لطالما كانت سوريا أصل نقطة البيكار في المنطقة وصمام أمان المحور المُعطِّل لسياسات ومشاريع أميركا والكيان العبري التوسعية الاستبدادية في المنطقة.
لهذا السبب الجوهري وغيره تكالبت على الشام دوائر التآمر وتربص بها الحاقدون يوم لفح الربيع العربي وجه العرب بسمومه ودمومه، فيما المقاصد تغيير سوريا لا إحداث التغيير الديمقراطي المزعوم فيها.
بمعنى نقلها من تموضعها المحوري كمركز للقرار القومي وحارس للعروبة ومن التشظي بين أشداق التمذهب والتجزئة إلى مجرد تابع ممزق يتناتشه مشروعان توسعيان يهودي في الجنوب وعصملي في الشمال.
سعى الغرب الجماعي وعلى رأسه أميركا إلى كسر إرادة الرئيس بشار الأسد بالتهديد والوعيد تارة والترغيب تارة أخرى ولا تزال زيارة كولن باول وزير خارجية أميركا إلى دمشق عقب احتلال العراق عام 2003 الشاهد على تجسيد الرئيس الأسد للثوابت القومية المبدئية من خلال رفض الضغوط الأميركية لجهة رفع اليد عن حركات المقاومة في فلسطين والعراق ولبنان وقطع شريان تغذيتها بالسلاح والعتاد لتصنف سوريا بهذا المعنى مدد المقاومات في المنطقة والنصير والظهير وسر ديمومة نضالها الجهادي التحرري…
انطلاقًا من ذلك تتبدى الإجابة بداهة على سؤال: لماذا بشار الأسد دائمًا في عين الاستهداف ومعه سوريا؟؟؟.
لدرجة أن نتنياهو وإسرائيل كاتس وزير دفاع الكيان الزائل وجَّها تهديدًا بالقتل للرئيس بشار الأسد إذا لم يوقف دعمه لحركات التحرر الوطني في المنطقة.
لأنه بشار الأسد القاسيوني الجبين، الحرموني القامة، ومعه سوريا وشعبها وجيشها القومي لم يستجب للإملاءات والضغوط والتهديدات الغربية وتحصن بالحق القومي وبوصلته فلسطين… جيشوا ضد بلاده شراذم القتلة واستنبتوا الفكر التكفيري وألبسوا الإرهاب لبوس الثورة وزرعوا الحراب في خاصرة الجيش العربي السوري وسخروا الحناجر للصخب الطائفي وعاثوا فسادًا في ربوع سوريا من خلال أفكار فتنوية بغيضة إمعانًا في خلق متاريس بين أبناء الشعب الواحد .
ولأنه بشار الأسد الرمح اليعربي العصي على الكسر والعقبة الكأداء أمام مشاريع التطبيع والتوسع الصهيوني أعادوا الكرة مجدّدًا من بوابة التركي الحالم بوضع اليد على حلب بعد نهبها سابقًا وكان الهجوم الإرهابي المنظم على حلب واحتلالها في خطوة للتمدد نحو حماه وحمص وملامسة الشمال والبقاع اللبنانيين توطئة لقطع طريق بغداد دمشق أي المسار التسليحي للمقاومة لتستكمل الخطوات لاحقًا بتحريك الجنوب السوري سواء بتوغل صهيوني لانتزاع القوس الجغرافي من السويداء إلى درعا والقنيطرة أو تحريك هذه المناطق بالوسائط المحلية وفرض أمر واقع شبيه بالأنموذج الأدلبي علمًا أن إشارات إيجابيّة صدرت عن الأردن بحيث لجم حراكًا في درعا كان يتم التحضير له بالتوازي مع الهجوم على حلب.
إن امتصاص الجيش العربي السوري للصدمة ساهم تدريجيًّا بإعادة ترتيب تموضعاته واعتماده على تشتيت جهد المهاجمين باتجاه حماه ودفعهم إلى عمق يزيد عن ٦ كلم عن المحافظة تمهيدًا لاستعادة حلب إلى حضن الدولة الوطنية السورية بعد ضرب عمق إدلب وخطوط الإمداد وإجهاض أطماع العصملي بالأرض السورية.
إن الغزوة الإرهابية المستجدة للأرض بتوقيتها العصملي، لم تلق إلا التنديد العربي الواسع وهذه ورقة افتقدتها سوريا في السابق حيث لم يكن خافيًا دعم الجماعات الإرهابية، من نظم وأجهزة استخبارات عربية أيضاً، اعتبرت روسيا الخطوة التركية المدعومة من أوكرانيا ومسيراتها وطواقمها التشغيلية، والتي قابلها الكيان الصهيوني بارتياح شديد تحديًا صارخًا لموسكو المتموضعة على الساحل السوري.
إن هذا التحول بالموقف العربي ومساندة سوريا وجيشها ورئيسها بالتقاطع مع روسيا له أسبابه ومبرراته:
أولاً: إن انقضاض تركيا على سوريا من الشمال سيؤسس لتغيير الجغرافيا السياسية للمنطقة برمتها حيث ستتحول إلى مزق ممزقة طائفيًّا ومذهبيًّا ويطيح بالأردن، ولاحقًا مصر ولبنان والعراق، ما يشكل تهديدًا بالصميم للأمن القومي العربي، وانطواء قسم كبير من الكيانات العربية تحت عباءة أردوغان سلطان العثمانية الجديدة، وهذا ما لا يستسيغه العرب خاصة المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر، لأنه سيفقد العرب حضورهم المعنوي ويدخلهم في نفق استتباعي هم بغنى عنه، لهذا تلمسنا صدق المواقف العربية حيال الهجمة الإرهابية على سيادة سوريا وجيشها وأمنها الوطني، وحرص روسيا على وأد التحرك العسكري المدعوم من تركيا، لأن مفاعيل سقوط سوريا ستطال روسيا، وستحفز الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفييتي السابق للتمرد ونشر الفوضى على حدود القيصر.
باختصار إن تمكن الجماعات التكفيرية المسلحة من سوريا، سيعيد تركيب المنطقة برمتها وفق مقاييس شرق أوسط جديد لطالما تحدث عنه نتنياهو الذي يضرب بالأصالة والوكالة في شرق تعتريه شقوق وشروخ وتصدعات زلزالية.
إن صمود سوريا وشجاعة الرئيس بشار الأسد وصلابته وحكمته، والتفاف العرب والأصدقاء والحلفاء في محور المقاومة حوله كما هو بائن، سيحمي العرب كل العرب من محنة كبرى، لأن استباحة سوريا وسقوطها كأنموذج تعدُّديّ حضاريّ إنسانيّ، سيجعل من بقعة زيت التَّطرُّف تتمدَّد إلى حد اختناق الجميع دون استثناء بآثارها الهدامة.
لذا فإن الجيش العربي السوري البطل، تراه في خضم ملعبه القومي، يخوض معركة الدفاع عن وحدة وعروبة المنطقة العربية المهددة بالتطرف والأسرلة، حيث لا خيمة وقتذاك فوق رأس أحد.