كتبت صحيفة “الديار”: التأهب على أشدّه والترقب سيّد الساحات، حيث كل شيء معلق على لحظة الرد وما يليه وكيفية تعامل تل ابيب معه. جيوش مستنفرة في البر والبحر والجو، منصات الصواريخ وقواعد اطلاق المسيرات، تنتظر صفارة ساعة الصفر التي تملك طهران وحارة حريك توقيتها، اذا ما اسقطنا من الحسابات اقدام تل ابيب على خلط الاوراق من جديد وتوجيه ضربة استباقية.
وفي وقت يترقب لبنان والعالم رد ايران وحزب الله، تستمر الاتصالات لتلافي التصعيد الكبير في المنطقة، على وقع اختراق جدار الصوت وتحليق المقاتلات الاسرائيلية على علو منخفض فوق بيروت والضاحية الجنوبية، قبيل اطلالة امين عام حزب الله في ذكرى اسبوع اغتيال القائد في الحزب فؤاد شكر، فيما كان الميدان الجنوبي يشتعل بالقصف والغارات المتبادلة بين الحزب و«اسرائيل».
اتصالات دولية
هذه الاجواء السلبية انعكست على الارض، اذ بعد التسريبات عن زيارة وفد اميركي الى ايران بوساطة عمانية، جاءت تطورات الليلة الماضية وما حملته معها من تصعيد، مع استهداف قاعدة عين الاسد في الانبار العراق، بجزئها الاميركي، ما ادى الى جرح عدد من العسكريين ، وفقا لوكالة رويترز، لتشير الى انهيار كل المفاوضات ومحاولات التهدئة، وسط توقع انغماس اميركي اكبر في العمليات، نتيجة قرار فصائل المحور تصعيد عملياتها ضد القواعد الاميركية في سوريا والعراق، اقله حتى الساعة، مع تأكيد بيان صادر عن البيت الابيض أن فريق الأمن القومي أطلع بايدن وهاريس على التهديدات التي تشكلها إيران وحلفاؤها، مشيرا إلى أن الرئيس ونائبته ناقشا الخطوات اللازمة للدفاع عن القوات الأميركية والرد على أي هجوم يستهدفها.
اما على الجانب اللبناني، فبعد الوفد البريطاني الثنائي، الذي غادر بيروت متشائما، بعد رفض الجانب اللبناني ما طرحه لجهة تطبيق القرار 1701، وانسحاب قوات حزب الله الى ما وراء الليطاني، بدليل القرارات السريعة التي اتخذتها لندن، مع رفع جهوزيتها العسكرية في منطقة شرق المتوسط، مرسلة مجموعة بحرية «معتبرة»، من جهة، واخلاء عائلات دبلوماسييها المقيمون في لبنان، يحضر وزير الخارجية الفرنسية بدوره، والذي استبقه قصر الصنوبر في اتصالات شخصية مع الرعايا لحثهم على مغادرة لبنان.
وفي هذا الاطار، تكشف المعلومات ان الفريق المختص بملف لبنان في الايليزيه، درس جديا امكان قيام الرئيس ايمانويل ماكرون بزيارة الى لبنان، في رسالة واضحة «لاسرائيل»، الا انه عاد وتراجع عن الفكرة لاسباب ونصائح امنية تلقاها من اكثر من جهة، مكتفيا بايفاد وزير الخارجية في حكومة تصريف الاعمال الفرنسية، ستيفان سيغورنيه، في مسعى «لحصر» التصعيد، رغم ادراك باريس ان «الامور صارت بمطرح تاني»، وبالتالي ثمة استحالة للقيام بأي دور في الوقت الحالي، خصوصا في ظل تراجع الولايات المتحدة عن تأدية دور «الاطفائي» الجدي في هذه المرحلة، بعدما رأت ان الامور تفاقمت، رغم ان الزيارة تبقى ضرورية من الناحية المعنوية، دون ان تغير في الوقائع الميدانية، من هنا لا نتائج مرجوة من مهمة الضيف الفرنسي، سوى رسالة تضامن مع لبنان الرافض للحرب، متابعة بان سيغورنيه الذي تردد في قبول المهمة بداية، يحمل معه رسالة «شديدة اللهجة»، تتقاطع مع ما سمعه المسؤولون من الوفد البريطاني، تشدد على خطورة التدهور العسكري، بعدما باتت الامور اكبر من لبنان وساحته، من جهة، وتأكيد دعمها للشعب اللبناني بانه غير متروك.
اتصالات داخلية
هذا الوضع المتدهور والمخاوف من تداعيات ما هو آتٍ، دفع بحكومة تصريف الاعمال الى تفعيل عملها، وتكثيف اجتماعاتها، على اكثر من خط، مركزة جهودها على ثلاثة مسارات، الاول، ديبلوماسي، مع فتح رئيسها خطوط التواصل مع الخارج على مدار الساعة، املا في تحقيق اي خرق، الثاني، العمل على تأمين الحاجات الاساسية الضرورية على صعيد مخزون المواد الغذائية والنفطية والادوية، حيث تجاوبت منظمة الصحة العالمية بسرعة، مرسلة شحنة كبيرة من المواد اللازمة للمستشفيات في حالات الطوارئ والحروب، وهنا طمأنت المصادر إلى أن «لا مشكلة في المستلزمات الطبيّة، هناك مخزون في المستشفيات وفي الشركات يكفي ما بين ثلاثة إلى ستة أشهر على الأقل»، اما الثالث، فأمني، حيث المخاوف من انفلات الامور، ومحاولة «المخربين» من لبنانيين وسوريين الاستفادة من الفوضى التي قد يتسبب بها الوضع، خصوصا ان الايام الماضية شهدت سلسلة عمليات واحداث، تدفع الى الخوف من تطورها وما قد ينتج منها.
وكانت تقاطعت معلومات عن ان الجيش الاميركي، بات جاهزا لانشاء جسر بحري في منطقة جونية، مهمته اخلاء المواطنين الاجانب، والديبلوماسيين، فضلا عن استخدامه كمعبر لادخال المواد الاساسية، مع توقف الحركة في مرفا بيروت ومطار رفيق الحريري الدولي، علما ان كل الترتيبات اعدتها الجهة القبرصية لانجاز تلك المهمة. يشار الى ان الدول الكبرى اشتكت من بطء عمليات الترحيل عبر مطار رفيق الحريري الدولي، في ظل امتناع شركات الطيران العالمية عن ارسال رحلاتها، كما ان شركة طيران الشرق الاوسط خففت من عدد طائراتها الموجودة في المطار الى اقصى درجة، وسط معلومات عن مافيات سوق سوداء بدات تتحكم باسعار تذاكر الطائرات، لبيعها باسعار مضاعفة للرعايا الاجانب الراغبين بالمغادرة، فيما تعذر ايجاد اي بطاقات عبر المواقع الالكترونية.
الانتشار العسكري
وتشير المصادر في هذا الخصوص الى ان الانتشار العسكري البحري الاميركي والبريطاني قبالة السواحل اللبنانية، يتموضع في المنطقة الممتدة من بيروت باتجاه طرابلس شمالا، ويضم مجموعتين برمائيتين وسفن انزال، ومدمرات مجهزة بصواريخ كروز، فضلا عن حاملة طائرة ترافقها حاملة مروحيات، تضم مستشفى عائما، تدعمها طائرات تجسس وحرب الكترونية تكاد لا تفارق السماء على مدار الساعة، حيث تقوم بعمليات مسح ورصد لكامل الشاطئ اللبناني والسوري، وصولا الى الداخل السوري حتى الحدود العراقية.
ضربة اسرائيلية
وسط هذا المشهد المعقد والسوداوي، تقاطعت المعطيات الديبلوماسية، على ان «اسرائيل» باتت جاهزة لتنفيذ عملية استباقية، حددت موقعها بالتنسيق مع القيادة الاميركية الوسطى، في محاولة منها لاحباط استراتيجية الاستنزاف التي يمارسها محور المقاومة، حيث علم ان قائد القيادة الوسطى الجنرال «كوريلا» الذي زار تل ابيب والتقى كبار قادتها، قبل ان يغادرها الى غرفة عمليات قواته في الاردن، بحث مع الاسرائيليين موضوع الجبهة اللبنانية، واضعا خطوطا حمراء، من بينها عدم التعرض للجيش اللبناني، اذ ترى فيه واشنطن شريكا استراتيجيا اساسيا لها في المنطقة، كما انها ترى له دورا فاعلا ومركزيا في تطبيق اي تسوية مستقبلية.