لا بدّ من الاشارة بداية إلى أن عُمْر العمل المقاوم في غزة، مِن عمر السنوات الأولى للاحتلال الاسرائيلي.
فكل احتلال يحتّم ردّة فعل تدافع عن الأرض وأبنائها، وكلما طال، تطوّرت المقاومات وأخذت أسماء ونظاماً وهيكلية وقيادة ومقاتلين.
وبعد طول عجرفة إسرائيلية، وأفعالاً استيطانية، ونوايا توسّعية، وارتكابات إجرامية، ومشاريع صهيونية، انتفضت إحدى فصائل المقاومة الأساسية في غزة، أي “حماس”، ونفّذت طوفاناً دام أكثر من سنة، وفي ختامه انتصرت باتفاق لوقف النار أتى لصالحها ودفن الأهداف الإسرائيلية.
لماذا نقول انتصرت؟
لأنها ـ ببساطة ـ بقيت موجودة، ولأنها مَنعت تحقيق ما أراده العدو الذي اضطر، لاسترداد أسراه، أن يبادلهم بأعدادٍ مضاعَفة من الأسرى الفلسطينيين، وأُجبر على وقف عملياته، وعلى الانسحاب من القطاع، وعلى السماح بإدخال المساعدات على أنواعها.
ماذا حققت إسرائيل؟ لا شيء إلا القتل والتدمير، ورغم ذلك صمد الغزاويون، ومَن لم يستشهد منهم بقي في أرضه. قليلون جداً هم من تَركوا، ونصف السكان نزح داخل القطاع.
ولكن كيف انتصرت “حماس” وحافظت على ذاتها وعلى الناس الى جانبها؟
أولاً ـ من خلال عنصر المفاجأة ذاك السابع من تشرين، حيث قضت خصوصاً على الفرقة الاسرائيلية المختصة بغزة، وقتلت من قتلت منها وصادرت ملفاتها، فصار العدو أعمى لا يرى غزة بوضوح، بينما كانت غزة تراه من أنفاقها.
ثانياً ـ الانفاق، التي استطاعت “حماس” في السابق تشغيل الكثير من الغزاويين في حفرها ولكنها حافظت على أسرارها، وحتى من شاركوا بالحفر لا يمتلكون المعلومات عنها، وما انكشف منها كان أفخاخاً وانفجرت في وجه المحتل. وبعد طول حرب، لا تزال كل الانفاق الأساسية موجودة.
ثالثاً ـ غرفة العمليات الذكية التي كانت تدير كل العناصر اللازمة من خلال طبقات عدة للقيادة، وبإيمان بالقدرة والانتصار.
رابعاً ـ إن غزة كلها متجانسة. وخصوصيتها غير معقّدة. ليس فيها ألف فريق متناقض وألف طائفة متناحرة وألف رأي وألف عميل. كلها مقاومة، وتعاملت مع العدو موحدة، والتحقت بمقاومتها من دون خروقات تُذكر، ولا حتى بالصوت أو بالموقف.
خامساً ـ ورقة الأسرى الإسرائيليين. فهؤلاء كانوا أساساً في التفاوض. أمسكت “حماس” العدو الإسرائيلي من يد تؤلمه، حتى صارت هذه الورقة ضغطاً داخل الكيان الذي وصل إلى أفق مسدود فيها.
سادساً ـ فريق التفاوض الموحّد والقوي، والذي تعامل بثبات وحنكة ودبلوماسية وصبر وصلابة، ومن دون قلقلات داخلية، وصار رئيسه هو رئيس الحركة، التي حصدت ضمانة من خلال مراحل الاتفاق. قالت للإسرائيليين: “إذا لم تسلّمونا أسرانا، لن نسلّمكم أسراكم…”. إن أحداً من مفاوضي “حماس” لم يسلّم ولم يخضع للضغوط ولم يتلاعب.
والآن ماذا؟
اليوم التالي آتٍ و”حماس” موجودة فيه بشكل أساسي، ومعها السلطة الفلسطينية وآخرين، لئلا تتحمّل عبء ما بعد الحرب وحدها.
ولكن لا احتلال، ولا وصاية دولية، ولا قوى خارجية، ولا رسم للمستقبل من دون المقاومة.
ولذلك يصح القول: إن “حماس” وغزة انتصرتا.