اخبار عربية ودوليةالرئيسيةخاص دايلي ليبانون

استشهاد السيد حسن نصر الله.. بين صمت عربي وتشظي الشعوب

يوسف حسن

لم يستشهد قائد المقاومة اللبنانية السيد حسن نصر الله على إثر القصف الإسرائيلي وإنما جاء استشهاده بفعل الصمت العربي المطبق الذي تبنته الأنظمة العربية خلال السنوات الأخيرة لاسيما بعد استمرار المجازر والمذابح الإسرائيلية في فلسطين سواء في قطاع غزة أو في الضفة الغربية.
وللصمت العربي أسباب ودوافع كما للعدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان دوافع وأسباب يمكن التطرق إليها.
بالنسبة لسياسة الصمت التي التزمتها الأنظمة العربية فهي تأتي في سياق التطبيع الذي بات أحد أهم أولويات القادة العرب في العقد الأخير بعد أن فشلوا في توحيد رؤاهم وأفكارهم تجاه القضية الفلسطينية باعتبارها قضيتهم المركزية وخرجت من سلم أجندتهم لأسباب عديدة. وفي المقابل، لم يتخل الكيان الصهيوني عما يتطلع إليه من فرض وجوده على أرض الواقع.
ولعل أحد أهم الأسباب في عجز الدول العربية عن التركيز على القضية الفلسطينية وبالتالي تبني الصمت تجاه المجازر الصهيونية، هو السقوط في نظرية الطائفية وبالتالي اتساع الفجوة بين الرأي العام العربي والإسلامي. فقد اختلق الإعلام الغربي والصهيوني نظرية الطائفية واستطاع على مر السنين أن يرسخها في أذهان العرب والمسلمين بأنه لا يمكن الوحدة بين طوائف الأمة الإسلامية. وبات الكثير من أبناء الشعوب العربية والإسلامية يؤمنون بمثل تلك النظرية دون معرفة جذورها ودوافعها وتداعياتها على المسلمين أنفسهم. وبعد ذلك أصبح تشظي الأمتين العربية والإسلامية سائدا على المستوى الديني على الأقل، الأمر الذي ساهم وساعد كيان الاحتلال الإسرائيلي على التمادي في جرائمه ضد الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين وسائر الدول العربية والإسلامية.
أما السبب الآخر في الصمت العربي المتواصل فيتثمل في تفكيك وزعزعة الدول العربية فكريا وثقافيا وسياسيا عبر اتخاذ منهجين: المنهج الأول هو إضعاف القدرات السياسية والعسكرية للدول العربية إلى أبعد الحدود متمثلا في إنهاك سوريا والعراق في شرق المتوسط وليبيا في المغرب العربي، فتوريط تلك الدول في الحروب الأهلية والصراعات الطائفية وسرقة ثرواتها وجعلها دولا متخلفة ومنهارة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا قد ساهم بشكل كبير في انشغال تلك الدول بشؤونها المحلية وبذل كل جهودها للتخلص من تلك المشاكل والأزمات ولذلك لم تعد القضية الفلسطينية القضية المركزية لتلك الدول، إذ باتت تلك الدول منشغلة بأزماتها دون أن تستطيع التركيز على قضايا إقليمية ودولية.
وإذا كان الغرب (المتمثل في الولايات المتحدة وإلى جانبها الدول الأوروبية والكيان الصهيوني) يركز في المنهج الأول على الغزو العسكري للدول العربية، ففي المنهج الآخر تبنى الغرب سياسة الغزو فكريا وثقافيا، حيث اتخذ مثل تلك المنهجية إزاء دول أخرى من الدول العربية وبالتحديد دول الخليج، ومن هنا نجد أن الإنسان العربي في مثل تلك الدول منشغل باستيراد واستهلاك أحدث الإنجازات والأدوات الغربية بداء من الأزياء والملابس والسيارات الحديثة والهواتف الذكية الحديثة وصولا إلى الأفلام والمسلسلات وما شابه ذلك، وبات الإنسان العربي في تلك الدول مفرغا من موروثه الحضاري والثقافي والديني وأصبح أكثر المستهلكين للقيم الغربية على اختلاف أنواعها. ومثل هذا الإنسان لا يمكن أن يكون مهتما بقضايا تتطلب المزيد من التفكير والعمل والجهد والنضال، وبالتالي غابت مفاهيم كالمقاومة والنضال والتحرر والحرية من قواميسهم، فلم تعد مكانة للحركات التحررية المقاومة في نظامهم الفكري بعد أن عملت الماكينة الإعلامية على تسطيح أفكارهم وتفريغهم عن موروثهم الحضاري والفكري والديني.
وفي ظل هذين المنهجين، بات من السهل تفتيت الأمتين العربية والإسلامية والقضاء على الحركات المقاومة في وجه الاستعمار الغربي وبالتالي فرض الوجود الصهيوني في قلب الأراضي الإسلامية كواقع لابد من الاعتراف به.
والدافع الثالث في سياق ذلك الصمت واستمرار الإجرام الصهيوني في الشرق الأوسط خلال الآونة الأخيرة يكمن في الفجوة الشاسعة التي استطاع الاعلام الغربي وبعض وسائل الاعلام العربية أن يختلقه بين الحكام والشعوب في الدول العربية والإسلامية. فاختلاق ثنائيات بين الشعوب من خلال التركيز على الطائفية في مثل حالة العراق ووضع الحاكم والشعب في مواجهة بعضهم البعض أو شخصنة الأزمات في مثل حالة سوريا أو افتعال الأزمات وفصل الدول العربية والإسلامية عن بعضها البعض فكريا وطائفيا في مثل حالة إيران والشعوب العربية كل ذلك ساهم في انشغال الشعوب والحكام في قضايا لم تكن جوهرية في يوم من الأيام في التاريخ الحضاري الإسلامي.

