اسم الحزب كان قد استنسخ من نظير له في أفغانستان يدعى « الحزب التركستاني الأفغاني»، لكن الأول، السوري، سبق له وأن أعلن أن لاعلاقة له بهذا الأخير الأفغاني الذي قامت الولايات المتحدة برفعه عن لوائح الإرهاب شهر تشرين أول 2020، ولربما حدث ذلك في سياق التوتر الأميركي – الصيني،حيث تنظر بكين إلى ذلك الحزب على إنه «حزب إرهابي انفصالي وايدلوجيته تهدد الجغرافيا الصينية >، واللافت في مسيرة الحزب، الذي تأسس العام 2014،هو أنه كان قريبا من أحمد الشرع في كل تحوراته التنظيمية بدءا من» جبهة النصرة» إلى « جبهة فتح الشام» وصولا إلى» هيئة تحرير الشام»، وداعما لمواقفه برغم إعلانه، العام 2016، الانفكاك عن تنظيم» القاعدة»، ومن ثم إعلان الحرب على تفرعاتها:« داعش» و «حراس الدين» .
سربت عدة تقارير، منذ أيام، أخبارا عن» حشود عسكرية سورية تموضعت على الجانب السوري من الحدود مع البقاع الشمالي في لبنان»، وأضافت بعض تلك التقارير أن تلك الحشود جلها من» الإيغور والشيشان والتركمانستان»، والجدير ذكره أن تلك التسريبات كانت قد تزامنت مع ما قالته مصادر محلية، ومفاده أنه جرى» خلال الأسبوع الماضي سحب العشرات من المقاتلين من ثكنات بالساحل السوري باتجاه ريف طرطوس الشمالي»، وأن الثكنات التي جرى سحب المقاتلين منها هي» ثكنة سقوبين ( شمال شرق اللاذقية) ومنطقة السن( ريف بانياس) وكتيبة عين الشرقية ( شرق جبلة) «، والشاهد هو أن تلك الثكنات كانت تحوي مقاتلين أجانب، وكانت لهم احتكاكات كبيرة مع المحيط الذي سبق له وأن تقدم بشكاوى عديدة إلى الجهات الرسمية، من دون أن يفضي الأمر إلى أي نتائج تذكر .
على الضفة السورية ذكرت مصادر حكومية أن» الأمر يندرج في إطار ضبط الحدود بين البلدين، ومنع تهريب السلاح من سورية إلى لبنان «، وتضيف بعض الصفحات الإعلامية القريبة من السلطة أن « الأمر بات أكثر إلحاحا بعد ورود معلومات من أجهزة استخبارات غربية عن دخول 2000 صاروخ كورنيت من سورية إلى لبنان عن طريق مهربين>، أما في معرض تبرير، تلك الصفحات، لإرسال قوات من « الأيغور»، فقد جاء أن» هؤلاء أثبتوا أنهم الأكثر إخلاصا ( وهو التوصيف الذي استخدمه المبعوث توماس باراك تماما) وولاءً لحكومة الشرع>، وفي التحليل يمكن القول إن حكومة دمشق أرادت إصابة أكثر من هدف بسهم واحد، فمن جهة يمثل الفعل رسالة للغرب تهدف إلى طي» ملف المقاتلين الأجانب» مرة واحدة عبر الإشارة إلى أن لهؤلاء « فوائد عديدة» يمكن الاستفادة منها، ومن جهة أخرى تمثل هذه الخطوة مبادرة « حسن نيات»، وهي موجهة لأهل الساحل الذين عانوا من ممارسات تلك الفصائل، التي كانت شريكة في «مجازر آذار»، وبتوثيق تقرير « رويترز» المنشور يوم 30 حزيران الفائت، لكن السؤال يظل: ماذا لو كانت الرسالة الموجهة للغرب تفوق في إشاراتها المرمى سابق الذكر ؟
على الضفة اللبنانية، أصدر الجيش اللبناني بيانا دعا فيه وسائل الإعلام إلى « توخي الدقة والموضوعية في نشر الأخبار»، أما « حزب الله» فقد تجاهل الموضوع تماما، أقله حتى الآن، وإذا ما كانت طريقة التعاطي تلك تهدف في النهاية إلى تهدئة الشارع اللبناني، وهو أمر مبرر، فإنه يجب ألا يغيب عن الحسابات أمر تبدو احتمالاته ضعيفة وفق السياقات حتى الآن : ماذا لو كان الهدف من الفعل « شد عصب» الجبهة المناهضة لـ «حزب الله» في لبنان ؟