اخبار محليةالرئيسية

الحريري يعود متأبّطاً شقيقه وجماهيره: رسائل بالجُملة إلى الداخل والخارج

لينا فخر الدين - الاخبار

منذ عشرين عاماً، أطلّ سعد الحريري للمرة الأولى، من موقع اغتيال الرئيس رفيق الحريري. كان الشاب بشعره المنسدل على كتفيه، يتلفّت يمنةً ويسرةً، حول «السان جورج». لا كلام في السياسة لابن رئيس حكومة لا يفقه في عالمها من الأساس. هذا الصّمت تبعه بعد أيام ضياع وسط المُشيّعين، قبل أن يغيب النّجل الثاني للحريري في عواصم دوائر القرار، ويعود وريثاً لـ«قصر قريطم». يومذاك، ارتضى «طريّ العود» أن يقود «القوم» شقيقه، قبل أن يحتل «الوكلاء السياسيون» مكانه لمخاطبة الجمهور و«الأكل» من حصّته السياسية، كما الاستثمار فيها.

بعد عشرين عاماً، كلّ ذلك تغيّر؛ لم يعد سعد الحريري رجلاً للأعمال فقط، ولا شاباً في مقتبل العمر، بعدما خطّت سنونه الخمسين ونيّف التجاعيد على وجهه، وألماً في قلبه، إلّا أنها من المؤكّد زادته حنكةً وخبرةً في العمل السياسي، كما زادته جدّيةً في خطابه وقدرةً على أن يتزّعم «قومه» من دون منازع. لم يعد هناك من وكلاء يُخطّطون باسمه ويُنفّذون باسمهم. بل صار ممكناً اليوم أن يقود جمهوره وحده، ويُخاطب شركاءه في الوطن، ليجرؤ على رسم خارطة طريق الاستحقاقات المقبلة والتحوّلات في خطابه، محاولاً بذلك اجتياز «حُرمات الرياض».

اكتظاظ الساحات بانتظار الحريري
وأتت هذه الجرأة على وقع جمهورٍ أزرق عريض قرّر المُشاركة في الذكرى العشرين لاغتيال الرئيس رفيق الحريري، بعد أن غصّت ساحة الشهداء بالآتين من مختلف المناطق اللبنانية. وكان من الصّعب الاقتراب من المنصّة التي سيُلقي الحريري خطابه من فوقها، بعدما قرّر العديد من الشبان والشابات التوجه إليها منذ ساعات الصباح الأولى و«التثبّت» في «النقطة الاستراتيجية» التي تُتيح لهم التقاط «سيلفي» مع «دولته»، أو حتى مدّ أيديهم كي تلمس إحدى يديه عند دخوله. ومن لم يجد مكاناً في الساحات، قرّر تسلّق السقوف الخشبية الموجودة في المكان، أو حتى المنصات الحديدية المخصصة لمكبرات الصوت، حتى يكون بمقدورهم رؤية الحريري عن قُرب، غير آبهين بإمكانية سقوطهم وهم يتسلقون هذه المنصات. فيما قرر آخرون البقاء إلى جانب الشاشة الكبيرة التي وضعت وسط الساحة، لبث إطلالة الحريري.

وإذا كان المشاركون أتوا من مختلف المناطق، فهم أيضاً كانوا من مختلف الأعمار. وبعضهم حمل أطفاله لرؤية رجل لا يعرفوه، وإنما صدحت حناجرهم باسمه. وقد أدى الازدحام إلى حالات اختناق نقلتها الإسعافات التي كانت موجودة في المكان.

ولذلك، اكتظّت الساحات بالموجودين، الذين حملوا الأعلام اللبنانية بعدما أصرّت القوى الأمنية (بتوجيهات من قيادة المستقبل) على منع إدخال «الأعلام الزرقاء»، و«مصادرتها» عند المدخل الرئيسي لساحات الشهداء، حيث توزّع حوله عسكريون وعسكريات كانوا يسمحون للمشاركين والمشاركات بعبور الحواجز الحديدية.

