لبنان خارج الإشتباك.. لكن داخل الحسابات

كتبت صحيفة الديار تقول: في توقيت إقليمي بالغ الدقة، يتقدّم لبنان إلى واجهة المشهد من جديد، بوصفه الساحة الأكثر هشاشة أمام تلاقي الضغوط الخارجية مع الانقسامات الداخلية، في معادلة لا تحتمل أي خطأ في الحسابات. فعملية «عين الصقر» الأميركية ضد تنظيم «داعش» في سوريا، والتي تحمل في طياتها مخاطر إعادة خلط الأوراق الأمنية على امتداد الحدود الشرقية، لا يمكن فصلها عن التصعيد الإسرائيلي المتدرّج في رسائله وتهديداته، ولا عن الزلزال السياسي الذي أحدثه كسر المعارضة وانعقاد مجلس النواب، في ظل انقسام حاد حول الشرعية والتوازنات. هكذا، يجد لبنان نفسه محاصراً بثلاثة مسارات متزامنة: أمنية وعسكرية وسياسية، تتقاطع عند نقطة واحدة هي استقراره الداخلي المهدّد.
فالضربات الأميركية، وإن كانت دقيقة ومحدودة الهدف، تفتح الباب أمام سيناريوهات إعادة انتشار فلول التنظيمات المتطرفة، بما يحوّل الحدود اللبنانية – السورية إلى خط تماس استخباراتي حساس، في وقت تعاني فيه البلاد من إنهاك اقتصادي واجتماعي يضعف مناعتها الداخلية.
اما في الجنوب فارتفاع لمنسوب التهديدات الاسرائيلية، حيث تستفيد «تل ابيب» من المشهد الإقليمي المشتعل ومن الانقسام اللبناني، لتوسيع هامش الضغط السياسي والأمني، وفرض معادلات ردع جديدة تتجاوز حدود الاشتباك التقليدي.
داخليا، لم يقرأ «كسر» المعارضة وانعقاد جلسة المجلس النيابي وسط اعتراضات واسعة، كحدث إجرائي عابر، بل كتحوّل سياسي يحمل في طياته مخاطر تعميق الشرخ الوطني، في لحظة يفترض فيها تحصين الجبهة الداخلية لا تفجيرها. فغياب التوافق السياسي، وتآكل الثقة بين المكوّنات، يضعف قدرة الدولة على إدارة المخاطر الخارجية، ويحوّل الخلاف السياسي إلى ثغرة أمنية محتملة.
من هنا، لا يبدو المشهد اللبناني مجموعة أحداث منفصلة، بل سلسلة مترابطة من الضغوط المتزامنة، حيث يتغذّى الخارج من ضعف الداخل، ويستثمر الداخل انشغال الخارج. فبين «عين الصقر» الأميركية، والتهديدات الإسرائيلية، والأزمة السياسية المتفاقمة، يقف لبنان أمام اختباراساسي: إما إعادة إنتاج حدّ أدنى من التوازن الوطني، أو الانزلاق التدريجي نحو مرحلة يصبح فيها البلد ساحة مفتوحة لكل الرسائل.
«عين الصقر»
في هذا الاطار، تأتي عملية «عين الصقر» وسط سوريا، في توقيت بالغ الحساسية إقليمياً ولبنانياً، مع ازدياد المخاوف من انتقال تداعيات أي تطور ميداني الى خارج الحدوده الجغرافية. فالضربات الأميركية، وإن كانت دقيقة ومحدودة الأهداف، اعادت إلى الواجهة سؤالاً قديماً – جديداً: إلى أي حدّ يبقى لبنان بمنأى عن ارتدادات المواجهة مع التنظيمات المتطرفة ؟
مصادر امنية متابعة اكدت ان العلية الجارية في سوريا لا تنفصل عن سياق أوسع، عنوانه عودة ملف مكافحة الإرهاب الى الواجهة، بعد سنوات من الانكفاء النسبي، وانشغال واشنطن بملفات دولية ضاغطة، لاسباب مختلفة ابرزها حماية نظام الرئيس الشرع، خصوصا انه لا زال ينظر الى «داعش»، رغم انحساره الجغرافي، كخطر عابر للحدود، قادر على إعادة التموضع واستثمار الفراغات الأمنية والسياسية.
من هنا المخاوف اللبنانية، بوصف بيروت الحلقة الحساسة في المعادلة، ليس لأنها مستهدفة مباشرة، بل لأنها تقع على تماس جغرافي وأمني مع الساحة السورية، وتعاني في الداخل من هشاشة اقتصادية واجتماعية، قد تشكل أرضية قابلة للاستغلال من قبل الجماعات المتطرفة.
واشارت المصادر الى ان القوى الامنية والعسكرية اتخذت كل الاجراءات اللازمة لضمان سلامة الحدود، مطمئنة الى ان كل التقييمات الامنية والتقديرات، تؤكد على ان احتمال تسلل عناصر “داعشية” الى لبنان احتمال ضئيل، في ظل العمليات الاستباقية التي جرت طوال السنوات الماضية، وادت الى ضرب البيئات التي يمكن ان تكون حاضنة لتلك العناصر.
الدولة جاهزة
ووسط ترقب لما ستفضي اليه جلسة الغد الحكومية على الصعيد المالي، قالت مصادر سياسية ان اتفاقا تم بين «الترويكا» على توظيف فترة «السماح» الممنوحة اميركياً، للبحث في كيفية تأمين الاخراج للخروج من المرحلة الاولى والانتقال الى المرحلة الثانية، من خطة الجيش للأ «حصر السلاح»، اثباتا لجدية الدولة في تنفيذ القرارات والتعهدات الممنوحة للمجتمع الدولي.
وبحسب ما تقول المصادر فان فرنسا، التي غالبا ما تكون مواقفها مرنة ولينة تجاه لبنان، شددت في اجتماع باريس، شأنها شأن المملكة، على ضرورة الاسراع في مسار نزع السلاح، ذلك ان لا طريق آخر في نظرهما لابعاد شبح الحرب. كما ان الاتحاد الأوروبي تمسك في بيانه بضرورة نزع سلاح الحزب وتنفيذ القرار 1701، مضيفة «حتى مؤتمر دعم الجيش الذي اتُفق في اجتماع باريس على عقده في شباط، مرتبط بسرعة تنفيذ اليرزة لخطتها، التي يفترض ان تنتقل بزخم من جنوب الليطاني الى شماله، واي تباطؤ قد يعرّضه لارجاء جديد او الغاء».
تحت هذه العناوين، استقبل رئيس مجلس الوزراء نواف سلام في منزله في قريطم، رئيس الوفد المفاوض في لجنة «الميكانيزم» السفير سيمون كرم، الذي يتوقع ان يزور عين التينة قريبا، لاطلاعه على تفاصيل ونتائج اجتماع الناقورة الأخير، ليؤكد سلام بعد الاجتماع «أن المرحلة الأولى من خطة حصر السلاح المتعلقة بجنوب نهر الليطاني باتت على بُعد أيام من الانتهاء، وان الدولة جاهزة للانتقال إلى المرحلة الثانية، اي إلى شمال نهر الليطاني، استنادا إلى الخطة التي أعدّها الجيش اللبناني بناءً على تكليف من الحكومة».
وكان استقبل رئيس مجلس الوزراء صباحاً في السراي، رئيس الوزراء الأيرلندي الذي وصل الى بيروت لتفقد وحدة بلاده العاملة، ضمن إطار قوات اليونيفيل في الجنوب. وجرى خلال اللقاء عرض الأوضاع في لبنان ولاسيما في الجنوب، اضافة إلى العلاقات الثنائية بين البلدين.
«اسرائيل والميكانيزم»
في غضون ذلك، بدأت تتكشف الاجواء «غير الايجابية» التي رافقت الاجتماع الاخير للجنة «الميكانيزم» في الناقورة، حيث تكشف المعطيات ان التقدم الذي سجل في البيانات، لم يكن انعكاسا للواقع الفعلي للمناقشات، خصوصا ان ممثل لبنان اعاد طرح نفس الافكار والخطوات المطلوبة، والتي ترفضها «اسرائيل» بالكامل، في ظل حديث عن اعادة ضمن «شروط» صعبة ان لم تكن مستحيلة.
اعلام «اسرائيلي»
وفيما ذكرت تقارير عبرية أن «إسرائيل» جمّدت قراراتها في شأن صورة الأوضاع والمستجدات المتعلقة بغزة ولبنان وسوريا، إلى حين لقاء رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب، المقرر في فلوريدا نهاية الشهر الحالي، حيث كشفت <يديعوت أحرنوت» إلى أنّه «ينتهي في نهاية الشهر الموعد النهائي الذي حدده الأميركيون للبنان لنزع سلاح حزب الله، وإذا فشل الجيش اللبناني في تنفيذ مهمته، فإن احتمال تجدد الحرب سيزداد».
اجواء تزامنت مع ارتفاع وتيرة المناورات العسكرية المفاجئة على طول الحدود برا وبحرا وجوا، وسط حشودات، بررتها «تل ابيب» بالضرورية للمناورات.




