باتَ شبه مسلّم به في بيروت أن العهد الجديد دخل في حرب باردة يُرجّح أن تنسحِب على جميع الملفات التي تزدحِم بها الأجندة السياسية، ربطاً بالتحوّلات في المنطقة. وفيما صارَ محسوماً أن ملف تشكيل الحكومة الجديدة قابِع في انتظار تسوية مع حزب الله وحركة أمل، تتجه الأنظار إلى الموعد المرتقب لرئيس الحكومة المكلّف نواف سلام مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري اليوم. وهو موعِد سيحدّد مسار المرحلة المقبلة، بعدَ مقاطعة الثنائي الاستشارات النيابية غير الملزمة، إذ سيحمِل سلام معه تصوّره لشكل الحكومة بعدَ استمزاج آراء كل الأفرقاء والكتل النيابية.
وفيما أنهى سلام مشاوراته مع الكتل والنواب المستقلّين في مجلس النواب أمس، لم تتوافر معلومات مؤكدة حول موقف الثنائي في ما خصّ المشاركة في الحكومة، علماً أن رئيس الجمهورية جوزيف عون والرئيس المكلّف يُظهِران حرصاً على امتصاص «انتفاضة» أمل وحزب الله، وإن كانت التقديرات تتقاطَع على أن «الطرفين سيلتقطان اللحظة ولن يقفا في وجه العهد الجديد، لكن بعد ضمانات جدية يقدّمها كل من يحرص على ألا تكون هناك أزمة حكم في البلد».
وكان لافتاً التكتّم الشديد الذي يتعاطى به الرئيس بري بشأن الخطوات التي سيقوم بها، علماً أن ردّه على ما اعتبره «خديعة» لم يوصِد الأبواب أمام الحل والتفاهم مع سلام، إذا ما فرمل الأخير مشروع محاصرة فريق وعزله أو إقصائه. وتشير المعلومات إلى أن الثنائي سيحرص على انتزاع ما سبقَ أن تمّ التفاهم عليه مع عون حين كانَ السيناريو المُتفق عليه، بمباركة فرنسية، إعادة تكليف نجيب ميقاتي وبقاءه حتى الانتخابات النيابية المقبلة.
وتتمحور النقاط المتفاهم عليها حول تركيبة الحكومة ووزارة المال وآليات التعيينات في مصرف لبنان وقيادة الجيش والأجهزة الأمنية، إضافة إلى ملف إعادة الإعمار، وصدّ أي محاولة لمنع وصول الدعم الخاص بهذه العملية، سواء جاء من دول عربية وأجنبية أو من إيران والعراق. أما النقطة الأهم بالنسبة إلى حزب الله، فتتعلق بطريقة تطبيق القرار 1701 وحصره بجنوب الليطاني.
الثنائي سيحرص على انتزاع ما تفاهم عليه مع عون عند الاتفاق على إعادة تكليف ميقاتي
وسط هذه الأجواء، ثمة شكوك في إمكانية أن يكون الرئيس المكلّف قادراً على إعطاء أجوبة حاسمة على كل هذه النقاط، ما يطلق عملية تأليف الحكومة. وتقول أوساط مطّلعة على خط التواصل بين سلام والثنائي إن الرئيس المكلّف يحرص على إرسال رسائل إيجابية، مؤكدة أن «المشكلة ليسَت مع شخص سلام، بل مع إدارة معركة إيصاله، وكان هدفها فرض صورة هزيمة سياسية للثنائي، خصوصاً أن الخارج وجدَ أن بإمكانه وسط التركيبة القائمة استكمال انتصاره بعد فرض عون للرئاسة بتسمية سلام للحكومة».
وإلى جانب لقاء بري – سلام، يعوّل أيضاً على وساطة قد يقوم بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يصل إلى بيروت اليوم، فيما ينتظر الجميع التأكد من الاحتمال الأقرب إلى التطبيق: انضمام الثنائي إلى الحكومة بعد نيله ضمانات كافية، أم مشاركة أمل وخروج حزب الله إلى المعارضة، أم خروج الفريقين معاً على قاعدة اعتبار الحكومة غير دستورية ومشوبة بغياب الميثاقية في تكرار لتجربة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في عام 2006؟
مع ذلك، تحظى عملية تشكيل الحكومة بدعم خارجي كبير. وإلى جانب الدعم الأميركي المعلن، أذاع قصر الإليزيه أمس بياناً جاء فيه أنّ «الرئيس ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أكّدا خلال محادثة هاتفية دعمهما الكامل لتشكيل حكومة قوية في لبنان». وأشارا إلى أنّهما «سيقدّمان دعمهما الكامل للاستشارات التي تجريها السلطات اللبنانية الجديدة بهدف تشكيل حكومة قوية وقادرة على جمع تنوّع الشعب اللبناني وضمان احترام وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان وإجراء الإصلاحات الضرورية من أجل ازدهار البلد واستقراره وسيادته».
وفي وقت يحاول فريق «المجتمع المدني» تصوير الوضع بأنه وقوف للثنائي في وجه الإجماع اللبناني، سارع هؤلاء إلى فتح بازار التفاوض على الحصص والوزارات، ويحاولون «السيطرة على دارة الرئيس المكلف»، ويتصرّفون معه على قاعدة أنهم هم من أتوا به إلى موقعه، كما يحاولون محاصرته بفريق يعملون على تشكيله. كذلك يضغط هؤلاء على سلام لإقناعه بتجاهل الثنائي والذهاب نحو تسمية وزراء شيعة «مستقلين» استناداً إلى الدعم الخارجي، علماً أن الرئيس المكلّف «لا يبدو مغشوشاً» بهؤلاء، إذ يعرف جيداً مسار الأمور وتركيبة البلد، وهو ليس طارئاً على العمل السياسي إلى حدّ يسمح به لهم برسم سياساته. كما أنه لم يقرّر بعد من هو الفريق الذي سيكون معه في المرحلة المقبلة، ولو أن الطامحين إلى الأدوار الوزارية والاستشارية كثر.