مجتمع ومنوعات

الحرب الناعمة… إجتياح مُدبلج وإعصار تركي يطال عقول وبيوت اللبنانيين

ربى أبو فاضل - الديار

تواجه الساحة الفنية في لبنان غزوا تركيا لافتا، في ظل هيمنة المسلسلات التركية على القنوات اللبنانية، حيث أثرت الأزمة السياسية والاقتصادية التي تواجهها البلاد منذ 2019، والتي أدت إلى انهيار مالي ومعيشي، وهبوط قياسي في قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، على الإنتاج الدرامي المحلي، مما دفع العديد من القنوات إلى الاستنجاد بالدراما التركية.

لبنان الذي أضعفت الحرب المشؤومة “الأهلية” عجلته الإنتاجية، كان قد وقع قبل غزو الدراما التركية المدبلجة، تحت سطوة اجتياح مكسيكي في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، بعدما كانت الدبلجة في الثمانينات محصورة ببرامج الرسوم المتحركة المخصصة للأطفال، وما لبث ان توسع ليشمل بلداناً أخرى، منها البرازيل والأرجنتين وفنزويلا وغيرها، الى ان وصل إلينا في العام 2006 “الإعصار” التركي بحرب ناعمة، جنودها عشرات الممثلين الاتراك.

وتجدر الإشارة إلى أن الحرب الناعمة تعرف على أنها القوة الناعمة، أي الثورة التي تجلب الآخرين إلى النتائج التي تود وصولهم إليها، عن طريق الإقناع والنفاذ إلى معتقداتهم وأفكارهم بالجذب، لا بالعنف والإرغام.

نقيب ممثلي المسرح والسينما الإذاعة والتلفزيون نعمة بدوي يؤكد إلى أن “الدراما المحلية تعيش المعاناة لعدة أسباب، أبرزها تقاعس المحطات التلفزيونية عن القيام بدورها، إذ رغم أن التلفزيونات أُنشئت وحصلت على تراخيص ضمن قانون تنظيم إعلامي، يفرض عليها ساعات عرض للإنتاج المحلي، والقيام بدورها في الإنتاج، فإنها ارتأت وفق مصالحها الخاصة، أن تشتري الجاهز المعلب المكسيكي والأرجنتيني والتركي المدبلج، لأنه أرخص ثمناً، كما خرقت شركات الإنتاج القوانين التي تحمي الممثل اللبناني، وأصبحت كأنها منتج منفذ لرغبات من يعلي من شأن الممثل الأجنبي على حساب الممثل اللبناني، القابع في منزله بلا عمل، ونحن في العموم مع الأعمال المشتركة التي تحرك عجلة السوق نسبياً، لكن بشرط ألا تقوم على إلغاء المحلي الجيد الذي كان قد حقق منذ زمن بعيد نجاحاً ساحقاً”.

اللافت أن القنوات اللبنانية تفرد مساحة شبه يومية لعرض الدراما التركية، وتعتبرها صناعة تجذب المشاهدين في ظل تراجع الدراما المحلية.

بدورها، أكدت الكاتبة منى طايع إلى أنه “لدينا في لبنان نصوص جيدة واقعية ومستلهمة من حياة الناس، وتصلح لعمل درامي محلي، لكن لدينا أزمة تسويق المحلي إلى المنصات التي تحظرنا لأسباب سياسية، وتخفض أسعار أعمالنا، الأمر الذي دفعنا لتقديم أعمال مشتركة عززت عجلة الإنتاج بشكل عام، والدراما لا تتقدم إلا في البلدان التي تنظر إليها نظرة إنتاجية من قبل الدولة، فالدراما السورية منذ بدايتها كانت مدعومة من قبل الدولة التي تعتبرها صناعة ربحية، وكذلك حال الدراما التركية والمصرية، واليوم الدراما الخليجية التي تتطور، أما نحن في لبنان فلم نحظ بهذه الفرص”.

الجدير بالذكر، أن المسلسلات التركية حققت ما يقرب من 3 ملايين دولار سنويا في البداية، ووصل حجم المبيعات إلى ما يزيد على 350 مليون دولار سنويا، وفي عام 2016 أعلن رئيس مجلس الصادرات التركي، أن بلاده تسعى للوصول إلى رقم “ملياري دوﻻر” من تصدير المنتجات الثقافية، وفي مقدمتها الدراما.

إذا دعم المسلسلات والأعمال اللبنانية واجب على الدولة، لأن الفن هو واجهة البلد الأولى والأكثر تأثيراً على الشعوب، ولا سيما أننا نمتلك نخبة من أبرز النجوم والأسماء التي تستحق أن نسلط الضوء عليها ونعطيها حقها، الدراما هي مرآة المجتمع وتؤثر بشكل كبير فى إعادة تشكيل بعض سلوكيات الناس سلبا أو إيجابا، وتعكس ثقافة المجتمع وقد تخلق ثقافة جديدة فيه، فهي قد تبني وقد تهدم القيم الاجتماعية المتوارثة، والدراما التركية المدبلج منها او المعرب، دخلت بقوة إلى المجتمع اللبناني في السنوات الماضية ممهدة الطريق لغزو فني، حاصدة نجاح جماهيري ساحق، من خلال قصص الحب وأحدث صيحات الموضة والطبيعة الخلابة وحياة تجمع بين الحضارة والحداثة.

المخرج سمير حبشي اعتبر أن “الدراما ظاهرة اجتماعية، ترتبط ارتباطاً جدلياً بوضع البلد، والفنون عامة لا تعيش بمعزل عن السياسة والاقتصاد، كما أن العاملين في القطاع الفني أكثر من يتأثرون في الأزمات”، مضيفا “نحن بلد صغير ننتج على قياسنا، ولا يجوز مقارنتنا بالإنتاجات المصرية والسورية لجهة الكمية، أما لجهة النوعية فأعمالنا جيدة جداً، ولدينا طواقم من الكتاب والمخرجين والممثلين المتمرسين، لكن المنتجين يخضعون لرغبات الشاشات، ويختارون طاقم عمل من السوريين وقلة من اللبنانيين، ولا يبادرون لصناعة نجم لبناني رغم أنهم قادرون على ذلك”.

تجدر الإشارة إلى أنه في الفترة من عام 2012 إلى 2019، أطلق ناشطون لبنانيون على وسائل التواصل الاجتماعي هاشتج “اوقفوا المسلسلات التركية”، وطالبوا بإعادة الأعمال الدرامية اللبنانية من جديد، ورأى بعضهم أن المسلسلات التركية تعمل على تسطيح العادات والتقاليد العربية، وإبراز نماذج وقيم مختلفة عما يريده المجتمع العربي.

سيبقى لبنان بلد الفن والحضارة، فمن بلد الارز ومن مدرسة الرحابنة تخرّج العديد من نجوم الفن والمسرح، و سنبقى نحن أيضا على أمل أن نحظى بعد أيام برئيس للبلاد وحكومة ذات ضمير تعرف قيمة هذا الكنز، الذي يخرج البلاد من حفرة الفقر المدقع، ويعيد للبنان مجده الفني.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى