إستهداف المدنيين والمنازل في الجنوب… إليكم ما حصل في علما الشعب

من منا لا يتذكر حادثة استشهاد الصحافي عصام عبدالله في اكتوبر الفائت على الحدود اللبنانية.

ففي الثالث عشر من أكتوبر كانت مجموعة من الصحافيين تغطي الاحداث الميدانية من على احدى تلال بلدة علما الشعب المسيحية، النائية عن الصراع الدائر ومن امام احد الابنية المؤلفة من ثلاث طبقات وعلى بعد مسافة حوالي كيلومتر واحد من الحدود ومن الخط الازرق.

آنذاك كانت عدسة مصور وكالة رويترز عصام عبدالله كافية لترعب الكيان الاسرائيلي، فكان الرد سريعاً إذ قصفت اسرائيل عصام وزملاءه بقذيفتين بحسب التحقيق الأولي الذي أجرته الوكالة. مما ادى الى استشهاد عصام وجرح ستة من زملائه من وكالة رويترز ووكالة فرانس برس وقناة الجزيرة.

في السابع من ديسمبر اصدرت “رويترز” تقريراً مبدئيا أفاد بأن نيرانا اسرائيلية قتلت المصور الصحافي عصام، وجرحت ستة من زملائه.

“رويترز” كانت قد طلبت أيضاً من المنظمة الهولندية للبحث العلمي التطبيقي (TNO) إجراء تحقيق مفصل حول الموضوع.

التقرير النهائي لـ TNO والذي تم نشره على موقع وكالة “رويترز” في السابع من مارس 2024 والمؤلف من سبعين صفحة خلص إلى أن دبابة ميركافا اسرائيلية من خلف الخط الازرق وعلى بعد 1.34 كيلومترا أطلقت قذيفتين من عيار 120 ملم على الصحفيين بفارق 37 ثانية من الوقت.

التقرير النهائي تضمن صورا عديدة لموقع الحادث من امام احد المنازل والمؤلف من ثلاث طبقات على التلة الواقعة في علما الشعب في مكان نائ كلياً حيث يتواجد فقط منزلين. على بعد بضعة امتار كان الصحافيون قد انتشروا على الطريق الممتد بينهما كما يظهر تقرير اعدته منظمة صحافيين بلا حدود RSF

‏https://www.reuters.com/world/middle-east/israeli-tank-likely-scenario-fired-machine-gun-reporters-after-deadly-shelling-2024-03-07/

‏https://www.tno.nl/en/newsroom/2024/03/investigation-el-chaab-incident/?reload=true

‏https://youtu.be/hmcPUzR9KE8?si=uU6vxcHD4pGLUXHT

https://www.facebook.com/share/v/E9MPT7ajGCWQu63D/?mibextid=21zICX

اللافت في الأمر أنه بعد أسبوع من نشر تقرير الـ TNO وتحديداً في الرابع عشر من مارس نشرت كل من “رويترز” و”الجزيرة” مقتطفات من تحقيق آخر أعدته قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان “اليونيفيل” قالت فيه إن أفرادها لم يسجلوا أي تبادل لإطلاق النار عبر الحدود بين إسرائيل ولبنان لأكثر من 40 دقيقة قبل أن تفتح دبابة ميركافا التابعة للجيش الإسرائيلي النار مما أدى إلى مقتل وجرح الصحافيين.
وأضاف ملخص التحقيق أن إطلاق النار على المدنيين، في هذه الحالة (الصحفيين الذين يمكن التعرف عليهم بوضوح)، يعتبر انتهاكا لقرار مجلس الأمن 1701 (2006) والقانون الدولي.

تقرير “اليونيفيل” تضمن اتهاما واضح للجيش الاسرائيلي، وتوصيات بالغة الحدة أنه يجب على الجيش الإسرائيلي ألا يطلق النار على المدنيين، بمن فيهم الصحفيون، وأن يلتزم بمسؤولياته بموجب قرار مجلس الأمن 1701 (2006) والقانون الدولي، وبغض النظر عن الظروف، لضمان سلامة وأمن المدنيين في جميع الأوقات. وأنه يجب على الجيش الإسرائيلي إجراء تحقيق في الحادث ومراجعة كاملة لإجراءاته في ذلك الوقت لتجنب تكراره.

عند السؤال عن التقرير، حسب وكالة “رويترز” ، أكد متحدث باسم الأمم المتحدة أنه تم إرسال تقرير قوات اليونيفيل إلى الأمم المتحدة في نيويورك في 28 فبراير وتمت مشاركته مع الجيشين اللبناني والإسرائيلي، كما قال شخصان على دراية بالمسألة.

والأغرب بالموضوع ذكر التقرير أنه من أجل تحقيقها أرسلت اليونيفيل فريقا لزيارة الموقع في 14 أكتوبر، وتلقت أيضا مساهمات من القوات المسلحة اللبنانية ومن شاهد لم يذكر اسمه كان موجودا على التلة عندما وقعت الضربات.

ما ان نشرت “رويترز” و “الجزيرة” ووسائل إعلام أخرى مقتطفات من تقرير قوات الأمم المتحدة وإعلان المتحدث باسم الأمم المتحدة اللذين يدينان اسرائيل بشكل مباشر، حتى جاء الرد الاسرائيلي سريعاً ولكن ليس بالاقوال بل بالافعال حيث قصفت اسرائيل في 15 مارس اي بعد يوم واحد المكان نفسه الذي قتل فيه عصام عبدالله مستهدفةً المنزل الذي تجمع أمامه الصحافيون قبل وقوع الضربات والمؤلف من اربع طبقات وتدمره تدميراً كاملا. كما قصفت اسرائيل منزلاً آخر مؤلف من طبقتين على بعد مئات الأمتار في اليوم التالي. الجدير بالذكر ان المنزلين ملك لأفراد مدنيين يعملون لدى قوات الأمم المتحدة بصفة مدنية.

https://www.facebook.com/share/igFCZ9ZenZsv2jSa/?mibextid=WC7FNe

https://www.facebook.com/share/v/igZTVVam4FyAGsDc/?mibextid=WC7FNe

وكالة times of israel نشرت على حسابها على منصة X فيديو يوثق حادثة استهداف المنزل المؤلف من اربع طبقات. وعنونت ان “جيش الدفاع الاسرائيلي” كان قد استهدف مبنى يستعمل من مجموعة ارهابية في علما الشعب علماً انه لم يسجل اي قصف باتجاه اسرائيل من تلك المنطقة في الساعات التي سبقت الحادثة، وان لا حزب الله ولا أي جماعة اخرى نعت اي شهيد في ذلك اليوم، علماً أن المنزل يقع على مسافة كيلومتر واحد من أحد مواقع الأمم المتحدة في منطقة البطيشية.

https://x.com/manniefabian/status/1768623453760860247?s=20

وجاء في التقرير اليومي لشبكة The Jewish Institute for National Security of America أنه في 15 مارس 2024 أغارت طائرات الجيش الإسرائيلي على بنى تحتية تابعة لحزب الله عبارة عن مبنى في علما الشعب.

“علما الشعب” كسائر القرى المسيحية في جنوب لبنان تعاني من الاشتباكات على الحدود، ما ادى الى نزوح العديد من سكانها نحو بيروت ومناطق أخرى.

تقرير اليونيفيل لم يتم نشره، ولكن تضمنت المقتطفات التي نشرتها “رويترز” ان “اليونيفيل”، تسجل كجزء من مهمتها، انتهاكات وقف إطلاق النار وتضطلع بالتحقيق في أفظع الحالات.

الأسئلة التي يصعب الاجابة عليها هل سجلت قوات اليونيفيل والمتمركزة على بعد كيلومتر واحد من التلة في “علما الشعب” أي تحركات غريبة داخل أو في محيط المنزل؟ ولماذا تتحفظ الأمم المتحدة عن نشر التقرير؟ وما هي احتمالية أن يكون هذا الشاهد الذي لم يفصح عن اسمه من قاطني احد المنزلين على التلة والرد الإسرائيلي جاء كدرس لمن يفكر بامداد الأمم المتحدة بالمعلومات؟ وما هي احتمالية أن يكون الشاهد من عناصر حزب الله وكان برفقة الصحافيين واعتمدت الأمم المتحدة في تقريرها على شهادته؟. لا شك أن تواجد أي شاهد مدني على تلك التلة خلال الحادثة لا يمكن أن يكون مجرد صدفة. هل قصف منازل موظفين تابعين للأمم المتحدة رسالة غير مباشرة للأمم المتحدة وافرادها؟ أو هل هو رسالة لأهالي القرى المسيحية الصامدين في بلداتهم لعدم الإدلاء بأي معلومات، أو مجرد عقاب؟ هل فعلاً الأمم المتحدة تسجل الأحداث كما ذكرت “رويترز” وماذا تكون قد سجلت، مع التذكير أن أحد مواقعها في البطيشية يبعد ١ كلم فقط ويقع في نقطة كاشفة للمنطقة بالكامل، ولديها أجهزة مراقبة حديثة؟. وماذا عن دور الدولة اللبنانية في تسطير المحاضر في كل حادثة؟ وماذا عن دور الكنيسة في تحييد القرى المسيحية على الحدود من الصراع؟

بغض النظر عن الإجابات الممكنة على هذه الأسئلة، فالواضح الذي لا يحتاج الى نقاش هو ان تقرير الامم المتحدة، وتصريح المتحدث باسم الأمم المتحدة لم ولن يلقى الترحيب من الطرف الاسرائيلي. واسرائيل باتت لا تأبه لأي تقرير أو قانون دولي وترد كما تشاء، فإذا كانت الأمم المتحدة لا تعلم أن ذكر معلومات شهود عيان في نفس النقطة سيؤدي الى نوع من الرد كما حصل في مسألة قصف المنزلين التابعين لموظفي الأمم المتحدة فهذه مصيبة. واذا كانت تعلم أنها تعرّض أفراد وممتلكات للخطر في منطقة مسيحية لجأ معظم سكانها للهرب ما عدا قلة منهم فالمصيبة اكبر.