كتب يوسف الصايغ – في ذكرى 13 نيسان.. هناك من لم يتعظ
تسعة وأربعون عاماً مرت وكان من المفترض أنها كفيلة بمحور آثار الحرب التي دارت رحاها في لبنان وانتهت بآلاف الضحايا والجرحى ومصابي الحرب والمفقودين والأيتام والأرامل والدمار المالي والعجز الاقتصادي، الى ما هنالك من مخلفات الحرب المدمرة التي لا تزال آثارها قائمة حتى يومنا هذا، تسعة وأربعون عاما والحرب لا تزال عالقة في الأذهان والعقول بل الأخطر من ذلك أن هناك من لم يتعظ من تجربة الحرب وما جرّته على لبنان من ويلات ومآس، فجريمة خطف وقتل المواطن باسكال سليمان وهو أحد مسؤولي القوات اللبنانية ورغم أن خيوطا أولية تفيد بأن دوافع العملية جرمية وليست سياسية، الا انها كانت كفيلة بأن تدفع بالشارع القواتي للعودة الى زمن الحرب الأهلية، وما أطلق من شعارات وما تم ترجمته على أرض الواقع من تصرفات عنصرية من جهة وخطاب مذهبي من جهة أخرى، كان كفيلاً بإظهار الحقيقة المرة، وهو أن هناك من لم يتعظ من تجربة الحرب في لبنان، والا كيف يمكن تفسير كلام أحد محازبي القوات عندما توجه الى “الحكيم” مبديا رغبته بأن تحصل الحرب الى جانب العبارات التي أطلقت يوم تشييع المغدور سليمان الى مثواه الأخير.
ومن يستمع التى خطابات النواب والشخصيات المنضوية في حزب القوات وتلك الحليفة لها لا سيما الكتائب اللبنانية لا يحتاج الى الكثير من الجهد، كي يدرك مدى خطورة الخطاب التعبوي الذي لا يمكن تفسيره الا بإعتباره إستعادة لخطاب حقبة 13 نيسان 1975، التي من المفترض أنها حقبة أليمة ولت الى غير رجعة على قاعدة “تنذكر وما تنعاد” وفقا للشعار الشهير الذي يتردد على آذاننا كل عام بمناسبة 13 نيسان، لكن الوقائع تأتي مخالفة لكل الشعارات والخطابات “الوطنجية” التي تحاول هذه الفئة او تلك المجموعة إعتمادها، ما يكشف مدى الإنفصام الحاصل على أرض الواقع، كيف لا وهناك من لا ينظر الى ما يشهده جنوب لبنان من عدوان بإعتباره حرب على جزء من الوطن، بل هناك من لا يعتبر ان من يقدمون الدماء على جبهة الجنوب هم مواطنون لبنانيون يبذلون دمائهم وأرواحهم من أجل لبنان، بل ويسعون الى تبرير موقفهم المشبوه بالحديث عن أجندات ومشاريع خارجية.
إذاً وفي ظل هذه التراجيديا اللبنانية والإنقسام الحاصل تكثر الأسئلة وعلامات الإستفهام حول أي لبنان نريد؟ فجريمة قتل تُستغل للتحريض المذهبي والعنصري، بينما مقتل المواطن اللبناني محمد سرور على ايدي عناصر من الموساد يتم إغفالها لأنها لا تحقق المآرب التحريضية المطلوبة، وعندما تتجند مرجعية دينية لتبنّي خطاب فئة سياسية تدعي “حب الحياة” وعند أول إستحقاق تعود الى زمن القتل والتهجير ويمارس عناصرها الإعتداءات على النازحين الذين كانوا هم أول من طالبوا بإدخالهم الى لبنان، وعندما يصبح بعض مدّعي الإعلام أبواقا للنفخ ببوق الفتنة ندرك أي مشروع يحاك ويتم العمل على تنفيذه من قبل جهات لا تجد دوراً لها الا في زمن الفتنة والفوضى والحروب والقتل على الهوية وإقامة الكانتونات، والتي ظن البعض أنها ولّت الى غير رجعة مع طي صفحة الحرب الأليمة التي إندلعت شرارتها في 13 نيسان لكن اليوم في ذكراها الخبيثة نجد وللأسف أن البعض لم يتعظ، وربما بات أقصى طموحهم أن يعود هذا السيناريو الدموي لا سمح الله، لكن ورغم أوهام البعض تبقى هناك ضمانة تحول دون وقوع المحظور، فمن يحمي لبنان من العدو على جبهة الجنوب سيكون الى جانب الجيش اللبناني وباقي الشرفاء في لبنان من أجل وأد هذه الفتنة التي عادت لتطل برأسها بالأمس؟