خلافاً للأجواء الساخنة في المنطقة، مع تزايدِ وتيرة التوتّر الإسرائيلي الإيراني، لفَحت رياح باردة الأجواءَ اللبنانية، تمثّلت ببروز «مؤشرات» حول إمكان التوصّل إلى اتّفاق لبناني ـ إسرائيلي في شأن الحدود المختلف عليها بحراً بما يعني بلوكات النفط البحرية، وبرّاً بما يتصل بمزارع شبعا وتلال كفرشوبا. وأمّا في الشقّ السياسي، فيبدو أنّ قطار تأليف الحكومة يسير ببطء شديد، من دون بروز أيّ مؤشرات حول ولادةٍ وشيكة، في وقتٍ حافَظ مرسوم التجنيس وما اعتراه من التباسات وتساؤلات، على نفسِه كمادةٍ إرباكية، ونقطةِ سجالٍ مترافقة مع علامات استفهام كبيرة حول مصير هذا المرسوم وكيفية تدارُكِ السقطات التي تَسبَّب بها سياسياً وعلى المستوى القانوني.
ليست المرّة الأولى التي تطرح فيها إسرائيل فكرةَ التفاهم مع لبنان، حول الحدود، وخصوصاً البحرية وما تحويه من ثروات، ولكن من دون أن تكشف عن كيفية ترجمةِ هذا التفاهم، ومن دون أن تبديَ ما يعتبرها لبنان إيجابيات تخدم مصلحة لبنان في هذا الملف العالق منذ سنوات. علماً أنّ لبنان تجاوَب سابقاً مع طرحِ التفاهم على الحدود، ولكنْ في إطار الشرعية الدولية وتحت راية الأمم المتحدة، وليس في إطار المفاوضات الثنائية المباشرة بين لبنان وإسرائيل.
ومعلوم في هذا السياق، أنّ وزير الخارجية الأميركي السابق ريكس تيلرسون قد طرَح هذا الموضوع، أثناء زيارته لبنانَ منتصف شباط الفائت، بعدما كان قد حضَّر له مساعدُه السفير دايفيد ساترفيلد الذي بقي في لبنان لمتابعة هذه الأفكار. ويبدو حالياً أنّ الصيغة التي يُعمل عليها تتضمّن إنشاءَ فريق عملٍ أممي-أميركي مع خبراء إسرائيليين ولبنانيين في سياق اللجنة العسكرية المشتركة اللبنانية ـ الإسرائيلية ـ الأممية القائمة حالياً والتي تجتمع دورياً في الناقورة.
وجديد هذا الملف، ما أعلنَه أمس، وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز عن أنّ «أفكاراً جديدة طرِحت عبر قناة سرّية أميركية للوساطة في نزاع بحري بين إسرائيل ولبنان عقَّد أعمال التنقيب عن النفط والغاز. وقال لوكالة «رويترز»: «هناك بعض الأفكار الجديدة على الطاولة. إنّها أكثر ممّا يمكنني مناقشته».
وتابع: «هناك مجالٌ للتفاؤل الحذِر لكنْ ليس أكثر من ذلك. أتمنّى أن نتمكّن خلال الشهور المقبلة أو بحلول نهاية العام من التوصّل إلى حلّ أو على الأقلّ حلّ جزئي للنزاع… لم تتمّ تسوية شيءٍ بعد».
كلام المسؤول الإسرائيلي هذا، تقاطعَ مع معلومات رسمية موثوقة تؤكّد تلقّي لبنان وقبلَ فترةٍ غيرِ بعيدة وعبر الأميركيين عرضاً إسرائيلياً لحلّ النزاع الحدودي البرّي والبحري بين لبنان وإسرائيل.
وفيما تكتّمت المصادر الرسمية حول تفاصيل هذا العرض، قالت لـ«الجمهورية» إنّ العرض الإسرائيلي بحلٍّ متكامل في البرّ والبحر جاء بعد محادثات أميركية-إسرائيلية جرت أخيراً في تل أبيب بين مسؤولين أميركيين مهتمين بملف النفط البحري بين لبنان وإسرائيل، وبين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. وكشَفت أنّ الاجتماع الثلاثي في القصر الجمهوري في بعبدا بين الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري، انحصَر ببحثِ هذا المستجد، علماً أنّ عون وبري كانا على اطّلاع على تفاصيل هذا التطوّر، لأنّ الحريري كان غائباً عن لبنان في الأيام الأخيرة. وقد أعطيَ الحريري علماً به أمس الأوّل.
وتقرّر في هذا الاجتماع تأكيد موقف لبنان الموحّد من هذه المسألة وحقوقه في أرضه وكيانه وثرواته من دون أيّ مساس فيها أو انتقاص منها.
وعلمت «الجمهورية» أنّ الجانب اللبناني وضَع بعض الملاحظات حول العرض الإسرائيلي مع طلبِ بعضِ التوضيحات وقدَّمها إلى الوسيط الأميركي. وينتظر توضيحات، فإذا كانت إيجابية سيتعاطى معها بإيجابية على أن تُعقد الاجتماعات في الناقورة بين ممثّلين عسكريين لبنانيين وإسرائيليين وفي حضور «اليونيفيل» وتحت علم الأمم المتحدة.