يُتوقع أن يوافق اليوم المجلس المركزي لمصرف لبنان على تعديلات للتعميم الأساسي الرقم 151 تضمّن تسديد 150 دولاراً لكل زبون يستوفي شروطاً محدّدة. فقد جاءت هذه التعديلات بعد زيارة قام بها حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي لمناقشة التطوّرات المتعلقة بهذا التعميم ربطاً بأمرين: فشل فكرة صدور سعر صرف موحّد ضمن قانون موازنة 2024، وموافقة عدد من المصارف الكبيرة على ضرورة تسديد هذا المبلغ لتحفيز فكرة تسديد الودائع.إذاً، حُسم النقاش الذي كان دائراً طوال الشهر الماضي بشأن التعميم 151. تقول مصادر مطّلعة، إن المحفّز الأكبر لهذا التعميم هو عدد من المصارف الكبرى التي كانت تلتقي دورياً برئيس الحكومة نجيب ميقاتي وتعرض عليه أفكاراً ومشاريع تهدف إلى تمكين الحكومة من ادّعاء «توحيد سعر الصرف». وهذا الأمر ينخرط في صلب المشروع الوحيد لدى حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري والقائم على فكرة توحيد سعر الصرف والحفاظ على ثباته. كانت الفكرة المبدئية التي توصّل إليها هؤلاء، والتي نوقشت في لجنة المال والموازنة، أن يصدر ضمن قانون موازنة 2024، ما يشير إلى توحيد سعر الصرف. والتوحيد لا يمكن أن يتم إلا برفع سعر الصرف إلى مستويات هي الأقرب إلى سعر السوق.
هذا المشروع اصطدم بعقبتين؛ الأولى أن لجنة المال والموازنة وسائر النواب اعترضوا على تحميل مسؤولية تحديد سعر الصرف لهم، واعتبروا أن هذا الأمر يقع على عاتق مصرف لبنان والحكومة. وفشلت كل محاولات منصوري في إقناع النائب إبراهيم كنعان بهذا الأمر، إذ كشف الأخير عن دراسة قانونية خلاصتها أن تحديد سعر الصرف لا يقع ضمن مسؤولية مجلس النواب، فضلاً عن أن موقعه ليس ضمن الموازنة بأيّ شكل من الأشكال.
أما العقبة الثانية، فهي تتعلق باعتراض واسع بين المصارف بسبب عدم قدرتها على تحمّل تسديد 150 دولاراً للزبائن الذين يستوفون الشروط. بعض التقديرات لدى المصرفيين تشير إلى أن المستفيدين المطابقين للشروط الذين يرغبون في الحصول على الـ150 دولاراً شهرياً، قد يتجاوز 200 ألف زبون من أصل نحو 800 ألف زبون مؤهّلين لهذه الاستفادة. وبالتالي فإن الكلفة الإجمالية ستكون 30 مليون دولار شهرياً ونحو 360 مليون دولار سنوياً. منصوري ونوابه، وخصوصاً سليم شاهين وبشير يقظان، وافقوا على أن يتقاسم مصرف لبنان الكلفة مع المصارف مناصفة. لكنّ المصارف المعترضة بدأت تثير الكثير من الشكوك حول الاستفادة، ولا سيما أن التعميم 151 كان يفرض سقفاً للسحوبات بقيمة 1600 دولار على سعر صرف 15000 ليرة أي ما مجموعه 24 مليون ليرة، وبالتالي فإن 150 دولاراً تساوي بسعر السوق نحو 13.4 مليون ليرة، ما يعني أنه ما زال متاحاً تسديد الباقي بالليرة، لكن على أي سعر صرف؟ وعندما لاحظ سائر المصرفيين باستثناء خمسة منهم، أن هناك إصراراً من كل من حولهم على إصدار هذه التعديلات انخرطوا في تفكيك المشروع من خلال التفاصيل. وفي الاجتماع الذي عُقد قبل نحو أسبوع بين منصوري ووفد جمعية المصارف، جرى نقاش موسّع في العديد من النقاط، بينها ورقة تقدّم بها رئيس الجمعية سليم صفير، وتمحورت الاقتراحات بين تسديد 100 دولار بدلاً من 150 دولاراً والباقي بالليرة وفق سعر صرف يراوح بين 15 ألف ليرة و20 ألف ليرة. بعض المصرفيين ناقش في استفادة تجّار الشيكات المصرفية من التعميم، وبعضهم الآخر ناقش في تداعيات التعميم على ميزانيات المصارف، وعلى الكتلة النقدية في حال السماح بتسديد ليرات إلى جانب الـ150 دولاراً أو الـ100 دولار.
قيمة حساب فيه 100 ألف دولار باتت تساوي اليوم في أقصى حدّ ممكن نحو 18 ألف دولار
وبصدور الموازنة من دون أي إشارة إلى سعر الصرف، بل تضمّنت تحميل مصرف لبنان مسؤولية تحديد سعر الصرف، وبعد عودة منصوري من السفر، التقى الأخير مع ميقاتي واتفقا على أن يكون التسديد حصراً بالدولار بقيمة 150 دولاراً لكل زبون يستوفي الشروط، وأن تُسجّل ميزانيات المصارف على سعر الصرف السوقي. الشروط لم تتضح بعد بكاملها، إنما أبرزها أن المستفيدين من التعميم 158 (سحب 400 دولار نقداً و300 دولار نقداً من الحساب) لن يستفيدوا من التعميم 151 بصيغته التي ستصدر. كما أن من شروط الاستفادة أن يتم التحقق من وجود تجارة للشيكات، وأن تُحصَر هذه الاستفادة بزبون مهما تعدّدت حساباته في كل المصارف.
عملياً، هذا التعميم لا يلغي وجود هيركات كما يُروّج، ولا يلغي حقيقة أن المصارف ومصرف لبنان يمارسان كابيتال كونترول على النقد الأجنبي «الفريش» بصورة مقنّعة وسلبية جداً. في الواقع، مهما كان شكل التعميم، فإنه يمثّل مواصلة للألعاب البهلوانية التي أطلقها حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة عندما كان يقود النظام المالي والمصرفي باسم كل قيادات النظام السياسي الراغبة في تغطية الأزمة بمظلّة وهمية لغاية فرض التكيّف على المجتمع. الحسابات المالية (القيمة الحالية) تدلّ بصورة واضحة على أن قيمة حساب فيه 100 ألف دولار باتت تساوي اليوم في أقصى حدّ ممكن نحو 18 ألف دولار، أي 18%. وهذا الرقم في الحسابات نفسها ينسحب على كل الحسابات التي تفوق ذلك، أي أنه لا يمكن تحصيل أكثر من هذا الرقم بالقيمة الفعلية إذا احتُسبت عوامل الزمن والتضخم.