ورغم كل ذلك العجز والفراغ الحضاري والديني والفكري الذي فرضته الولايات المتحدة وإلى جانبها الكيان الصهيوني على معظم الدول العربية، حافظت فئة من الشعوب الإسلامية على إرثها الحضاري والفكري ولم ترضخ لمثل تلك السياسات والمنهجيات وسعت على مدى عقود لاستنهاض الأمة في مواجهة المخططات الغربية والصهيونية، وعلى رأس تلك الفئة يمكن التطرق إلى حزب الله اللبناني باعتباره أحد أهم وأبرز حركات المقاومة إقليميا ودوليا، حيث خاض على مدى أكثر من أربعة عقود معارك مع الكيان الصهيوني استطاع من خلالها استعادة الأرض وبالتالي الكرامة للأمتين العربية والإسلامية وأظهر أنه يمكن الصمود والوقوف أمام المد الاستعماري الذي يتغذى من الرؤية الصليبية المعادية للشعوب المسلمة في الشرق الأوسط. فحزب الله لم يكن وليد الساعة وإنما جاء في إطار رؤية حق الدفاع عن النفس والتصدي لتمدد الكيان الصهيوني في الشرق الأوسط. لذلك فإن حزب الله يمثل رؤية وفكرا مترسخا ومتجذرا لا يمكن القضاء عليه من خلال القضاء على قياداته، فالفكر وإن غاب مَن وضعوه فإنه يبقى متأصلا في الأذهان وممتدا بامتداد الأزمان. وعلى هذا فإن الكيان الصهيوني خاطئ إذا ظن أنه يستطيع أن يزيل الفكر عبر القضاء على الأفراد، لاسيما وأن حزب الله يمثل أحد أبرز منارات فكر المقاومة والنضال والجهاد في تاريخ الفكر الإسلامي المعاصر. فكم من شهداء تسجلت أسماؤهم في صفحات تاريخ المقاومة المعاصرة منهم الشهيد عبد القادر الحسيني وعز الدين القسام وفتحي شقاقي وإسماعيل هنية، فهل توقفت مسيرة النضال والمقاومة بغياب هؤلاء القادة والمناضلين أم أنها استمرت بمزيد من القوة والفاعلية؟
إذن فإن استشهاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله لا يمكن أن يكون نصرا للكيان الصهيوني المحتل، وإنما يظهر مدى حاجة قادة الاحتلال الإسرائيلي إلى استعادة ما انتزعه السيد نصر الله منهم وهو اسطورة الردع وخرافة الجيش الذي لا يقهر. فرغم الإمكانات المتواضعة للمقاومة اللبنانية أمام أحدث المعدات والتقنيات الصاروخية والعسكرية في الكيان الصهيوني، استطاع الحزب على وجه عام والسيد حسن نصر الله على وجه خاص أن يرسخ رؤية المقاومة والنضال والجهاد في منطقة الشرق الأوسط خلال العقود الماضية ولاسيما منذ عام 2000 وما بعده، ولذلك يقف الكيان الصهيوني اليوم أمام معادلة لا يستطيع التخلص منها وبات يتشبث بالاغتيالات والإجرام والمجازر ليشفي غليل صدره لكن ما أبعد الغاية وما أصعب المنال.
أما مستقبل القادة العرب بعد استشهاد السيد حسن نصر الله فقد بات على المحك، إذ أن الحاكم العربي حتى وإن تشبه بالغربي لكنه يبقى في نهاية المطاف ذلك “الآخر” الذي لا يمكن الثقة به ويجب انهاكه باعتباره المنافس الحضاري والديني والفكري والثقافي الذي لابد من السيطرة عليه. اليوم لا مفر لقادة العرب إلا عبر إنهاء الصمت وإدانة الاجرام الصهيوني ومساءلة الإدارة الأمريكية باعتبارها الممول الرئيس للكيان الصهيوني واستعادة كرامتهم ومكانتهم والحفاظ على موروثهم الحضاري والفكري والثقافي بعد أن أصبح على حافة الهاوية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى