لم يكن المشهد الختامي لأول دوري لرياضة البادل في لبنان مستغرباً، إذ من تابع نشأة اللعبة في الأعوام القريبة الماضية يعلم تماماً مدى توسّع شعبيتها وحجم ممارسيها من الأعمار المختلفة، فباتت بشكلٍ واضح من الرياضات الأكثر شعبية بسرعةٍ قياسية
12 نادياً من المناطق اللبنانية المختلفة شكّلت أول دوري لرياضة البادل في لبنان. عددٌ جيّد مقارنةً برياضاتٍ شعبية أخرى في البلاد تضم العدد نفسه من الأندية في بطولاتها للدرجة الأولى.وبمسارٍ شبيهٍ بكل الرياضات التي أصبحت شعبية ووطنية، سارت البادل باتجاه تسويق نفسها أكثر، ولو أنها ليست بحاجة إلى هذا الأمر، فتنقّل الدوري الخاص بها من منطقةٍ إلى أخرى بحيث استضاف كل نادٍ مرحلة من المراحل الـ 12 للموسم العادي قبل إقامة الدورين ربع النهائي ونصف النهائي، ومن ثم المباراة النهائية، في المزار – كفردبيان.
هناك كان بالإمكان أخذ عيّنة عن مدى اهتمام اللبنانيين بهذه الرياضة التي انطلقت عام 1969 من المكسيك وسارت باتجاه العالمية منذ إقامة أول بطولةٍ للعالم لها عام 1992. ففي ساحةٍ كبيرة تمّ تشييد ملعبٍ خاص بكامل المواصفات الدولية، وقد جُهّز بمدرجاتٍ ومنطقة لكبار الشخصيات، وأيضاً بساحةٍ حضرت فيها المطاعم مدركةً أن إقبالاً كبيراً ستشهده المحطة الأخيرة من الدوري.
هذا المشهد عكس بالفعل مدى انجراف اللبنانيين في هذه الرياضة التي باتت حاضرة في كل منطقة، فاحتلت مساحات فارغة كثيرة أو أفرغت أخرى لتفرض مساحتها الزرقاء أمام الراغبين بممارسة اللعبة السهلة والصعبة في آنٍ معاً.
هي سهلة إذا ما أراد أي كان ممارستها على سبيل الهواية، إذ يكفي أن تكون للاعب أو اللاعبة فكرة أوّلية عن ممارسة رياضات «الراكيت» من أجل أن ينغمس في مبارياتها. لكن صعوبتها طبعاً تكمن في مجال التنافس على مستوى أعلى، إذ إن البادل تتطلب لياقة بدنية غير بسيطة، وتركيزاً عالياً، ومهارات فنية للعب الكرات وإعادتها إلى ملعب الخصم أحياناً بطريقة استعراضية تدفع اللاعب إلى الخروج من الملعب لإعادة الكرة إلى داخله!
لعبةٌ للجميع
كل هذا المشهد عرفه نهائي الدوري بين 4 من أفضل اللاعبين في لبنان، هم مارك بستاني ومالك فتة من جهة والثنائي تميم حلاق وعبد القادر قمر الدين من جهةٍ ثانية.
اللاعبون الأربعة قدّموا أداءً عالي المستوى، ترجم السبب وراء الإقبال الكبير للجمهور الذي ملأ المدرجات كاملةً بحيث لم يبقَ أي كرسي شاغراً. واللافت أن المتابعين كانوا من الجنسين ومن الأعمار المختلفة، والقسم الأكبر منهم قَدِم من بيروت والبعض الآخر من الشمال لتشجيع الثنائي المفضّل لديه.
باتت البادل رياضة شعبية في لبنان رغم أنه لا يمكن تصنيفها كرياضة لأصحاب الدخل المحدود
الرئيس السابق لاتحاد كرة المضرب سمير صليبا الذي رعت مؤسسته الدوري علّق على هذا الإقبال قائلاً: «لقد سبقنا اللاعبون والجمهور والشباب الذي استثمر في اللعبة. خلال عامٍ ونصف عام أصبح لدينا حوالي 150 ملعباً في لبنان، وهي ظاهرة لم تعرفها الرياضة اللبنانية في تاريخها». وأضاف: «المستوى مرتفع طبعاً لأن معظم المصنّفين الأوائل لديهم خلفية التنس، وهو ما يشي بمستقبل كبير لهذه الرياضة، لذا نحن مجبرون على إكمال المشوار وتحسين كل الجوانب، وأنا أكيد أنه في السنة المقبلة سنرى عدداً مضاعفاً من اللاعبين والجمهور».
أما الأكيد بحسب ما استطلعت «الأخبار» فهو أن الأكثرية الساحقة من الحاضرين هي من ممارسي اللعبة أو الذين اختبروها من باب «الحشرية الرياضية» كونها أصبحت «تراند» في مختلف المناطق اللبنانية حيث نشأت أيضاً أكاديميات داخل الملاعب التي ظهرت في كل مكان، من أجل تدريب الكبار وحتى الصغار الذين وجدوا تشجيعاً للأهل من أجل الانغماس فيها نظراً إلى أنها لعبة «نظيفة» وخالية من العنف، وتُكسِب أيّ أحد يمارس رياضةً أخرى فناً آخر.
دورات وتكلفة عالية
من هنا، تسلّلت البادل إلى رياضاتٍ أخرى بحيث يمارسها اليوم العديد من اللاعبين المعروفين في كرة القدم وكرة السلة بشكلٍ أسبوعي، وسط ارتفاع عدد الدورات التي تنظمها الأندية والكثير منها جذب معلنين وأيضاً خصّص جوائز مالية للفائزين، ما زاد من الإقبال على الاشتراك فيها، وما لفت الأنظار إلى واقع هذه الرياضة في لبنان، فبدأت جهات خارجية توجّه الدعوات إلى اللاعبين من أجل المشاركة في بطولاتها، وكان آخرها مشاركة الأخوين مارك وأليكس بستاني في بطولة الشارقة الدولية التي ضمّت مصنّفين من العالم.
وعند هذه المحطة توقّف مارك بستاني للإشارة إلى «أن تطوّر اللعبة فنياً في لبنان كان لافتاً جداً، ونحن نسعى دائماً كلاعبين إلى تطوير أنفسنا من أجل الارتقاء إلى مستوى التحديات التي تنتظرنا مستقبلاً، ومنها طبعاً الخارجية حيث سبق أن شاركنا ولمسنا مدى أهمية الاحتكاك مع الأبطال المحترفين».
بطبيعة الحال، يبدو لافتاً أيضاً أن شعبية هذه الرياضة كَبُرت رغم الكلفة غير البسيطة لممارستها، إذ لا يمكن تصنيفها بأنها رياضة لأصحاب الدخل المحدود، إذ إن إيجار الملعب مقابل ساعة يراوح بين 25 و35 دولاراً أميركياً، ويضاف إليه مبلغ لإيجار «الراكيت» التي لا يقل سعرها عن 200 دولار إذا ما كانت من النوعية الجيّدة.
بكل الأحوال، البادل مكسب للرياضة اللبنانية عامةً، ومكسب أكبر للمستثمرين فيها من خلال تشييد ملعب مقابل مبلغ يصل إلى حوالي 20 ألف دولار، علماً أن الأكثرية الساحقة من الأندية بحثت عن أراضٍ تتسع لملعبين تراوح عائداتهما الشهرية بين 8 و10 آلاف دولار.