يناقش مجلس الوزراء في جلسته غداً مشروع مرسوم أعدّه وزير العدل هنري خوري بنقل وتعيين قضاة في المحاكم المذهبية الدرزية. اللافت أن الاقتراح لم يرد في جدول الأعمال الذي وُزّع على الوزراء صباح أمس، بل أضيف كملحق وُزّع ليلاً، لأنه كان حتى نهار أمس موضع أخذ وردّ داخل الطائفة الدرزية، وأثار بلبلة كبيرة بعد «تخطّي المعايير القانونية المتفق عليها للتعيين لمصلحة زعماء الطوائف ورجال الدين»، وهو ما كان محور كتاب وجّهه النائبان مارك ضو وفراس حمدان إلى الحكومة، خصوصاً رئيسها ووزير العدل، في شأن «تعيين مرشحين اثنين بشكل استنسابي من دون تطبيق معايير الشفافية والكفاءة والقانون».ولأنه ينطبق على قضاة المذهب القانون نفسه الذي ينطبق على تعيين القضاة العدليين، يفترض أن تأتي التعيينات بمرسوم يعدّه وزير العدل بناءً على اقتراح بالأسماء مرفوع عبر المدير العام للمحاكم الدرزية بعد استطلاع رأي مشيخة العقل. وفعلياً يحقّ لأي شخص مجاز في الحقوق ويتجاوز سن الـ25 عاماً أن يتقدّم الى الامتحان. بالتالي، أصدر وزير العدل الأول من شباط الماضي قراراً حمل الرقم 94، بتعيين لجنة من ذوي الاختصاص في قوانين الأحوال الشخصية لدى طائفة الموحّدين الدروز لاختيار متبارين لتعيين 4 قضاة مذهب.
شكّل قرار إجراء مباريات سابقة في تاريخ هذه التعيينات، إذ جرت العادة على اعتماد المحاصصة في تعيين قضاة المذهب بالتوافق بين الحزب التقدمي الاشتراكي والمشايخ والنائب طلال أرسلان. وبالفعل انعقدت اللجنة المؤلفة من القضاة المتقاعدين رياض طليع ونديم عبد الملك وسجيع الأعور وفيصل ناصر الدين ووضعت معايير الامتحان وحدّدت معدّل النجاح بـ 12 على 20، وأجريت الامتحانات، وأصدرت اللجنة النتائج في 19 آذار الماضي، فتبيّن نجاح ثلاثة مرشحين فقط من أصل 15، وهم: أمير طلال أبو زكي بمعدل 16/20 ومُنح عصام نصرالله ودانيال مروان سعيد بمعدل 12/20 لكل منهما، علماً أن المواقع الشاغرة أربعة.
مع صدور النتائج تكشّفت المشاكل. فالمشايخ الذين يرغبون في تعيين رجال دين كقضاة مذهب عبّروا عن استيائهم لفوز مدنيَّيْن وشيخ واحد (دانيال سعيد). كما برزت مشكلة سقوط كل المرشحين الأرسلانيين رغم أن بينهم أساتذة جامعيين. عليه تمت العودة إلى المحاصصة مجدداً. فأُعطي أرسلان قاضي مذهب اقترحه اسماً من خارج المرشحين الراسبين، هو رائد حيدر الصايغ البالغ من العمر 50 عاماً ،ما يعني تجاوزه سني الخدمة (يُحتسب التقاعد وفق سني الخدمة وليس العمر الفعلي كما في قانون الموظفين العامين)، وهو ما ينطبق على المرشح الرابح مُنح نصرالله. في المقابل، رضخ الحزب الاشتراكي لضغوط المشايخ وأضاف اسماً خامساً على لائحة التعيينات (رغم أن المطلوب أربعة) عبر إنجاح سعيد أمين مكارم الذي نال درجة 11/20.
بعد نجاح ثلاثة مرشحين لأربعة مواقع شاغرة اقتضت المحاصصة رفع عدد المعيّنين إلى خمسة!
أثار القفز فوق نتائج المباراة انزعاج أعضاء اللجنة لعدم احترام عملهم، وأدى إلى نشوب مشاكل داخل الطائفة، خصوصاً أن الأمر لم يقتصر على تعيين اسمين إضافيين من خارج لائحة الفائزين، بل استتبع بنقل قضاة من مناصبهم لأجندات سياسية خاصة، إذ تضمّن مشروع مرسوم وزير العدل تعيين القاضي فؤاد يونس قاضياً لدى محكمة الدرجة الأولى المذهبية الدرزية في البقاع (راشيا) خلفاً لمنير نجيب رزق الذي عُيّن قاضياً رديفاً لدى المحاكم المذهبية الدرزية، ما يعني ضمنياً معاقبته على خلفية الخلاف بينه وبين رئيس القلم في راشيا المقرّب من النائب وائل أبو فاعور. كذلك تمّ نقل القاضي لدى محكمة المتن المذهبية الدرزية غاندي مكارم ليُعيّن مستشاراً لدى محكمة الاستئناف المذهبية الدرزية العليا وحلّ مكانه ابن أخيه سعيد مكارم، ما يجعل له نفوذاً في الموقعين. وعُيّن رائد حيدر قاضي مذهب من الدرجة الأولى لدى محكمة المتن، في حين نُقل القاضي لدى محكمة بيروت المذهبية نصوح حيدر إلى محكمة الجنوب المذهبية بناءً على طلبه وعُيّن في مكانه أمير أبو زكي. كذلك عُيّن دانيال سعيد، وهو مقرّب من شيخ العقل سامي أبي المنى، قاضي مذهب من الدرجة الأولى في محكمة بعقلين، ومنح نصرالله قاضي مذهب في محكمة بعقلين أيضاً.
واعترض النائبان ضو وحمدان على التعيينات لدى زيارتهما شيخ العقل أول من أمس، علماً أن دور أبي المنى يقتصر على إبداء الرأي فقط، إذ سبق لشيخ العقل السابق بهجت غيث أن عارض تعيين القاضي غاندي مكارم، إلا أن الاشتراكي استصدر قراراً من مجلس الشورى بعدم إلزامية رأي شيخ العقل. وأكّد ضو لـ«الأخبار» أنه وحمدان «متمسّكان بالإبقاء على اللجنة حتى لا نعود إلى تعيينات زعماء الطوائف وحتى لا يبقى مصير العائلات والناس معلّقاً بالزعيم الذي يحكم باسم القاضي». وقال إن المطلب الأساسي هو «إعادة إجراء الامتحانات لتتمّ التعيينات بطريقة شفّافة وقانونية وباعتماد معيار الكفاءة».
تجدر الإشارة إلى أن قضاة المحاكم المذهبية الدرزية يلعبون دوراً مهماً في كل ما يتعلق بحياة المواطنين اليومية والعائلية، إذ يحكمون بكل ما يتعلّق بالأحوال الشخصية من زواج وطلاق وحضانة وإرث وإثبات وفاة وحجر وغيرها.