اخبار محليةالرئيسية

مَن جاء بنواف سلام وأطاح بميقاتي… وما هي حكاية سيناريو الليل والفجر ؟

محمد بلوط - الديار

لا تنفع سياسة المحدلة والشطب والعزل في لبنان ، وان غلفت بثوب بناء الدولة وكل المفردات الملحقة بها . فاذا كان لبنان يفتح صفحة جديدة بعد انتخاب الرئيس جوزاف عون ، على اللبنانيين جميعًا بطوائفهم وقواهم السياسية واحزابهم وتجمعاتهم، ان يستدركوا حقيقة اساسية ان الادوات والوسائل الطائفية لا تصنع دولة مدنية على طريق المدينة الفاضلة .

الاسئلة المتداولة اليوم كثيرة حول ما الذي جاء بنواف سلام واطاح بميقاتي في اللحظة الاخيرة؟ وما الذي جعل الاستشارات النيابية الملزمة تتحول الى هذا المسار المستجد مع خطوط الفجر ؟ هل صحيح ان ما جرى هو مجرد تفاهمات سياسية داخلية، حيكت بعناية وترجمت بين ليلة وضحاها واطاحت بتفاهم الابقاء على ميقاتي ؟ ام ان الذي حصل جاء بتدبير متقن لاصحاب اللعبة والسطوة الخارجية، الذين يريدون ان يصوروا ان مرحلة فكرة المقاومة انتهت وجاء عصر سويسرا الشرق ؟ بعد ان انكشفت اوراق ما حصل يوم الاثنين وبرز نواف سلام اسما كاسحا لامعا ممهورا بتوقيع ٨٤ نائبا ، سارع البعض افرادا وجماعات الى التباري حول من اطلق فكرة المجيء به ، وتبنوا المنشأ والولادة معا .

تكثر الروايات والحكايات ، منها ما هو مصطنع وركيك ، ومنها ما هو مشبوك بعناية مسرحية.

لا احد في لبنان ينكر ان تفاهما بقيت خيوط ترتيبه مستمرة حتى اللحظة الاخيرة ، ادى الى انتخاب الرئيس عون باغلبية نيابية عارمة بلغت ٩٩ صوتا ، وبميثاقية مكتملة . وهذا التفاهم انطلق من نقطة اساسية مبنية على التوافق، الذي طالما اكد عليه الرئيس بري قبل وخلال وبعد الانتخاب . تفاهم موقع باحرف داخلية وخارجية يضمن تنفيذ وقف اطلاق النار والقرار ١٧٠١ وانسحاب العدو من كل الاراضي اللبنانية في مهلة الـ٦٠ يوما ، واعادة اعمار ما هدمته الحرب “الاسرائيلية” الهمجية ، وتشكيل حكومة منسجمة مع الاجواء التي اتت بالرئيس عون، الذي لم يتوان عن التصريح بتشكيل الحكومة في اسرع وقت ممكن وبسلاسة، لان هناك فرصا كبيرة تنتظرنا .

كان واضحا ان هذا التفاهم حول الرئيس، يفترض ان يكون عبد الطريق لمرحلة التكليف والتأليف في مناخ التوافق والاجماع ، لا سيما ان اللقاءات والاجواء التي جرت سابقا تناولت موضوع الحكومة الجامعة خارج منطق الاستفراد والاقصاء، او التحييد او الاحراج للاخراج .

قبل الحديث عما جرى ليل الاحد وفجر الاثنين ، يؤكد مصدر مطلع ان التفاهم على اعادة تسمية ميقاتي حضر على اعلى مستويات ، وان الخارج شهد عليه مباشرة ، لذلك استوحت معظم الكتل هذا المناخ وبنت مواقفها عليه، قبل ان تعدلها مع ساعات الفجر والصباح الاولى في ما يشبه الانقلاب .

منذ فترة غير قصيرة قام ميقاتي بحركة جس نبض واسعة في الخارج ومع عواصم القرار، لمعرفة اجواء وفرص عودته لترؤس الحكومة الجديدة ، وارفق ذلك بحركة داخلية ناشطة لذات الغرض . ولمس مناخا طيبا ، وسمع كلاما مشجعا ، خصوصا في ضوء المواقف الاخيرة التي اتخذها قبل وخلال وبعد اعلان وقف النار .

في جولاته في الخارج سمع ميقاتي ثناء على مواقفه هذه ، ولم يسمع من المسؤولين السعوديين اي تحفظ او فيتو عليه ، وهذا ما شجعه اكثر واعتبره اشارة جيدة بالضوء الاخضر .

الاميركيون حيدوا انفسهم عن التسمية الصريحة ، لكنهم لم يطرحوا اسما بديلا، ولم يدخلوا في لعبة التسمية ، واوهموا من سمعهم ان التسمية ليست عندهم ، موحين ان المساعدة يمكن ان تكون عبر السعودي والفرنسي .

وفي المعلومات التي نقلها غير مصدر ، ان باريس ايدت اعادة تسمية ميقاتي، وبحثت الامر مع السعوديين الذين يملكون سر ما جرى . كما ان الاتراك شجعوا ميقاتي ، وربما تكون استشارتهم دعسة ناقصة، وغلطة الشاطر بنظر اصحاب الفك والربط .

