د. هشام الأعور – حزب الله بين الشيطنة والدفاع: من يحمي لبنان في وجه العدوان؟

في ظل احتدام الحرب بين إيران وإسرائيل وتصاعد العدوان الإسرائيلي على لبنان، يتصدر المشهد سؤال جوهري لا يمكن القفز فوقه: ما هو الحل اللبناني الجامع لردع هذا العدوان؟ فبينما تتواصل الانتهاكات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية يوميًا، ويزداد القصف على قرى الجنوب، يغيب الموقف الوطني الموحد، وتزداد الفجوة بين اللبنانيين حول سبل الرد والمواجهة، في مشهد ينذر بمخاطر داخلية موازية للخطر الخارجي نفسه.
ما يزيد الصورة قتامة هو محاولات شيطنة حزب الله في الخطاب السياسي والإعلامي الداخلي، حيث يُحمّله البعض مسؤولية تدهور الأوضاع وجرّ البلاد إلى حرب لا يريدها اللبنانيون. لكن هذا المنطق يتجاهل حقيقة أساسية: أن العدوان الإسرائيلي على لبنان لم يبدأ مع حزب الله، ولن يتوقف حتى لو تم تحييده. فتاريخ إسرائيل مع لبنان حافل بالاعتداءات، من الاجتياح في 1982 إلى قصف المدنيين في قانا، إلى الحروب المتكررة التي شنتها دون أي رادع دولي أو عربي.
توجيه الاتهام لحزب الله وتحميله وحده مسؤولية التصعيد، وإن كان جزءًا من نقاش داخلي حول دوره وسلاحه وموقعه من القرار الوطني، لا يجب أن يتحول إلى ذريعة لتبرير العجز اللبناني المزمن في مواجهة العدوان. فالمسؤولية لا تقع فقط على جهة واحدة، بل على الدولة مجتمعة، التي فشلت حتى الآن في بلورة استراتيجية دفاعية تحمي أرضها وشعبها، وتردع أي محاولة إسرائيلية للمس بسيادتها.
الحل لا يكون عبر الاستسلام للواقع، ولا من خلال تصفية الحسابات الداخلية فيما العدو على الأبواب، بل عبر إطلاق حوار لبناني جدي ومسؤول، يهدف إلى بناء رؤية مشتركة للدفاع الوطني. هذه الرؤية يجب أن تتجاوز الاصطفافات الطائفية والسياسية، وتؤسس لمعادلة واضحة: لا يمكن أن يكون الدفاع عن لبنان موضع انقسام، ولا يمكن أن تُترك مواجهة العدوان مهمة طرف واحد في ظل غياب الدولة.
إن الطريق إلى حل لبناني جامع يبدأ بالاعتراف أن الأمن الوطني مسؤولية جماعية، وأن لبنان لا يمكن أن يبقى رهينة للتجاذبات الإقليمية أو الحسابات الحزبية. المطلوب اليوم هو تفعيل مؤسسات الدولة، وتحديث العقيدة الدفاعية، وإشراك كل القوى اللبنانية في رسم خط الدفاع عن الوطن، بما يحصّن الداخل، ويمنع العدو من استثمار الانقسامات لفرض إرادته بالقوة.
لبنان، الذي عانى كثيرًا من الاحتلال والاعتداءات، يستحق أن يُحمى بإرادة وطنية جامعة، لا بقرارات ارتجالية ولا باتهامات متبادلة. وإذا كان حزب الله يُنتقد أو يُسائل، فليكن ذلك في سياق نقاش وطني شامل حول الاستراتيجية الدفاعية، لا عبر استغلال لحظة الخطر لتصفية الحسابات معه أو نزع الشرعية عن مقاومة نشأت أساسًا في وجه الاحتلال.
في لحظات كهذه، لا يكون الانقسام ترفًا، بل خطيئة. والحياد عن العدوان لا يعني الحياد بين المعتدي والمعتدى عليه. فإما أن يجد اللبنانيون صيغة لحماية بلدهم من الاعتداءات الإسرائيلية المدمرة، أو أن يبقوا يتقاذفون التهم، حتى يسقط البيت على رؤوس الجميع.