عودة: نصلي لقيامة لبنان من كبوته
ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأورثوذكس المطران الياس عوده خدمة الهجمة وقداس الفصح في كاتدرائية القديس جاورجيوس بحضور حشد من المؤمنين.
وبعد الإنجيل ألقى عظة استهلها بالقول: “المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت، ووهب الحياة للذين في القبور. أعايدكم جميعا بقيامة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح من بين الأموات، راجيا أن تحمل لنا قيامة من موت الخطيئة، وللعالم خلاصا من الحروب والدمار، وسلاما دائما”.
أضاف: “يظن البشر أن قيامة الرب هي نهاية مرحلة في حياتنا المسيحية، غير أنها بداية لحياتنا معه. إنها نقطة العبور من سلطة الموت على حياتنا إلى سلطة الحياة التي هي المسيح نفسه. القيامة هي عبور من نير الخطيئة المؤدية إلى الموت، إلى طريق البر أي العيش وفق وصايا الله، المؤدي إلى الحياة (رو 6). في الكنيسة الأولى كانت معمودية الذين آمنوا بالرب يسوع تتم يوم سبت النور، خلال سهرانية الفصح، لأن المعمودية هي موت وقيامة مع الرب يسوع كما يقول بولس الرسول: «أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمد لموته؟ فدفنا معه بالمعمودية للموت، حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضا في جدة الحياة… فإن كنا قد متنا مع المسيح نؤمن أننا سنحيا أيضا معه» (رو 6: 2-11). في المعمودية نلبس المسيح: «أنتم الذين بالمسيح اعتمدتم المسيح قد لبستم». هذا يعني أن نحيا كما أوصانا الرب يسوع، وأن نتشبه به هو الذي صلب ومات على الصليب”.
وتابع: “في كل مرة نعيد الفصح تدعونا الكنيسة إلى تجديد العهود التي قطعناها في المعمودية أي العودة إلى سلوك الطريق الذي رسمه لنا الرب يسوع، والذي سلكه هو نفسه. إنه طريق الطاعة لله الآب، الذي أدى بالرب يسوع إلى موت الصليب، كما يقول الرسول بولس: «وإذ وجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب، لذلك رفعه الله أيضا وأعطاه إسما فوق كل إسم» (في 2: 8-9). يقترن الفصح، في أذهان البشر، بالفرح بقيامة الرب من بين الأموات، التي نحن مدعوون إلى الإشتراك فيها. سلوكنا في هذه الحياة سيحدد نوع القيامة التي ستواجهنا في اليوم الأخير. فإذا كنا نسلك بحسب وصايا الله، التي اختصرها لنا الرب يسوع بوصية المحبة (مت 22: 40)، ونعمل الصالحات التي وضعها لنا الرب لنسلك فيها (أف 2: 10)، فإننا ذاهبون إلى قيامة حياة. أما إذا عملنا السيئات، وانشغلنا بأمور الحياة الزائلة، وتلهينا بتجميع المراكز والألقاب والثروات، فنحن متجهون إلى قيامة دينونة (يو 5: 29)”.
وقال: “الفصح هو دعوة لنا لأن ننطلق انطلاقة جديدة، فنشارك في الحياة التي يمنحنا إياها الله، حياة الرب يسوع القائم من بين الأموات، ونسلك كما علمنا الرب وكما عمل هو، باذلا نفسه من أجل الذين أحبهم لكي يمنحهم الحياة الأبدية. الفصح دعوة إلى عيش المحبة على مثال الرب، تتجدد سنة بعد سنة، فنتذكر أنه «هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، كي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية» (يو 3: 16)، إذ «ليس لأحد حب أعظم من هذا: أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه» (يو 15: 13). هكذا نتعلم السير في درب المحبة التي تعبر بالخليقة كلها من موت الحقد والشر والطمع والفساد، إلى قيامة حياة لا نهاية لها”.
أضاف: “بلدنا بحاجة إلى من يحبه محبة صادقة بعيدة عن الحقد والشر والطمع والفساد. هو بحاجة إلى مسؤولين يعملون من أجله لا من أجل مصالحهم، وإلى نواب يقومون بواجباتهم بعيدا عن المصالح والغايات، وأولى هذه الواجبات الإجتماع خلال المهلة التي يحددها الدستور من أجل انتخاب رئيس للجمهورية يقود البلد بأمانة وحكمة. لقد مضى ما يقارب العامين على انتهاء هذه المدة ولم ينجزوا واجبهم، وكأن البعض استساغ الفراغ واستغنى عن وجود الرئيس! نراهم يجتمعون عندما تدعوهم المصالح، وتتضافر جهودهم من أجل إتمام المقتضى. فإذا كان بإمكانهم الإجتماع فلم لا ينتخبون رئيسا؟ ولم لا يطبقون الدستور المفروض أن يكون مرجعهم الوحيد؟ ولم لا يحترمون المواعيد الدستورية كلها؟ ولم يتخطون المفاهيم الديموقراطية؟ ألسنا في نظام ديمقراطي مبني على مبدأ الفصل بين السلطات وتعاونها، وعلى صون استقلالية القضاء من أجل تحقيق العدالة، وعلى ضمان حريات المواطنين وحقوقهم في تولي المراكز، والمشاركة في السلطة عبر انتخابات تجرى في مواعيدها؟ الديمقراطية لا تستقيم دون احترام المهل الدستورية وتداول السلطة، ودون مراقبة جدية ومحاسبة عادلة”.
وأردف: “بلدنا لن ينهض ما لم ينتظم عمل مؤسساته الدستورية ويؤمن حسن أداء الموظفين فيها. لكننا نشهد عجز هذه المؤسسات بسبب عدم انتخاب رئيس، ولا انتخاب لرئيس بسبب الصراعات السياسية والمشاحنات والتعطيل وفرض بدع لا ينص عليها الدستور. نظامنا الديمقراطي يتقهقر بسبب تداخل السلطات وتحكم السياسة في القضاء، وتعطيل الدستور وإخضاعه للمصالح، وتعطيل انتخاب رئيس وعرقلة تشكيل الحكومات، كما شهدنا في السنوات الأخيرة، بحجة الديمقراطية التوافقية التي هي نقيض الديمقراطية الحقيقية التي تقوم على أكثرية برلمانية تنبثق منها حكومة تتولى السلطة، ومعارضة فاعلة تمارس الرقابة الحقيقية المنزهة عن كل مصلحة. هذا ما كان عليه لبنان في ماضيه. كان العالم يحسدنا على النعمة الكبيرة المسماة لبنان، وبعض البلدان المحيطة بنا كانت تطمح إلى الوصول إلى ما كنا فيه. للأسف، تراجعنا كثيرا فيما هم تطوروا حتى فاقوا التوقعات. لذا علينا جميعا، مسؤولين وأحزابا ومواطنين، والمثقفين بشكل خاص، العمل معا من أجل قيامة وطننا. الطريق واضح: تطبيق الدستور. علينا جميعا، كل في مجاله، تطبيق دستور بلدنا وقوانينه، والتحرر من الأفكار الغريبة، والشروط التعجيزية، والأنانية، والتعصب، والتفرد، والحقد، والإنتقام. إنه لمخجل حقا أن يشعر اللبنانيون، في هذه المرحلة المصيرية من تاريخ هذه المنطقة، أن نوابهم وزعماءهم عاجزين وينتظرون معونة الخارج. والخارج ينبهنا أن لبنان لن يدعى إلى مفاوضات بدون رئيس وحكومة فاعلة”.
وختم عودة: “في هذا اليوم المبارك نرفع الصلاة من أجل قيامة لبنان من كبوته، ومن أجل أن ينقي الرب القائم من بين الأموات قلوب المسؤولين، وينير عقولهم من أجل السير في الطريق المؤدي إلى الخلاص. نصلي من أجل الذين يقاسون ويلات الحروب وخاصة في لبنان وفي أرض المسيح فلسطين، ومن أجل المرضى والحزانى والمظلومين والمأسورين والمضطهدين. نسأله أن يبارككم ويشرق نور قيامته في قلوبكم ليبقى الرجاء فيها متقدا فتصرخوا في كل حين: المسيح قام حقا قام، وسيقيمنا معه إلى حياة أبدية، آمين”.