وفي المساحة الداخلية اخذ ميقاتي وعودا من اكثرية نيابية موصوفة كتلا وافرادا ، من السنة قبل الآخرين بانهم سيكونون الى جانبه، بعد الذي سمعوه من معلومات واجواء ومواقف .

ووعد النائب السابق وليد جنبلاط الذي تربطه بميقاتي علاقة جيدة للغاية بان يؤيده ، وابلغ ذلك ايضا الى الرئيس بري. وابلغ عدد غير قليل من النواب المسيحيين ميقاتي انهم ينوون تسميته مرة اخرى ، ولن يترددوا في هذا القرار .

وكان من الطبيعي ان يؤيد ويدعم الثنائي الشيعي هذا الخيار المدعوم بالمناخ الايجابي، لاعتبارات عديدة تنطلق من التجربة معه، لا سيما في الحكومة المنصرفة خلال العدوان “الاسرائيلي” ، ومن المناخ الذي تجمع حوله الذي يتماشى مع فكرة التوافق .

نام ميقاتي على حرير هذه الاجواء ، رغم توجسه من الاجتماع الثاني للمعارضة ليل الاحد ، مستندا الى حسابات رقمية وشفوية ووعود الى حدود الالتزام . لكن ما جرى قبل منتصف ليل الاحد وفجر الاثنين قلب الامور رأسا على عقب وحصل الانقلاب .

في المعلومات المسنودة إلى وقائع ومصادر مطلعة ، بقيت المعارضة برئاسة سمير جعجع متمسكة بترشيح فؤاد مخزومي، في ضوء اجتماعها الاول الذي عقد مساء السبت الماضي ، لكنها شعرت ان هناك اجواء بدأت تتجمع الاحد بقوة لصالح نواف سلام توفر له الفوز بالتسمية ، فاضطرت الى تحديد اجتماع آخر ليل الاحد لمراجعة ودرس موقفها . وقيل ان الاجتماع ساده نقاش مستفيض ، وتمسك العديد من المجتمعين بمخزومي، ولوحوا بانهم سيصوتون له في كل الاحوال . لكن القرار النهائي اتخذ بعد منتصف الليل وحذف اسم مخزومي لصالح سلام .

ماذا حصل بين الساعة ١٢ والساعة ٢ فجراً؟

وفق المعلومات المتوافرة ان اتصالات مكثفة لم تنقطع جرت قبل وبعد زيارة السفير وليد البخاري للمملكة . وان فكرة تسمية سلام حسمت بعدها ، بعد ان لمس الجميع ان مخزومي غير سالك، وان ميقاتي لا يحظى بتزكية السعودية . هل هي كلمة سر سعودية ام انها مجرد توارد افكار محلية ؟ ان فكرة تسمية سلام لم تأت من ابحاث ومشاورات موسعة، بقدر ما كانت حاضرة في حسابات لعبة رئاسة الحكومة، بعد ان جرى تجاوز انتخاب الرئيس عون . هذه هي الحقيقة التي تتجاوز الحكايات الدونكيشوتية الممجوجة التي نسمعها على لسان افراد وجماعات . وهي حقيقة ان الثنائي الشيعي التزم بتفاهم ولم يفكر بانه ذاهب الى معركة في التكليف ، لا بل انه كان مرتاحا لاجواء تفاهم رئاسة الجمهورية وآثاره المفترضة .

وفي المعلومات المثبتة ، ان فكرة رمي اسم سلام جاءت اولا صباح السبت على لسان مروان حمادة، في حديث اذاعي بعنوان موقف شخصي . وقد فوجىء نواب “اللقاء الديموقراطي” بالتسمية ، وابلغوا من اتصل بهم ان الزميل حمادة يتمايز في مثل هذه المواقف، لكنه يلتزم بقرار اللقاء الذي سيعقد اجتماعه ويقرر الموقف النهائي .

واستطرادا فان ما تسرب عن اللقاء ، يفيد بان وليد جنبلاط كان ذكر بوعد ميقاتي وتأييده ، لكن نجله تيمور بعد توسيع فكرة سلام خالفه الرأي، واقترح تأييده انسجاما مع اجواء العهد الجديد وتطلعات الشباب ، واقر هذا الرأي الذي ابلغه جنبلاط الاب لميقاتي معتذرا .

في هذا الوقت بدأت تسري فكرة تعميم اسم نواف سلام في وسائل التواصل كالنار في الهشيم ، رافقها وشوشات لا سيما للنواب السنة وكتلهم، الذي سرعان ما انخرطوا في تأييد سلام وانفضوا عن ميقاتي . وابلغ بعضهم ميقاتي باستيحاء انهم يعتذرون منه، وان المصلحة تقضي بذلك .

وكان الثنائي الشيعي قد خبر صباحا ما دار بين الليل والفجر ، وصار يتحضر للنهار .

وبعيدا عن نظرية المؤامرة، فان الغرف الالكترونية والتدوينات المبرمجة نشطت بقوة، مترافقة مع سيناريو استحضار اسم نواف سلام اللامع من الخارج، دون اغفال تبني فريق عريض للفكرة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى