اقتصادالرئيسية

تصفية هيئة الأسواق المالية لطمس جرائم سندات وأسهم تفضيلية

باسمة عطوي - نداء الوطن

يربط مطّلعون بين سعي الحكومة ومصرف لبنان إلى بدء تصفية هيئة الأسواق المالية، وبين ما يجري من مواجهة بين المصارف وعدد من حاملي الأسهم التفضيلية الذين قدّموا للهيئة (كونها الجهة القانونية الصالحة للبتّ بشكواهم) ملفاً يتظلّمون فيه من أداء المصارف الذي تسبّب في خسارتهم أموالهم، من دون إطلاعهم على المخاطر التي قد يتعرّضون لها نتيجة امتلاك هذه الأسهم.

يفسّر هذا الربط أمرين، الأول هو أن ترك موظفي الهيئة في مهبّ خسارة وظائفهم، وعددهم لا يزيد على 45 موظفاً، من دون الضغط على المصارف والمؤسسات المالية لدفع اشتراكاتها للهيئة لتأمين الأموال لاستمرار عملها، سوف يزيح من درب المصارف «وجعة رأس قانونية» هي بغنى عنها. خصوصاً أن الحكومة والبنك المركزي يتذرعان بعدم وجود التمويل اللازم، ولذلك لا مفرّ من تصفيتها.

الأمر الثاني هو أن الأزمة المالية والنقدية التي دخلت عامها الخامس، لم تخفّف من خبث المنظومة السياسية- المصرفية في اجتراح إجراءات تعفيها من ارتكاباتها بحق المودعين، أو تقلّل من نهمها لابتلاع ما تبقّى من أموالهم وبشتّى الطرق. والسؤال الذي يطرح هنا: كيف حاكت المنظومة السياسية- المصرفية هذه القطبة المخفية؟

نوعان من الأدوات المالية

يشرح المحامي كريم ضاهر لـ»نداء الوطن» أن هناك نوعين من الأدوات المالية التي تسعى المصارف الى هضم حقوق حامليها، الأول هو الأسهم التفضيلية التي هي أدوات مالية تستعملها المصارف، لجذب ودائع إضافية بهدف تحسين وتقوية مركزها المالي وتصنيفها لجهة الملاءة».

الأسهم التفضيلية… ما لها وعليها

وأوضح أن «الأسهم التفصيلية تصنف بأنها تتمتع بامتيازات أو حقوق أو أولويات معيّنة تحدّدها الجمعية العمومية غير العادية للمصرف وتطبّق بشأنها الأحكام الخاصة الملحوظة في القانون رقم 308 تاريخ 3/4/2001. تتمتع الأسهم التفضيلية بجميع الحقوق المنصوص عليها في المادة 105 من قانون التجارة البرية باستثناء حق المشاركة في النقاش والتصويت في الجمعيات العامة وتولّي عضوية مجلس الإدارة، غير أنه يقتضي على إدارة المصرف إطلاع أصحاب الأسهم التفضيلية على المعلومات والمستندات المعدّة لإطلاع سائر المساهمين. ويمكن لأصحاب الأسهم التفضيلية بالمقابل المشاركة في النقاش والتصويت بنسبة ما تمثله أسهمهم في رأسمال المصرف في الجمعيات العمومية المتعلقة بتغيير موضوع المصرف أو شكله أو بتحرير زيادة رأسماله عيناً أو بحله قبل الأجل أو بعمليات الضم أو الدمج التي يكون طرفاً فيها… ويستدرك «لكن حاملي هذه الأسهم يملكون أولوية على المساهم العادي لجهة تقاضي توزيع الأرباح السنوية قبله وفقاً للأرباح التي حقّقها المصرف، أي إنه إذا لم يتم توزيع أرباح للمساهمين العاديين يسمح لأصحاب هذه الأسهم تحقيق مدخول مالي. أما وفي حال حدّدت الجمعية العمومية غير العادية حداً أدنى لنسبة الأرباح التي يقتضي دفعها سنوياً للأسهم التفضيلية ولم يتمّ دفع كامل هذه النسبة من الأرباح المترتبة عن ثلاث سنوات مالية، أو في حال تخلّف المصرف عن تأمين إفادة الأسهم التفضيلية من سائر الامتيازات أو الحقوق أو الأولويات المقررة من قبل الجمعية العمومية غير العادية للمصرف المعني، يكتسب أصحاب هذه الأسهم عندها حقاً بالتصويت في الجمعيات العمومية مساوياً لحق سائر المساهمين ويبقى هذا الحق قائماً لغاية انقضاء السنة المالية التي يتم فيها دفع كامل أنصبة الأرباح عن هذه الأسهم والمترتبة عن تلك السنة وعن كافة السنوات السابقة.»

كريم ضاهر

سندات الإقراض

يضيف: «هناك أداة مالية من نوع آخر وهي سند إقراض المصرف (Subordinated Notes)، وبموجبه يتقاضى حامله فائدة أعلى من الفائدة التي يتم تحصيلها سواء في الأسهم أو الودائع. (الفائدة على الودائع بالدولار كانت بين 3 و 3.5 بالمئة، على الودائع في حين أن الفائدة على سندات الإقراض كانت تصل الى 6.5 بالمئة)».

يرى ضاهر أن «الخطأ الذي حصل هو أن المصارف كانت تريد جذب الودائع و/أو تحصين وزيادة رساميلها بأي وسيلة في سياق المنافسة التي كانت قائمة في ما بينها والمنحى لتحقيق الأرباح السريعة، واستعملت كل الوسائل المتاحة لإقناع الزبائن بهذه الأدوات المالية مع إغفال شرح المخاطر المترتبة على هذا النوع من الاستثمارات، بمعنى أنه من حق أصحاب الأسهم أن يعرفوا (خصوصاً إذا كانوا غير مهنيين)، أن هناك مخاطر بعدم استرجاعهم ودائعهم وخسارة حقوقهم في حال تمّ التوقف عن السداد»، جازماً أن «الدليل على ما يقوله هو أن قانون إعادة هيكلة المصارف الذي يتم العمل عليه حالياً من قبل الحكومة، يشير الى أنه في تراتبية المسؤوليات والخسائر وفي حال جرت تصفية المصرف أو تمّ وضع اليد عليه، قيمة الأسهم التفضيلية صفر أو ما شابه وأيضاً بالنسبة لسندات إقراض المصارف التي تدنت قيمتها إلى أدنى حد».

لولار واستحقاقات

يجزم ضاهر بأن «هذا الأمر تمّ في معظم المصارف المتخصصة والمؤسسات المالية التابعة لها بهدف إغراء المتمولين وإفهامهم، أن هذه السندات لها نفس حقوق الوديعة مع مردود أكثر. وحين وقعت الواقعة لم تعد للمصارف الإمكانية في دفع الفوائد لحامليها بالدولار الحقيقي ولكنها كانت تحوّلها كأرقام الى حساب اللولار، والأخطر أن عملية المواربة التي قامت بها بعض المصارف هي أن هناك سندات إقراض حان استحقاقها مثلاً في العام 2023، فحاولت إقناع حاملي هذه السندات بتأخير تحصيلها الى العام 2027 مع منحهم بعض الحوافز الشكلية»، مشدداً على أن «هذه عملية تضليلية مجحفة إلى أقصى الحدود لأن الهدف الحقيقي منها هو أن يعترف حاملو هذه السندات أن ما حصل من خسارة لهم ليس نتيجة خطأ المصرف بل بسبب الانهيار المالي والحصول على براءة ذمة منهم، وثانياً الحصول على اعتراف وموافقة من حاملي هذه السندات بأن أموالهم التي تم وضعها هي باللولار وليس بالدولار الفريش».

تغيير الإختصاص

ويعتبر أن «عملية التمادي والتعدي الأكبر على الحقوق هي تغيير الإختصاص النوعي والمكاني لحل النزاعات أي القانون والقضاء المختص لحل النزاعات من المحاكم الأجنبية الى المحاكم اللبنانية (لأنهم يعرفون أنهم يمكنهم المماطلة عبرها ومنع اتخاذ قرارات تنصف حاملي السندات)، وهذا ما رفضه معظمهم وتم تأجيل الجمعية مرات عدة، الى أن عمدت المصارف الى الضغط عليهم لشراء أكبر عدد ممكن منها (السندات) بهدف أن تكون أغلب أصوات الجمعية لصالح المصارف، ومن رفضها ولم يحضر الاجتماعات بات ملزماً بقرار الجمعية العمومية».

تبرئة الذمة؟

ويوضح أن «التظلم والادعاء لرافضي تلك العمليات المشبوهة والتعسفية التي نفّذتها تلك المصارف، هو أولاً تمهيد عند هيئة الأسواق المالية وهناك آلية محددة للقيام بذلك قبل اللجوء الى المحاكم اللبنانية، ولذلك قد يكون القرار بتصفيتها وإقفالها سبباً من الأسباب العديدة في تنفيذ إرادة المصارف اي تنفيذ المسعى ذاته، وهو تبرئة ذمتها من أي مسؤولية وطيّ الصفحة تحت شعار عفا الله عمّا مضى، والإفلات من العقاب سواء للطبقة السياسية أم المالية أم المصرفية لأنهم جميعاً متشابكون في المصالح والأهداف».

ويختم: «السؤال الذي يطرح هل الهدف من تصفية هيئة الأسواق المالية هو إخفاء معالم «الجريمة» والهروب من الملاحقة؟».

راضي بطرس

بطرس: عقود معقدة

من جهته يوضح المحامي راضي بطرس لـ»نداء الوطن» أن «الأسهم التفضيلية هي إحدى وسائل المصارف لجذب المزيد من الودائع، ويتم اتخاذ القرار بذلك وفقاً لنظامها الداخلي أو عبر إصدار قرار خاص. ويتّم إعطاء الأولوية لحامليها بتقاضي الأرباح أو باستعادة رأسمال أو الاثنين معاً. ويمكن أن تكون قابلة للتحوّل لأسهم في المصرف»، مشيراً الى أن «هذه الأسهم، وفقاً للقانون 126 /2019، لا تعطي الحق لحامليها بالمشاركة في مناقشات داخل المصرف أو التصويت داخل الجمعيات العمومية، ولا أن يتولى مركز صاحبها رئاسة مجلس إدارة المصرف، أو أن يكون عضواً فيه أو الحصول على موجودات المصرف في حال تمت تصفيته».

يضيف: «حين يتخذ القرار بإصدار الأسهم، تتألف جمعية حملة الأسهم التفضيلية بحسب المادة 121 /الفقرة 4 من القانون 126، ومهمتها مراقبة المصارف لحماية حاملي الأسهم التفضيلية. لكن من الناحية العملية وخلال إتمام الإجراءات، حصلت المصارف على توقيع حاملي هذه السندات على مجموعة معقدة من العقود والمحاضر، وتمّ تفويض موظفين من المصارف أو شركة تابعة لهم للسهر على حسن تطبيق هذه الاتفاقية»، مشدداً على أنه» تبيّن لاحقاً أن الهيئة والأشخاص المفروض أن يحموا مصالح حاملي السندات لم يقوموا بواجبهم المهني، ومنهم من اتخذ قرارات لمصلحة المصرف. وهذا يتعارض مع العديد من المبادئ المصرفية وأهمها ما صدر في العام 2015، المتعلق بأصول إجراء العمليات المصرفية للعملاء، وينص على وجوب شرح المصرف لعميله إيجابيات وسلبيات أي منتج يعرضه عليه، وهذا لم يحصل».

خرقوا القوانين

يجزم راضي بأن «هناك مصارف استثمرت أموال الأسهم التفضيلية خارج لبنان، وتقاضت مردودها بـ(الفريش) دولار في الوقت الذي أعادتها الى الحاملين باللولار، أي بقيمة هي 10 بالمئة من القيمة الأصلية للأموال التي استلمها المصرف، وهذا يخرق القوانين التي تنصّ على ان المصرف هو وكيل لاستثمار الأموال ويتقاضى عمولة للقيام بهذه المهمة، وعليه إرجاعها بالعملة نفسها التي استلمها، كما يخرق أصول إجراء العمليات المصرفية».

ويرى أن «لجوء حاملي السندات الى هيئة الأسواق المالية هو خيار، لكن يمكن الادعاء على المصارف بتهمة إساءة الأمانة وخرق موجبات فرضها عليهم مصرف لبنان أمام القضاء المدني أو الجزائي، لكي يتمكنوا من ملاحقة الدعوى والمصارف».

ويختم: «المصارف كما شركات التأمين وفي حال أقام 10 الى 20 بالمئة من عملائها دعاوى قضائية عليها لن تؤدي الى إفلاسها كما يتم الترويج، ولكن، هناك مودعون وحاملو سندات يتخوّفون من المماطلة في القضاء أو الحصول على أموالهم بشيكات مصرفية تضعها المصارف عند كتّاب العدل».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى