منذ المناظرة الأولى التي نظمتها شبكة CNN بين دونالد ترامب، الرئيس السابق والمرشح الحالي لانتخابات 2024، ورئيس الولايات المتحدة، جو بايدن، المرشح الديمقراطي لانتخابات 2024، تسارعت الأحداث بالنسبة لترامب وارتفعت نقاطه بحيث بات من الممكن إعلانه الرئيس المقبل للولايات المتحدة. فقد فشل بايدن، الذي لم يتخل عنه الديمقراطيون حتّى الآن، فشلًا ذريعًا أمام ترامب، الذي ارتفعت نقاطه 6 نقاط بعد المناظرة.
تتالت الأحداث بشكل درامي لا يصدق خاصة بعد محاولة اغتيال ترامب، خلال تجمع انتخابي أقيم في بنسلفانيا في 13 من هذا الشهر، والذي جاء بعد كلام لبايدن، قاله في الثامن من تموز/يوليو خلال تجمع انتخابي مستخدمًا تعبير “يجب وضع ترامب في عين الثور”.
حاول بايدن في مقابلة له على قناة أخبار NBC، في 16 تموز/يوليو، تبرير كلامه وأن قصده بوضع ترامب في bulls – eye، أي في عين الثور، أي جعله هدفًا للأميركيين، وأنه كان يقصد التركيز عليه، وعلى الأكاذيب التي أطلقها. بكلّ الأحوال تبرير بايدن كان ضعيفًا، وارتفعت نقاط ترامب أكثر فأكثر فبات بلا منازع الرئيس القادم لأميركا والمتبنى من قبل الحزب الجمهوري لانتخابات العام 2024 بشكل رسمي.
بعد محاولة اغتيال ترامب، الذي خرج منه بأعجوبة وبجرح في أذنه اليمنى رافعًا قبضته ليشجع الجماهير، والتي قتل خلالها أحد الموجودين، خلال تبادل إطلاق النار ما بين الشرطة السرية والمهاجم، زاد الأمر سوءًا بالنسبة لبايدن كمرشح، خاصة وأن مديرة الشرطة السرية، المعيّنة من قبَله، كيمبرلي تشيتل، صرحت بأن ما حدث مع ترامب كان محاولة اغتيال وأن المسؤول الأول عن حماية الرؤساء هو المؤسسة التي تديرها، وبسبب تقصير أمني مشترك مع الشرطة المحلية. وسأل المذيع تشيتل خلال لقاء معها على محطة أخبار ABC، إذا ما كانت ستستقيل نتيجة للخطأ الذي حصل خلال إدارتها، فأجابت بكلا.
التحدث عن هذه المفارقات لا يأتي من باب العرض فقط، بل هو مرتبط تمامًا بالفوضى التي حدثت في الإعلام الأميركي، وحتّى لدى الإعلاميين الغربيين، والذين يطالبون بتحمل الجميع مسؤولياتهم ضدّ كلّ من يصعّد الهجوم ضدّ ترامب، حتّى أن المشاهد يشعر بأن التحريض الإعلامي يمكنه في لحظة أن يشعل أميركا بأكملها.
ومن هؤلاء الذين دفعوا بقوة نحو استغلال الحدث وجعله مركز الانتباه، الإعلام الموالي للجمهوريين مثل NBC، والفوكس نيوز. والغريب أن بيرس مورغان ومن خلال برنامجه المسمى باسمه على قناة CNN، كان من أوائل المدافعين عما حدث مع ترامب، مع العلم أن المحطة التي يعمل فيها معروفة بأنها من أنصار الديمقراطيين. ومن أهم المشاهد التي عرضها برنامجه كان دخول ترامب إلى تجمع مؤتمر الجمهوريين، والقلق باد على وجهه، وقام بإلقاء التحية على ابنه دونالد جونيور، الذي بدا عليه الروع مما أصاب والده قبل أيام. الأمر كان مدار نقاش واسع مع مورغان، وفي عدة لقاءات قام بها وحلقات قدمها، تشعر وكأن هذا البريطاني بات جزءًا من حملة الانتخابات. وكان هناك تحريض كبير على عبارة بايدن، التي تحدثنا عنها في أول المقال، من قبل الضيوف ومورغان نفسه، فالأمر كاد يقود أميركا لحرب أهلية.
وفي الحقيقة، تدارك ترامب التصعيد وخاصة خلال الكلمة التي ألقاها عند قبول ترشيح الحزب الجمهوري له. والملفت أن أحداث فلسطين أصبحت خبرًا ثانويًا، حتّى بالنسبة لمورغان، الذي استغل الخبر من أجل تفعيل الهجوم على وسائل التواصل الاجتماعي، التي اعتبرها أداة للتحريض على قتل ترامب. وسنرى في القريب دلائل هامة لهذا التوجّه ضدّ وسائل التواصل، خاصة لجهة دورها في فضح جرائم الصهاينة والأميركيين في الحرب على غزّة.
ابتدأ مؤتمر الجمهوريين في 15 تموز/يوليو وانتهى في 19 منه، في مدينة ميلووكي في ولاية ويسكونسن، حيث وقف ترامب أمام أعضاء الحزب الجمهوري، وقبل ترشحه للانتخابات الرئاسية المقررة في تشرين الثاني/نوفمبر من هذا العام. قال ترامب عن حادثة اغتياله إنه كان يعرف أنه يتعرض لهجوم… وأن الله كان إلى جانبه. وتعهد ترامب بفوز مذهل، وأكد أنه سيكون رئيسًا لجميع الأميركيين وليس لنصفهم فقط. كما تعهد بإنهاء الهجرة غير الشرعية وإغلاق الحدود وإعادة العافية للاقتصاد وإنهاء الحرب في أوكرانيا وغزّة.
من وحي تعهدات ترامب، جاء كلام نيكي هايلي، التي كانت منافسةه له خلال الانتخابات من داخل الحزب الجمهوري، والتي تغلبت عليه في انتخابات العاصمة واشنطن، وخسرت أمامه في ولايتها الأم، كارولينا الجنوبية. كلام هيلي جاء خلال تسميتها ترامب مرشحًا للحزب الجمهوري خلال مؤتمر ميلووكي. وابتدأت خطابها بأنها تتحدث حول وحدة الحزب بطلب من الرئيس ترامب. وبالتأكيد فإن هذا الطلب يأتي معه تأكيد على أهمية موقع هايلي بالنسبة لترامب والحزب الجمهوري. وجاء في كلامها: “أقدم ترشيحي القوي لترامب، ونقطة على أول السطر”.
تبني هايلي لترامب كان هامًا جدًا، فقد خاضت مع ترامب سباق الجمهوريين للرئاسة بشراسة، وقالت عنه الكثير وهاجمته في أحداث 6 كانون الثاني/يناير 2020، فيما لم يقل ترامب شيئًا، وحين أخبرته بأنها ستترشح كمنافسة جمهورية له، قال لها: “افعلي ما يمليه عليك قلبك”.
واليوم، نبهت هايلي الأميركيين من خطر انتخاب جو بايدن، لأن الأمر سينتهي بوصول نائبته كامالا هاريس للحكم، وأن انتخاب بايدن هو انتخاب هاريس، التي لم تقم بواجبها بشكل جيد في الملف الوحيد الذي كان بين يديها وهو ملف إصلاح أمر الحدود، قائلة: “تصوروا لو أنها مسؤولة عن حدود البلاد كلها”. وتكمل هايلي أن على أميركا الذهاب مع دونالد ترامب، وتخاطب ناخبيها: “أنا أعلم أن هناك من لا يتوافق مع ترامب 100%، وأتحدّث إليهم اليوم، ورسالتي هي: ليس عليكم التوافق معه 100% وكلّ الوقت، خذوني مثالًا…! ولكننا نتفق معه أكثر من اتفاقنا مع الديمقراطيين الذين أصبحوا يساريين أكثر من اليسار حتّى أصبحوا خطرًا على البلد، ونحن نريد بلدنا قويًّا وآمنًا وموحدًا”. ثمّ دعت إلى توسيع القاعدة الشعبية للحزب الجمهوري.
قبل مؤتمر بنسلفانيا بيومين، الذي تعرض خلاله لعملية الاغتيال، عيّن ترامب نائب الرئيس، وهو العضو في مجلس الشيوخ عن ولاية أوهايو، جي دي فانس، والذي كان معارضًا شرسًا لترامب في العام 2016، وخلال فترة توليه الحكم، ولكن يبدو أن فانس قد “نضج كفاية” ليفهم أن ترامب هو رجل أميركا اليوم، وهو لا يخفي مواقفه السابقة بل تحدث عن مراجعتها وأنه اليوم على توافق تام مع الرئيس. ويبدو أن هايلي ستكون هايلي مرشحة ترامب كوزيرة خارجية أميركا خلال عهده، وهي كانت رئيسة البعثة الدبلوماسية الأميركية في الأمم المتحدة خلال فترة حكمه السابقة.
وقالت هايلي إن ترامب لا يريد حروبًا لا في أوكرانيا ولا حتّى في الشرق الأوسط، فهل يعني ذلك أن هذه الحروب ستقف بمجرد وصول ترامب، وقد تحدث عنها مطولًا خلال خطاباته؟ لا أحد يعلم! وجاءت صدرت عنها مقارنة ملفتة حول عهدي باراك أوباما وجو بايدن: “في عهد باراك أوباما، احتلت روسيا القرم، وفي عهد بايدن اجتاحت روسيا أوكرانيا، وفي عهد ترامب لا حروب ولا اجتياحات”. و”بشرت”بأن “سياسة ترامب في الشرق الأوسط ستكون عقوبات قاسية على إيران… فترامب أزال قاسم سليماني من الوجود وفي عهده كانت إيران أضعف من أن تبدأ بأي معركة”.
مقارنة سياسة ترامب بسياسة كلّ من أوباما الذي أجرى مع إيران اتفاقًا نوويًا، وبايدن الذي يرجو الإيرانيين كلّ يوم للعودة للاتفاق، وهو قد أزال قسمًا من العقوبات عليها، وسياسته في أفغانستان، حيث جاء الانسحاب الأميركي بأكثر طريقة مذلة في تاريخ أميركا، تريد منها هايلي إظهار أسباب تراجع مكانة أميركا في العالم، وأن ترامب وفريقه هم من سيعيدونها عظيمة مرة أخرى.
وفي شأن فلسطين، فلا تغيير. وقد لفتت إلى أن “حماس ما تزال تحتفظ بـ”رهائن” أميركيين، وما بين حماس و”إسرائيل” واضح تمامًا من هو صديقنا ومن هو عدونا”، وأنه يجب العمل من أجل عكس التوجّه العام بين الأميركيين والذين ترتفع بينهم نسبة “المعاداة للسامية”. ومن هنا يمكننا أن نتوقع نوع المواجهة التي ستكون عليها منطقتنا وبلادنا خلال حكم ترامب القادم. وما يظهر حتّى اليوم، أن الحزب الجمهوري قد قام بتنظيم صفوفه، بعد أن كان متفرقًا في انتخابات 2019، وأن التحديات أمامه كبيرة، ولكن التحديات ما تزال أمامنا أكبر في المنطقة مما كانت عليه، ولا فرق بالنسبة لمنطقتنا ولفلسطين سواء كانت أميركا ديمقراطية أم جمهورية.