اخبار عربية ودوليةالرئيسية

موجة اعتقالات خامسة: «الشعب الجمهوري» في مهداف إردوغان

محمد نور الدين - الاخبار

كانت ذروة حملات التصفية التي قادها إردوغان ضدّ معارضيه، التخلّص من رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو (أ ف ب)
كانت ذروة حملات التصفية التي قادها إردوغان ضدّ معارضيه، التخلّص من رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو (أ ف ب)

مع سعي الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، منذ سقوط النظام في سوريا، إلى ترسيخ صورته كزعيم إقليمي، بالتعاون والتنسيق الكاملين مع الولايات المتحدة، ها هو يمضي أيضاً، مستفيداً من الزخم إيّاه، في تشديد قبضته على الحياة السياسية في الداخل. ففي دراسةٍ صدرت أخيراً عن مركز دراسات «tepav» التركي، أظهر مؤشّر احترام القانون بين عامَي 1900 و2023 أنّ نسبة الاستبداد وصلت إلى أعلى مستوياتها عام 2023، أي في عهد إردوغان، بل هي، وهنا المفاجأة، أعلى من نسبتها في عام 1900، حين كان عبد الحميد الثاني سلطاناً على الدولة العثمانية.

ويرى العديد من الكتّاب أنّ تلاعب إردوغان بالنصوص الدستورية تحديداً، وإقدامه على تعديلها في فترات قصيرة، يعكسان قلّة احترام لهذه النصوص؛ إذ إن أغلب التعديلات كانت تطال بنوداً تتيح للرجل صلاحيات مطلقة، وإمكانية الترشح للانتخابات الرئاسية مرّة بعد أخرى.

ويرى معظم معارضي السلطة، من جهتهم، أن موجات الانفتاح على بعض القضايا المهمّة، من مثل المشكلة الكردية، تهدف إلى منح الأكراد بعض المكاسب في مقابل تأييد نوّابهم تعديلاً دستوريّاً في البرلمان، يمكّن إردوغان من الترشّح لولاية رئاسية جديدة؛ علماً أن «تحالف الجمهور» الذي يتزعّمه رئيس الجمهورية يحتاج إلى النواب الأكراد الـ57 لينال التعديل غالبية الثلثين المطلوبة، وهي 400 نائب.

وهنا، تَظهر أصوات حتى من داخل «حزب المساواة والديموقراطية للشعوب» الكردي، تشدّد على ضرورة ألّا يقابل تحصيل بعض المطالب الكردية، بتأبيد الاستبداد والدكتاتورية، تماماً كما يحذّر بعض قياديي «حزب العمال الكردستاني» من ألّا تفي السلطة بوعودها للأكراد مقابل حلّ الحزب نفسه وتسليم سلاحه.

وكانت ذروة حملات التصفية التي قادها إردوغان ضدّ معارضيه، التخلّص من العقدة الأكبر، رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، الذي أفادت كل الاستطلاعات بأنّه الشخصية الأوفر حظّاً لهزيمة الرئيس الحالي في الانتخابات المقبلة، عام 2028. ومع أنّ الدستور يتيح لإردوغان الترشّح مجدّداً في حالة الدعوة إلى انتخابات رئاسية ونيابية مبكرة، أي قبل انتهاء مدّة الرئاسة في العام المذكور، وبقرار من البرلمان، إلا أنّ الأخير يحاذر اللجوء إلى هكذا خيار في الفترة القريبة القادمة، نظراً إلى أن الوضع الاقتصادي السيّئ يضغط كثيراً على شعبيّته.

وإذا كان التخلّص من إمام أوغلو قد حقّق أحد أعظم أهداف إردوغان، فإن حملة الرئيس على المعارضة تمضي وبسرعة قياسية منذ اعتقال الرئيس السابق لبلدية إسطنبول في الـ19 من آذار الماضي؛ لا بل يمكن القول إن إضعاف «حزب الشعب الجمهوري» وصولاً إلى تفكيكه بات الهدف المركزي لإردوغان. وخلال شهرين ونيف فقط، كان القضاء التركي يطلق خمس موجات اعتقال أساسية ضدّ بلديات «الشعب الجمهوري» في كثير من المناطق، في ظلّ مواصلة اعتقال المزيد من كوادر بلدية إسطنبول لتفريغها من المعارضين.

ووقعت آخر الموجات الكبيرة، وهي الخامسة منذ الـ19 من آذار، أول أمس، مع اعتقال 47 شخصاً، من بينهم خمسة رؤساء بلديات في إسطنبول، أهمّها غازي عثمان باشا وآوجيلار، وسيحان وجيحان في محافظة أضنة، بتُهمٍ مختلفة، أبرزها الفساد، ليصل عدد المعتقلين من بلديات «الشعب الجمهوري»، إلى 284 شخصاً. ووصف زعيم الحزب، أوزغور أوزيل، الحملة الجديدة، بأنها «سياسية عبر القضاء»، وقال، في مهرجانين منفصلَين، أول أمس في محافظة دوزجه، وأمس في محافظة أنطاليا، إن «ما يفعله إردوغان ليس سوى انقلاب يضاف إلى انقلابات 1960 و1971 و1980 و2016، ولكن الفارق أن الانقلاب هذه المرّة لم يأتِ على ظهر دبّابة أو جزمة عسكرية، بل بجبّة القضاء».

وأضاف: «إذا كنتم قد أدخلتم إمام أوغلو إلى السجن، فإنّ أحداً من حزب العدالة والتنمية لن يبقى خارجه»، مؤكّداً أنّ حزبه لن يوقف المهرجانات دفاعاً عن إمام أوغلو، بل ستقام كل أسبوع في محافظة جديدة، فيما دعا الأخير من سجنه، إلى مواصلة النضال ضدّ الفاشيّة التي أدخلت البلاد في عتمة لن تخرج منها.

وفي خضمّ كل هذه الأحداث، كانت العيون ترقب ردود فعل «حزب المساواة والديموقراطية» الكردي؛ ذلك أن مسار التوصّل إلى حلّ للمشكلة الكردية يشهد زخماً قويّاً منذ إطلاق أوجالان ندائه الشهير في الـ27 من نيسان الماضي، لحل «حزب العمال» وتسليم سلاحه. وإذ يرى زعماء الحزب الكردي أن الفرصة قد تكون سانحة لتحصيل بعض المطالب الكردية، فإن عدم تقديم السلطة حتى الآن أيّ ضمانات في هذا المجال، يجعل الحزب الكردي محرجاً تجاه عمليات الاعتقال والقمع التي تتعرّض لها المعارضة.

وإلى حين التوصل إلى نتائج ملموسة تتعلّق بالهوية الكردية وإطلاق سراح أوجالان، فإن الأكراد يعبّرون عن تضامنهم مع «الشعب الجمهوري» ويدينون عمليات الاعتقال. وفي هذا الإطار، قالت رئيسة الحزب، تولاي خاتم أوغوللاري، إن «تصفية الحسابات السياسية عبر القضاء واعتقال أشخاص منتخبين أمرٌ لا يمكن القبول به، ويجب احترام نتائج صناديق الاقتراع وإرادة الشعب».

ولفت في خضمّ هذه الأحداث، موقف للمفكر الروسي المعروف، ألكسندر دوغين، في حديث إلى موقع «بوليميك خبر» التركي، قال فيه: «ربّما أكون مخطئاً، ولكن أرى أن الاحتجاجات التي تجري في تركيا تعكس أمرين: إنها اعتراض كبير على إردوغان. لقد اتّخذ قرارات مستهجنة استجلبت هذا الكمّ من الاحتجاجات، وهذا ما يضعف سلطته ويقلّل من احترام موقعه. الشعب التركي شعب عظيم، ولا يكفي أن تقول له: سأفرض هذا النظام وعليك بالقبول». وأضاف: «أعتقد أن الشعب لم يَعُد يرى في إردوغان مستقبلاً. الشعب يقول لإردوغان: إلى هنا كفى. هذه نتيجة طبيعية، إذا لم تحترم شعبك، فشعبك سيتخلّى عن احترامه لك».

ووفقاً لإيشيك قانصوه، في صحيفة «جمهورييات»، فإن «السبب الرئيس وراء كلّ ما نشهده، هو أن إردوغان لا يريد أن يخرج من القصر الرئاسي. لا مكان لكلّ هذه الاتّهامات التي تطال بلديات حزب الشعب الجمهوري فقط، بل إن العقبة الوحيدة التي تهدّد سلطة إردوغان هي الشعب الجمهوري». وأضاف قانصوه إن «إمام أوغلو لم يقبل بنصيحة دولت باهتشلي، شريك إردوغان، بأن يكتفي برئاسة بلدية إسطنبول؛ فكان أن أعلن ترشّحه للرئاسة. كل الاستطلاعات تقول إن إمام أوغلو سيربح المعركة الرئاسية ضدّ إردوغان وبفارق ثماني نقاط على الأقل. والاحتجاجات تُظهر أن الشعب لن يسمح لإردوغان بأن يهزم إرادته».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى