نهاية مرحلة «الاستيعاب»: المقاومة تُجدّد كمائنها النوعية
يوسف فارس - الاخبار

بعد 50 يوماً من تنصّل العدو من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، واستنفاد كل السبل الدبلوماسية لاجتراح اتفاق جديد يلزمه بإنهاء الحرب، أدركت المقاومة الفلسطينية أن المؤسسة الأمنية والسياسية الإسرائيلية تتعمّد وضع مزيد من العراقيل والشروط التعجيزية لإجهاض كل المقترحات التي قدّمها الوسطاء لإحياء التهدئة؛ وهو ما تمثّل آخر فصوله في وضع بند نزع سلاح المقاومة كمدخل لأيّ صفقة تبادل تقود إلى وقف الحرب.
قبل ذلك، كان واضحاً أن المقاومة امتصّت، طوال المدة الماضية، العشرات من المجازر وعمليات الاغتيال، كي تعفي الأهالي الذين أثقلتهم ويلات الحرب والنزوح من وحشية ردود الاحتلال. لكنّ أحداث الميدان في الأسبوع الفائت، شهدت تطبيقاً لقرار يبدو أن قيادة المقاومة توافقت على المضي فيه، يقضي برفع تكلفة العملية البرية عبر تنفيذ عمليات تصدّ واشتباك محكمة، تجسّدت أحدثها في كمين نوعي أطلقت عليه «كتائب القسام» اسم «كسر السيف»، وتمكّن المقاومون من نصبه خلف خطوط قوات العدو المتوغّلة في المنطقة العازلة في مدينة بيت حانون أقصى شمال القطاع.
وذكر بيان «كتائب القسام» أن المقاومين تمكّنوا من استهداف جيب عسكري يتبع قيادة كتيبة جمع المعلومات القتالية في فرقة غزة، بقذيفة «آر بي جي» مضادّة للدروع، في شارع العودة المحاذي للسياج الحدودي الفاصل، ثم أمطروه بوابل من الرصاص، ما تسبّب بانقلابه ومقتل جندي وإصابة خمسة آخرين.
وفور وصول وحدة الإنقاذ، فجّر المقاومون عبوة تلفزيونية مضادّة للأفراد، الأمر الذي أدّى إلى مقتل وإصابة عدد من الجنود، قبل أن يهاجم مقاتلو «الكتائب» موقعاً مستحدثاً بعدد من قذائف الـ «آر بي جي» وقذائف الهاون.
لا تظهر أي مؤشرات إلى إمكانية العودة إلى الهدوء في الأيام المقبلة
ونشرت «القسام» مقطعاً مصوّراً ظهر فيه المقاومون وهم يخرجون من فتحة أحد الأنفاق المحاذية للحدود، وينتظرون وصول الجيب الهدف إلى حيز الكمين، قبل أن يهاجموه بالقذائف والأسلحة الرشاشة. وأعادت تلك المشاهد إلى الذاكرة سلسلة من الكمائن النوعية التي استطاعت المقاومة، وتحديداً «كتيبة بيت حانون»، تنفيذها قبيل التوصّل إلى اتفاق التهدئة في 19 كانون الثاني الماضي، وتسبّبت حينها بمقتل 15 جندياً وإصابة العشرات، خلال أسبوعين من القتال.
كذلك، تمكّن مقاومو «القسام» من استهداف دبابة «ميركافا 4» وجرافة «دي ناين» بقذائف «الياسين 105»، في جبل الصوراني شرق حي التفاح. وفي المحور نفسه، أبلغ «الإعلام العسكري» التابع للكتائب عن تمكّن المقاومين من استدراج قوة هندسة إلى عين نفق مفخّخة مسبقاً، ومن ثم تفجيره بها، ما تسبّب بوقوعها بين قتيل وجريح. وكانت «سرايا القدس»، أعلنت بدورها، تفجير دبابة إسرائيلية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة. كما أبلغت عن قصف تجمّع لجنود العدو شرق حي التفاح بوابل من قذائف الهاون.
وفي المقابل، كثّف جيش الاحتلال، أمس، غاراته على مناطق القطاع كافة؛ إذ استهدف، خلال ليلة واحدة، العشرات من المنازل والخيام، فضلاً عن تدمير 40 آلية ثقيلة يتبع بعضها للجنة المصرية القطرية لإعادة الإعمار، وزعم العدو أنها استُخدمت في نشاط المقاومة وفي عملية «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر من عام 2023.
على الصعيد السياسي، لا تظهر أي مؤشرات إلى إمكانية العودة إلى الهدوء في الأيام المقبلة؛ إذ يتمسّك المستوى السياسي الإسرائيلي بمقترح مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، كبوابة للهدوء، فيما تصرّ حركة «حماس» على رفض القبول بأي صفقات جزئية. ويأتي ذلك في وقت يزداد فيه الحديث عن اقتراب المستوى السياسي الإسرائيلي من الانتقال إلى مرحلة الهجوم الموسّع، والذي يهدّد العدو باحتلال كامل قطاع غزة من خلاله. وفي خضمّ هذا التأزّم، وصلت الأوضاع الإنسانية في القطاع إلى مرحلة شديدة الصعوبة، حيث يواصل الاحتلال إغلاق المعابر في وجه المساعدات الإنسانية، فيما تتفاقم معاناة المواطنين للحصول على الخبز والمياه الصالحة للشرب.