استبعاد تعبير الكيان… وانفتاح على التطبيع: بوادر تحوّل جزائري؟
آدم شعبان - الاخبار

ا أثار إعلان الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، عدم ممانعته تطبيع العلاقات مع إسرائيل حال قيام الدولة الفلسطينية، سخط قطاع من الطبقة السياسية الجزائرية، والتي رأت أن هذا العرض يعدّ تراجعاً عن المواقف والمبادئ المؤيدة للقضية الفلسطينية. وعلى الرغم من أن الموقف الذي صدر عن تبون في حواره مع صحيفة «لوبينيون» الفرنسية، وقال فيه إن «الجزائر ستكون على استعداد لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل في اليوم ذاته، الذي ستقوم فيه دولة فلسطينية كاملة»، يعدّ امتداداً لمواقف سابقة عبّرت عنها الدبلوماسية الجزائرية منذ التوقيع على اتفاقية «أوسلو» بين السلطة الفلسطينية والعدو الإسرائيلي، وانخراط الجزائر في «مبادرة السلام العربية»، إلا أن التصريح شكّل صدمة للشارع.
وأجبر ذلك الرئاسة الجزائرية على سحب المقطع الذي وردت الإشارة فيه إلى نيات تطبيع العلاقات مع تل أبيب، بعدما أُغرقت الصفحات الرسمية للرئاسة على مواقع التواصل الاجتماعي، بآلاف التعليقات الناقمة والرافضة لأيّ تنازلات عن المواقف الرسمية للدولة الجزائرية. كما جرى منح مساحة لتغطية استقبال خطيب المسجد الأقصى، الشيخ عكرمة صبري، من قبل تبون.
من جهتها، عبّرت «حركة مجتمع السلم»، المقرّبة من «الإخوان المسلمين»، عن رفضها لأيّ محاولة لجرّ البلاد إلى مخطط التطبيع. وقال رئيسها، عبد العالي حساني شريف، في تصريح صحافي، إنه «يتحتّم على الجزائر الثبات والاستمرار في الموقف الرافض للتطبيع والمنحاز إلى الحق الفلسطيني والمنتصر لقضيّته العادلة». وذكّر حساني، تبون، بمواقفه الرافضة للاعتراف بالكيان الغاصب والاتفاق الابراهيمي الذي رعته واشنطن في الفترة الرئاسية الأولى للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، متابعاً أنه «لا يمكننا تصوّر أيّ تغيير في الموقف الرسمي الجزائري حيال قضيتنا المركزية، وبالتالي الكيان المفبرك».
في السياق نفسه، نبّه «حزب العمال» (الشيوعي) إلى أن «عقيدة الجزائر دولة وشعباً معروفة وغير قابلة للتغيير، ولا يمكن الاعتراف بكيان إرهابي محتل عنصري يمارس الإبادة الجماعية في حق الشعب الفلسطيني ويريد الاستيلاء على كل أراضيه»، معتبراً أن فكرة «حلّ الدولتين»، والتي بنى عليها الرئيس الجزائري رؤيته للتطبيع، «خدعة وسراب». كما ذكّر الحزب بقرار «الكنيست» الصهيوني عدم السماح بقيام «دولة فلسطينية بأيّ شكل من الأشكال لا في حدود 1967 ولا وفقاً لاتفاقية أوسلو»، مسلّطاً الضوء على «عدم وفاء الكيان الإرهابي بالتزاماته وعهوده، ومنها اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، واستمراره في اغتيال عشرات الغزيّين واللبنانيين وتدمير قرى في جنوب لبنان».
استشفّ الرأي العام الجزائري بوادر تحوّل في الموقف الرسمي تحت إكراه خارجي
على أن تصريحات تبّون ليست الأولى من نوعها التي استشفّ من خلالها الرأي العام الجزائري بوادر تحوّل في الموقف الرسمي تحت إكراه خارجي، وخصوصاً في ظلّ عودة الجمهوريين إلى الحكم في الولايات المتحدة بقيادة ترامب. وترجم ذلك في التراجع عن مسمّى الكيان الصهيوني، واستخدام توصيف دولة إسرائيل، في البيانات الرسمية ووسائل الإعلام الحكومية، بالإضافة إلى مجريات جلستين لـ«مجلس الأمن» عقدتا الشهر الماضي، وشهدتا تبادلاً نادراً بين ممثل الجزائر في المجلس، عمار بن جامع، ورئيس الوفد الإسرائيلي، حول وضعية الأطفال في قطاع غزة ومهمة «الأونروا».
ويعتقد مراقبون محليون أن حديث الرئيس الجزائري عن التطبيع سابق لأوانه، على الرغم من أنه موجّه بالأساس للاستهلاك الخارجي، وخصوصاً نحو إدارة ترامب الراعية للمسار التطبيعي، وذلك بعدما وردت، في الأسابيع الأخيرة، مؤشرات إلى سعي تيار في السلطة الجزائرية للتقرب من واشنطن، في سياق مراجعة عميقة لتحالفات المرحلة الحالية التي تشهد تدهوراً غير مسبوق في العلاقات مع فرنسا، وحالة من البرودة مع الروس والصينيين.
وأعلنت وزارة الدفاع الجزائرية، الإثنين الماضي، إجراء اتصال هاتفي بين السعيد شنقريحة، الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، ورئيس أركان الجيش الجزائري، وبين رئيس «هيئة الأركان المشتركة الأميركية»، تشارلز براون، حيث جرى التطرق إلى المسائل ذات الاهتمام المشترك. وقالت وزارة الدفاع إن هذا الاتصال يأتي بعد التوقيع في الجزائر، يوم الـ 22 من الشهر الماضي، على مذكرة تفاهم في مجال التعاون العسكري بين البلدين، مع نائب وزير الدفاع وقائد «القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا» (أفريكوم)، مايكل لانغلي، لافتةً إلى أن الجانبين عبّرا عن إرادتهما المشتركة في تعزيز أواصر التعاون العسكري الثنائي، وأن المحادثات كانت «فرصة للطرفين للتطرق إلى السياق الإقليمي والدولي الحالي»، وفقاً للوزارة.
إلا أن الجانب الجزائري لم يفصح عمّا جاء في مذكرة التفاهم، فيما قالت السفارة الأميركية في العاصمة الجزائرية، إن زيارة لانغلي والتوقيع على مذكرة التفاهم المشار إليها يعزّزان «الرؤية المشتركة بين البلدين لتعزيز السلام والاستقرار الإقليميين والدوليين من خلال الحوار الاستراتيجي».