نخبة إسرائيل تبحث «الخطة باء»: لماذا لا نجرّب «الربيع العربي»؟
بيروت حمود - الأخبار
في مقابلة أجرتها إذاعة «103 إف أم» الإسرائيلية مع الباحث في جامعتَي «تل أبيب» ورايخمن، ميخائيل ميلشطاين، رأى الأخير أن ثمة اتجاهات ثلاثة «يمكن أن تفقد (رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، يحيى) السنوار، توازنه»، أولها الوصول إلى الخلية القيادية القريبة منه وإشعاره بأنها بدأت تضعف من طريق استهدافها. والأمر الثاني أن «يبدأ الشارع الغزّي بالخروج في تظاهرات ضده»، «لكننا لا نرى بصيصاً لذلك، وليس هناك أيّ تظاهرات ضخمة حتى الآن خرجت ضده»، بحسب ميلشطلين. أمّا الأمر الثالث، فأن «تضغط قطر على حماس، عبر قطع علاقاتها بها، والتهديد بطرد قادتها من الدوحة»، وهو ما يدعو إلى تسخير الأميركيين ليضغطوا على قطر من أجله. ورأى أن قتل المدنيين في غزة «لا يهزّ السنوار، الذي يعتبر موتهم جزءاً من اللعبة، كما أن تهديد وزير الخارجية الإسرائيلي باغتيال (القياديين في الحركة) هنية ومشعل، لا يؤثر في حماس، ما يعني أن هذه التهديدات لا تؤثر في مساحتهم الآمنة».أمّا جنرال الاحتياط، الذي شغل منصب رئيس مجلس الأمن القومي سابقاً، غيورا آيلاند، فدعا، في مقابلة مع الإذاعة نفسها، الحكومة إلى منع إدخال شاحنات المساعدات، والذي كان من بين ثلاثة أمور وافقت عليها إسرائيل في صفقة التبادل السابقة، إلى جانب إطلاق سراح أسرى فلسطينيين، وهدنة مؤقتة. وفي حين أن «حماس»، حسب ادّعائه «أخلّت بشروط الصفقة»، فإن على إسرائيل أن تتوقف كذلك عن السماح بإدخال شاحنات الإغاثة، وهو ما من شأنه أن يشكّل ضغطاً كبيراً على الحركة، معتبراً أن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الذي وصف نفسه بأنه أعظم من بن غوريون نفسه، وقادر على الوقوف بوجه الضغط الأميركي، «يضيّع فرصاً عديدة للضغط على حماس». وأضاف أن نتنياهو يخالف الإدارة الأميركية في مسألة اليوم التالي فقط، «فيما لا يتطرق إطلاقاً إلى حقيقة أن الغالبية العظمى من الفلسطينيين في غزة مؤيّدة لحكم حماس. وفي وقتٍ يملي فيه علينا الأميركيون طريقة القتال، باعتبار أن حماس وداعش وجهان لعملة واحدة، وعليه يجب أن نستنسخ طريقة قتالهم في الموصل في غزة، إلا أن هذا لا ينفع، لأنه ليس هناك مقارنة بين حماس وداعش أساساً»، في إشارة إلى أن «حماس» لديها قاعدة شعبية، وينبغي بالتالي الضغط على هذه القاعدة لتضغط بدورها على قيادة الحركة.
ورأى أن «حكومة حماس لا يهمّها أن الفلسطينيين يُقتلون، ولكن يهمّها أن هناك عشرات الآلاف أو مئات الآلاف من الأشخاص الجوعى والعطشى والذين هم بلا مأوى، والمستعدين لفعل أي شيء لكي يحصلوا على ما هم بحاجة إليه»، معتبراً أن «الضغط من الأسفل، أي من الشعب، هو الأمر الوحيد الذي من الممكن أن يفقد حماس وقيادتها التوازن ويؤدي إلى ضغط حقيقي عليها لتخضع في نهاية المطاف»، مذكّراً بما حصل في «الربيع العربي». وانتقد النقاش الدائر الآن في إسرائيل «حول احتمالات وقف الحرب أو تغيير شكلها»، عازياً إياه «إلى سوء إدارة سياسية للحرب منذ البداية؛ إذ إن إسرائيل هي الدول الوحيدة في العالم التي كانت في حرب مع دولة أخرى، وخلال الحرب زوّدت الدولة المعادية بالوقود والمساعدات، ومخطئ من يظن أن الوقود والمساعدات تصل أساساً إلى أيدي الناس فهي تصل إلى حماس».
وفي سياق ليس ببعيد، تطرّق المحلل السياسي لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برنياع، إلى احتمال تقليص جيش الاحتلال العمليات العسكرية بشكلها الحالي قريباً، وتحديداً في منتصف الشهر المقبل، معتبراً أن «الأهداف التي حددها المستوى السياسي الإسرائيلي للجيش غير قابلة للتحقق»، الأمر الذي سيخلّف «خيبة أملٍ وشعوراً بالإحباط». وبحسبه، فإنّ «من المتوقع عودة جزء كبير من جنود الاحتياط إلى منازلهم، بموازاة انشغال الجيش بإنشاء منطقة عازلة بين غزة والمستوطنات الإسرائيلية المحاذية، وسيكون عرض هذه المنطقة ممتداً على كيلومتر واحد تقريباً». ووصف تصريح نتنياهو ليل الأربعاء – الخميس، والذي قال فيه إن «من يعتقد بأننا سنوقف الحرب منفصل عن الواقع… مستمرون في الحرب حتى النهاية»، بأنه «حديث عن حروب المستقبل وهدفه حجب رمادية الحاضر».
وبالرغم من أن «نتنياهو وفقاً لمفاهيم تاريخية، قد يكون على حق، لأن الحرب بين إسرائيل و(حركات المقاومة) قد تستمر لسنوات وربما لأجيال»، لكن «بالنسبة إلى العائلات التي اختُطف أحباؤها إلى غزة، والزوجات اللواتي انضم أزواجهنّ إلى قوات الاحتياط في 7 أكتوبر ولم يعودوا بعد، وذوي المقاتلين الإسرائيليين في الميدان، وكل الإسرائيليين الذين قلبت هذه الحرب حياتهم رأساً على عقب، ينبغي التعامل مع تصريحات كهذه بحذر»، كما قال برنياع.
ووفقاً للمحلل، فإن مدينة خانيونس التي تعدّها إسرائيل «معقل حماس»، قد تكون «المحطة الأخيرة التي ستستخدم فيها قوّة نارية مفرطة قبل الانتقال إلى المرحلة المقبلة». ورأى أن التصريحات الأخيرة بشأن توسيع العملية البرية تعني أمرين: الأول، الحاجة إلى «تطهير» شمال غزة كلياً، والثاني، أن «الجيش بدأ يشتمّ رائحة نهاية الحرب، ولذلك يحاول تحقيق إنجازٍ قبل إعلان وقف إطلاق النار»، واصفاً ما يجري أخيراً في غزة بأنه «ترتيبات أخيرة» تهدف إلى «التخفيف» عن الجيش عندما تحين المرحلة المقبلة للحرب، والتي من المفترض فيها أن يتبدّل شكل القتال.
وفي السياق، لفت إلى أن «مئات الآلاف من الفلسطينيين في غزة سيضطرّون إلى التعامل مع واقع لا يقبله العقل؛ بحيث لن يُسمح لجزء منهم بالعودة، لأن بيوتهم (التي فرّوا منها تحت هول القصف والمجازر) ستصبح ضمن المنطقة العازلة (التي ستنشئها إسرائيل)، في حين أن جزءاً من سكان القطاع فقد أصلاً كل شيء في الأحياء التي سُكنت قبل الحرب». وتابع أن التصريحات الدائمة بشأن اغتيال قادة «حماس» والقضاء على الأخيرة هي «أمنيات ربطاً بالضربة التي تلقّتها إسرائيل في 7 أكتوبر»، مستدركاً بأن «التمنّي ليس خطةً للحرب، ولا خطةً استراتيجية. التوقعات المبالغ فيها تولّد خيبة أمل، ليس في صفوف المقاتلين الإسرائيليين فحسب، بل أيضاً في أوساط الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تمنّت حرباً متعددة الجبهات، تكون نتيجتها تهجير الفلسطينيين، وإعادة الاستيطان في غزة».