حين تعيش يوماً كيوم أمس الأحد وتقرر الكتابة عنه تجد نفسك أمام مهمة صعبة. أمس كان يوما فلسطينا في العاصمة القطرية الدوحة ضمن فاعليات كاس آسيا. بالنسبة للعالم وكل من تعنيه قضية فلسطين كان الاحد هو اليوم المئة من العدوان الإسرائيلي على غزة. اليوم المئة على إنطلاق آلة القتل الصهيونية، لكن أمس كان اليوم الأول لمنتخب فلسطين المشارك في أكبر حدث آسيوي كروي.ضمن جدول المباريات هي مباراة بين منتخبي إيران وفلطسين، في المجموعة الثالثة على إستاد المدينة التعليمية. لكنها لم تكن كذلك. لم تكن مجرد مباراة افتتاحية لمنتخبين في بطولة قارية. هي كانت رسالة، كانت مهمّة عالمية، كانت صرخة في وجه العدوان الغاشم… وكانت تثبيت هوية.
لا يمكن وصف الشعور الذي انتاب كل من حضر إلى ملعب المدينة التعليمية خلال عزف النشيد الوطني. قد تسمع عن ما حدث أو تقرأ عنه أو حتى تتابعه من على شاشة التلفزيون، لكنك لن تعرف حقيقة الشعور إلا إذا تواجدت هناك. واحد من بين حوالى سبعة وعشرين ألف مشجع (26971 مشجع بحسب ما أعلن القيمون على المباراة من قبل الاتحاد الآسيوي وتم إذاعة الرقم في أرجاء الملعب).
ايضاَ قد تسمع أو تقرأ وحتى تشاهد ردة فعل الجمهور الفلسطيني حين سجّل تامر صيام هدف فلسطين الوحيد في المباراة (انتهت 4-1 لصالح إيران)، لكن لا يمكنك معرفة المشاعر التي عمّت الملعب في الدقيقة 51 من الشوط الأول.
في المشهد الأول تخونك الكلمات لوصفه بدقة. 27 ألف شخص وقفوا وصفقوا لدى عزف النشيد الوطني الفلسطيني. كل مشجع فلسطيني في الملعب يردد كلمات “الفدائي”. كل الجنسيات التي حضرت في الملعب وقفت احتراماً وتقديراً لنشيد شعب مقاوم متمسك بالحياة وبهويته ووبقائه في أرضه. قد تفهم أن يتصرّف الفلسطيني بطريقة مؤثرة، وحتى الإيراني الشريك الأساسي في الدفاع عن القضية الفلسطينية، أو العرب من كل الجنسيات وخصوصاَ الجمهور القطري الكبير الذي حضر في الملعب. لكن تحاول أن تفهم كيف أن الهندي والباكستاني والفيليبيني وغيرهم من الجمهور غير العربي الذي حضر في الملعب وقف وصفّق ولوّح بعلم فلسطين أو بالكوفية التي يرتديها. يأتيك الجواب بعد حين من “أمير”، والد طفلة وقفت في الممر الذي يؤدي إلى محطة المترو وهي تلوّح بالعلم الفلسطيني. هو يرتدي الكوفية وإبنته تحمل العلم. تسأله من أي بلد هو فيجيب: الهند. وحين تسأله عن سبب إرتدائه الكوفية وابنته تحمل علم فلسطين يجيبك: نحن ندعم الفلسطينيين.
الحضور الفلسطيني لم يقتصر على ملعب المباراة فقط. من ساعات الصباح الأول وحتى منتصف الليل كان العلم الفلسطيني حاضراً في شوارع الدوحة وأسواقها. جمهور فلسطيني وغير فلسطيني كان يستعد للمباراة بعلم وكوفية ورسالة يريد أن يوجهها للعام: فلسطين باقية لأصحابها.
خلال المباراة المشهد كان مؤثراً، وبعدها كان أيضاً مؤثراً. في الطريق إلى محطة المترو العلم والكوفية حاضران. في المترو تصادف مجموعة من الشباب والشابات يتحدثون بلهجة تحتار إذا ما كانت فلسطينية أم أردنية. تجيبك إحداهن، نحن أردنيون من أصل فلسطيني. صديقاها يرتديان قميصان يحملان شعار بلدية “غزّة هاشم” مع قلب أحمر.
على مسافة قريبة يجلس كهلٌ يتحدث على الهاتف وهو يرتدي الكوفية. تلفت نظرك قبعته الرياضية المكتوب عليها “أورشليم” باللغة الإنكليزية أي: القدس.
بين غزّة والقدس تشعر بعظمة القضية الفلسطينية بعيون أهلها ومحبيها. بعيون كل من حضر إلى الملعب ليس لمتابعة المباراة ولكن كي يضم صوته إلى صوت من وقف إلى جانبه: فلسطين القضية، فلسطين الهوية… فلسطين الطريق.