هكذا، حمل المشاركون الأعلام اللبنانية، التي لوّحوا بها على أنغام أغاني «السعد» وانتظروا كي يطلّ زعيمهم عند الساعة الواحدة و52 دقيقة من أمام ضريح والده، قبل أن ينتقل بعد نحو 10 دقائق إلى المنصة لإلقاء خطابه.

على «مسطرة» الداخل والخارج
هذا الخطاب الذي صاغ الرجل كلماته بـ«مسطرة» المعادلات السياسية، مُوجّهاً الرسائل إلى الداخل والخارج. فهو إذا كان عبّر عن دعمه للعهد الجديد وحيّا الدول العربية، فإنه أيضاً تحدث عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وتوجّه إلى حزب الله «الشريك» من دون أن يسميه، ومن دون أن يغفل عن توازنات بيته الداخلي. ولذلك، «هندَس» فريقه ظهوره الأول بعد زيارة رجل الأعمال بهاء الحريري إلى لبنان وقيامه بجولة على المناطق، أراد فيها إقصاء تيار المستقبل وإعلان حصر إرث شقيقه سعد باكراً. صحيح أن بهاء ذهب ولم يعد، إلّا أن سعد أراد أن تكون عودته هذه المرّة، متأبطاً شقيقه أيمن الحريري ابن رفيق ونازك الحريري للمرّة الأولى منذ اغتيال والدهما. وتحلّق الشقيقان حول العمّة بهية، وإلى يسارهم العم شفيق.

هي إذاً، «الشرعيّة الحريرية» التي أراد رئيس الحكومة السابق أن يتدثّر بها ويُدثّرها، مُحاولاً بذلك القضاء على أوهام بهاء بإمكانية تحوّله إلى وريث شرعي عند غياب شقيقه، مانحاً «الإرث» لأيمن بعد بهية، ليكون «الجمهور الأزرق» شاهداً على عملية التوريث، ولو بالشكل.

ورغم أن صورة أيمن كان طاغية على مشهد الرسائل التي أرادها رئيس «المستقبل»، إلّا أن أولوية الأخير كانت في مكان آخر، وتحديداً عودته إلى الساحة. فهو الخطاب الذي سوّق له «الزرق» أنه سيتضمن إعلان العودة والمشاركة في الانتخابات البلدية والنيابية. وعليه، كان الجمهور الموجود في ساحة الشهداء، متعطّشاً لسماع خبر عدول زعيمهم عن قرار الاعتكاف.

ومع ذلك لم يحسم الحريري الأمور بوضوح أو يُسمِع قاعدته الشعبية ما أرادت سماعه، فكان إعلانه مبهماً ومن دون أن يُقدّم آلية تفصيليّة وواضحة لعودته أو حتى مشاركة تياره في العمل السياسي. وذلك على عكس الخطاب المُفصّل الذي شرّح فيه قبل ثلاث سنوات أسباب تعليق عمله السياسي. واكتفى الرجل بالتوجه إلى جمهوره بالقول: «تيار المستقبل باقٍ هنا وباقٍ معكم. وسيكون صوتكم في كل الاستحقاقات الوطنية، وفي كل المحطات المقبلة». وعن حضوره في المعترك السياسي أو إمكانية ترشحه، كان الحريري مقتضباً أيضاً، إذ قال: «باقٍ معكم وواقف حدكن ولن أترككم وسأكمل معكم»، قبل أن يُردّد: «كل شي بوقته حلو».

ولكن غموض الحريري لم يبدّل في حماسة الموجودين الذي أتوا لسماع خبر عودته، من دون أن يُعيروا اهتماماً إلى «كيف وليش»، فالأهم أنه أعلن عودته، كما لو أنه لم «يهجرهم» يوماً، فتجمعوا بالآلاف على مقربة من المنصة، التي ارتفعت بالقرب من مسجد «محمد الأمين».

في المقابل، كان الأمين العام لتيار المستقبل، أحمد الحريري، يشرح من بيت الوسط، أسباب هذا الغموض، لافتاً إلى أن آليات العمل التي يُريدها الرئيس الحريري وسينفّذها تياره، ستّحدّد لاحقاً، وستتوضّح للجمهور أكثر.

«ترميم الجسم اللبناني»
وبالإضافة إلى إعلان العودة، تحدّث سعد الحريري عمّا وصفه بـ«حرب إسرائيلية مجنونة، مجرمة، استهدفت بلدنا وقتلت أهلنا، ودمرت بيوتهم ومؤسساتهم ومزروعاتهم ومجتمعهم، وكما أنحني أمام كل الشهداء من أهلنا في الجنوب والبقاع وبيروت والضاحية وكل المناطق، أرفع رأسي بالتضامن الذي عبرتم عنه خلال الحرب، عندما فتحتم بيوتكم للمنكوبين واستقبلتم النازحين وقلتم بالفعل وليس بالكلام: لبنان واحد واللبنانيون جسم واحد».

وشدد على أن «مسؤوليتنا جميعاً أن نرمم الجسم اللبناني الواحد ونعيد إعمار المناطق المدمرة. هذه مسؤولية الجميع، كما هي مسؤوليتهم في حل الأزمة الاقتصادية، وإعادة التنمية في كل المناطق. اليوم لدينا فرصة ذهبية: بات لدينا رئيس جمهورية، وحكومة جديدة، وأمل جديد عبّر عنه خطاب القسم للرئيس جوزيف عون، وبيان رئيس الحكومة نواف سلام»، معرباً عن دعمه لهذه الفرصة ورفضه «لأي محاولة للالتفاف عليها».

وتوجّه الحريري إلى أهل الجنوب والبقاع والضاحية، بالقول: «أنتم شركاء في هذه الفرصة، ومن دونكم لا يمكن أن تتحقق. لكن يجب أن تكسروا أي انطباع من السابق بأنكم قوة تعطيل واستقواء وسلاح. أنتم شركاء في فتح جسور العلاقة مع الأخوة العرب وشركاء في إعادة الإعمار، والأهم أنتم شركاء بقوة في إعادة الاعتبار للدولة، التي وحدها بجيشها وقواها الأمنية ومؤسساتها، تحمي كلّ اللبنانيين».

وسأل: «نحن بماذا كنا نطالب غير بدولة طبيعية، السلاح فيها احتكار للجيش الوطني، والقوى الأمنية الشرعية، والاقتصاد فيها حر ومنتج ويوفر العمل والحياة الكريمة لكل اللبنانيين، والقضاء فيها مستقل ويطبق القوانين، ويحمي الحريات الخاصة والعامة».

وشدد على دعمه «العهد والحكومة ولكل مجهود، لنبني دولة طبيعية وعلاقات طبيعية مع عائلتنا العربية والمجتمع الدولي، ولنستعيد دور لبنان في المنطقة والعالم، ونحن مع الدولة وجيشنا الوطني، ومع كل مجهود يقومون به لفرض تطبيق وقف إطلاق النار والقرار 1701 كاملاً، أي خروج الاحتلال الإسرائيلي من كل القرى التي لا يزال موجوداً فيها».

ومن الداخل انتقل الحريري إلى التطورات الإقليمية، إذ بدأ من سقوط نظام بشار الأسد ليعلن دعمه لخيارات الشعب السوري من دون الإتيان على ذكر رئيسه أحمد الشرع. وعن فلسطين، أكد أن «المشكلة مع (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتانياهو هي الهروب من المسؤولية، الهروب من السلام إلى الحرب، مشكلة احتلال وقتل وتشريد شعب، ولا يمكن أن تُحل لا على حساب مصر ولا على حساب الأردن ولا من حساب السعودية».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى