
في رسالة ذات مغزى تجاهل الرئيس الأميركي المنتخب بغالبية شعبية كاسحة وسيطرة على مجلسي النواب والشيوخ، الصراعات الدولية من خطاب التنصيب، وخلال عقود سوف يكون أول رئيس أميركي لا يتضمن خطابه الحديث عن التفرغ لمواجهة روسيا والصين وإيران، أو عن دعم أوكرانيا وإيران و”إسرائيل”، بحيث إن الشؤون الداخلية لم تتصدر الخطاب وحسب بل منعت أي اهتمامات أخرى، بما يعبر عن حجم شعور الأميركيين بـ اهتراء الوضع الداخلي ومحاكاة خطاب ترامب لرغباتهم بعد سماع الخطاب الخشبي الإمبراطوري عن قوة أميركا وسطوتها، ليكون الخطاب تجسيداً لوعد ترامب أنه الرئيس الذي سوف يعمل لإعادة أميركا العظيمة أي الناجحة في الداخل بدلاً من التلهي بإدامة سطوة أميركا العظمى أي المهيمنة على الخارج.
ركز ترامب على خطوات واضحة يضعها في أولويات سياسته، وهو في السياسة الخارجية كان اقتصادياً أيضاً، فتحدّث عن استعادة قناة بنما وتحدث عن الهجرة من المكسيك، لكنه بنى خطته العسكرية على الداخل أيضاً ومحورها بناء قبة حديدية صاروخية لمواجهة خطر الصواريخ الروسية والصينية المتطوّرة، والواضح أن خطة ترامب تحتاج الى ما بين 5 و 10 سنوات، حتى يتمكن من إعادة إنعاش الصناعة وبناء أسواق لها، وحتى تكتمل القبة الحديدية. وخلال هذه الفترة يتجاهل ترامب النزاعات ويتفرغ للداخل، ويعتمد في الداخل حصان رهان رئيسياً هو صناعة استخراج النفط والغاز الصخري، للبدء بتخفيض سعر الطاقة للمستهلكين من جهة، وغزو الأسواق الأوروبية من جهة ثانية، واقتطاع جزء من السوق العالمية ضمن منظومة منتجي النفط من جهة ثالثة، ومعادلته للمستهلكين والمنتجين، أنتم حلفاء ونحن نحميكم إذن عليكم المساهمة بدفع الثمن.
أطلق ترامب على مشروعه الاجتماعي اسم ثورة الفطرة السليمة، وتحدّث عن الأخلاق وترجم ذلك بإعلان انتهاء زمن الترويج للمثلية وتقديم التسهيلات لها، كذلك انتهاء زمن دلع الحلفاء اقتصادياً، والرسوم الجمركية سوف تفرض على كل الاستيراد. ويبدو ترامب قد ضمن عدم المواجهة مع الدولة العميقة التي يقودها تجمع الصناعات العسكرية، باعتبار أن مشروع القبة الحديدية ومشروع الصعود إلى المريخ يتكفلان باقتطاع مبالغ ضخمة من الموازنة لصالح شركات الصناعات العسكرية.