أهدافٌ رائعة من كل المسافات، أهدافٌ عكسية، وأرقامٌ تهديفية قياسية.هذه هي باختصار صورة نهائيات كأس أوروبا لكرة القدم التي وفت بكل الوعود لا بل تخطّتها، إذ لم نتابع حتى الآن مباراةً مملّة أو خالية من الإثارة، والدليل أن جميع المنتخبات الـ 24 سجّلت أهدافاً مع نهاية الجولة الثانية من دور المجموعات.
بالفعل يمكن وصف “يورو 2024” بالبطولة الاستثنائية إذا ما توقّفنا عند الغزارة التهديفية التي بلغتها، وعند الأداء الهجومي للمنتخبات كافةً منذ المباريات الأولى، فأصبحت ثاني نسخة تبلغ هدفها الرقم 50 من خلال أول 19 مباراة بعد نسخة عام 2012.
يا لها من دورة حتى الآن، إذ حتى المباراة الرقم 21 التي جمعت بين فرنسا وهولندا لم تشهد أي تعادلٍ سلبي، لا بل حتى إن هذه المباراة بدت وكأن الشباك فيها اهتزت وسط الفرص التي صنعها المنتخبان. أضف أن المباريات التي انتهت بهدفٍ وحيد أو بهدفٍ عكسي مثل مباراة إسبانيا وإيطاليا حملت أكثر من ذلك بكثير.
النهج الهجومي
بكل الأحوال أسباب عدة فرضت هذا المشهد الجميل بالنسبة إلى محبي كرة القدم، وهو يتمحور حول الفكر الهجومي الذي يملكه كل المدربين الموجودين في البطولة، إذ حتى وجود العدد الأكبر منهم من حاملي الجنسية الإيطالية (5 مدربين) أي من تلك البلاد المعروفة باعتناقها الأساليب الدفاعية، لم يقف عائقاً دون إطلاق العنان للهجوم ولا شيء سواه.
الواضح أن هؤلاء المدربين لديهم ثقة كبيرة بالإمكانات الهجومية للاعبيهم، والناتجة طبعاً عن لعبهم في أهم البطولات الوطنية في أوروبا على وجه التحديد، فمنحوهم حريّةً أكبر على أرضية الميدان. كما أن المسائل الحسابية حاضرة في هذا الإطار أيضاً، إذ يعرف المدربون أن تسجيل الأهداف هو أولوية لأنها ستلعب دورها في عملية التأهل إلى الدور الـ 16، وخصوصاً بالنسبة إلى تلك المنتخبات التي ستحتل المركز الثالث في المجموعات.
لكن لا يجب أيضاً إسقاط دور اللاعبين في هذا الإطار، ويمكن ضرب المثل بالعدد الكبير من الأهداف التي سُجّلت من خارج منطقة الجزاء، إذ شهدت المباريات الـ 12 الأولى تسجيل 11 هدفاً من المسافة البعيدة، وهو عدد كبير جداً مقارنةً بما شهدناه خلال كأس العالم الماضية في قطر، إذ لم تشهد هذه النهائيات أي هدف من خارج المنطقة حتى المباراة الرقم 17 التي فازت فيها إيران على ويلز بهدفين نظيفين. كما أنه تمّ تسجيل 19 هدفاً من أصل 142 من خارج المنطقة في “يورو 2020”.
وبالمجموع العام الخاص بالمونديال المذكور، يظهر الرقم المفاجأة، إذ إن 12 هدفاً فقط من أصل 172 هدفاً تمّ تسجيلها من بعيد في الملاعب القطرية أي ما نسبته 7% من الأهداف!
اللعب المفتوح
أمّا ما نشهده اليوم في ملاعب ألمانيا فهو ناتج عن ثقة كبيرة بالنفس عند اللاعبين وإمكانات فردية تقنية عالية تسمح لهم باتخاذ القرار الصحيح في اللحظة المناسبة من أجل إصابة الشباك من مسافةٍ بعيدة، توازياً مع تشجيع المدربين لهم للعب بأريحية ومن دون ضغوط. كما يساعدهم اللعب المفتوح وعدم تقوقع الخصوم في الخلف على صورة ما يحصل مثلاً في بطولاتٍ وطنية كالدوري الإنكليزي الممتاز، حيث الفوارق الفنية هائلة بين الكبار والفرق الصغيرة التي تعمد عادةً إلى التكتل في الخلف بشكلٍ لا يسمح للكرة باختراق الدفاعات، فتموت بالتالي أي فكرة للتسديد من بعيد.
أسبابٌ فنيّة مختلفة أفرزت غزارةً في الأهداف وأخرى كانت وراء الأهداف العكسية وتلك المتأخرة
وبالحديث عن الضغوط أو ما أفرزه النهج الهجومي من ضغطٍ كبير على المدافعين، كان لافتاً عدد الأهداف التي سجّلتها المنتخبات بالخطأ في مرماها، وبعضها حدّد النتائج النهائية لمبارياتٍ عدة. وينطبق هذا الأمر أيضاً على الأهداف المتأخرة التي جاءت 6 منها بعد نهاية الدقائق الـ 90، وأبرزها الهدف الذي سجّله المهاجم الشاب فرانشيسكو كونسيساو للبرتغال مهدياً إياها الفوز على تشيكيا، وذلك بعد دخوله بديلاً بـ 111 ثانية، ليكون أسرع لاعب برتغالي بديل يسجّل في كأس أوروبا منذ أن فعلها إيدير في المباراة النهائية لنسخة عام 2016 ضد فرنسا المضيفة.
كما أن أهمية الهدف الذي سجّله المهاجم الصربي لوكا يوفيتش لبلاده في الدقيقة 95 ضد سلوفينيا له أهمية استثنائية، كونه أبعد الصرب عن شبح الخروج المبكر بعد خسارتهم المباراة الأولى أمام الإنكليز بهدفٍ وحيد.
بطبيعة الحال، ارتقت كأس أوروبا حتى هذه اللحظة إلى مستوى التوقعات، وما عرفته مباريات دور المجموعات يترك قناعةً بأن إثارة الأدوار الإقصائية ستكون بلا حدود.