اخبار عربية ودوليةالرئيسية

الحقائق تعاكس ترامب: سياسة «الإيهام» لا تثمر

حسين إبراهيم - الاخبار

بات واضحاً أنه كان ثمة تضخيم في الحديث عما يمكن أن يصل إليه اجتماع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ورئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، الأخير، لناحية استكمال الهجوم الهادف إلى القضاء على قوى الاعتراض، وتطويع القوى الموالية، والمتمثلة بالأنظمة العربية، بما لا يتماشى مع مصالحها. والواقع أنه في أكثر من محطة منذ تسلّمه منصبه قبل شهر، أو حتى قبل ذلك، لجأ ترامب إلى تكتيك التهويل لفرض ما يريد في السياسة، الأمر الذي جعل كثيرين في المنطقة يحبسون أنفاسهم في انتظار ما سيخرج به الاجتماع المذكور، إن لجهة العمل على سحق المقاومة ضد إسرائيل – وهنا، كان التهديد مباشراً في حال تعثر إطلاق سراح أسرى العدو في قطاع غزة -، أو لجهة توجيه ضربة قاصمة إلى إيران تنهي عملياً دورها الإقليمي، ولا سيما في الصراع مع إسرائيل.

إلا أنه حينما لم يستجب من كان يخاطبهم ترامب للتهويل، بدأت تظهر علامات تنازل الرجل، في ما يظهر أنه بداية رحلة عودة إلى الواقعية في التعامل مع الحقائق في الشرق الأوسط، والتي لم تغيّرها العقود الطويلة، ولن يغيّرها ضغط على أزرار في واشنطن. هكذا، لم يتضح بعد الاجتماع أن ثمة هجوماً يجري التحضير له على إيران، في حين غابت التقارير في الصحف الإسرائيلية عن هذه المسألة. كما لم يظهر في المقابل أن طهران قدّمت أي تنازل يتيح التفاوض على تسوية تحقّق لترامب ما يمكن أن تحقّقه الحرب؛ بل على العكس، يمكن لحظ مزيد من التحدي في المسلك الإيراني.

ويبدو أن الرئيس الجمهوري لم يستجب لطلب نتنياهو دعم ضربة إسرائيلية ضد طهران، وإن حافظ على لهجة التهويل، إذ قال قبل أيام لشبكة «فوكس» إنه يعتقد أن «إيران متوترة جداً، وخائفة، وأنها ستحب إبرام صفقة، وأنا أحب إبرام صفقة معهم من دون قصفهم».وفي ما يتعلق بحرب غزة، لم توافق حركة «حماس»، رغم التهويل الأميركي، على المضي في عملية تبادل الأسرى، إلا بعد حصولها على ضمانات بوقف عرقلة إسرائيل دخول المساعدات إلى القطاع.

وإلى جانب ما تقدّم، كان لإعلان ترامب رغبته في الاجتماع مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في السعودية، دلالات لا تتعلق بمضمون الاجتماع نفسه، بل بما يحاول فرضه على المنطقة، ولا سيما في مشروع تهجير سكان قطاع غزة، والذي صار يبدو أكثر فأكثر خياراً غير قابل للتنفيذ، في ضوء «هَبة الأنظمة» المستهدَفة دولها بالطرح المذكور. وكان آخر تصريح لترامب في ما خص غزة، مؤشراً إلى أنه يتجّه إلى التسليم بالأمر الواقع، وحصر المطالب بأن لا يشكّل القطاع خطراً على إسرائيل في المستقبل، أي أن لا تحكمه الحركة بعد الحرب، وهو ما كانت الأخيرة أعلنت أنها لا تريده أصلاً.

ولعل من بين رسائل الاجتماع المقترح في السعودية، أن ترامب كان يتجاهل المملكة تماماً منذ عودته إلى السلطة، وهي التي كان افتتح زياراته الخارجية بها في ولايته الأولى، ليعود اليوم ويتجه إلى فعل الأمر نفسه على ما يبدو، في هذه الولاية كذلك, علماً أن كثيرين في العالم لا يبدون رغبة في استقباله، نتيجة الصلف الذي تعامل به مع كل الدول الحليفة، ولم يستثن منه إلا إسرائيل. ومن دلالات إعلانه المشار إليه أيضاً، أن النظام السعودي نجح في القول لا لترامب، ودفعه إلى التراجع، خاصة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية التي تصر الأخيرة على «حل الدولتين» لإنهائها بما يمنح الرياض فرصة لإقامة علاقة أكثر توازناً معه، ليس فيها على الأقل نوع الإهانات التي كان يتعامل بها مع المملكة سابقاً.

وعلى أي حال، يبدو أن ثمة خللاً أساسياً في شخصية الرجل لا يتلاءم كثيراً مع حقائق السياسة العالمية. فالصراعات التي يقف أمامها، ليست مباريات مصارعة حرة من تلك التي كان يرعى تنظيمها وتنتهي بتثبيت كتفي أحد المتبارين على أرض الحلبة، ورفع يد الآخر إعلاناً لفوزه. وللمناسبة، حتى هذه المباريات كانت تنتهك القوانين الرياضية العادية، وبعضها كان لا ينتهي إلا بعراك خارج الحلبة، ينال الرعاة أنفسهم منه بضع لكمات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى