مفتي صور العلامة حسن عبد الله في زيارة عكارية بدعوة من علي محمود العبد الله

قال مفتي صور وجبل عامل العلامة القاضي الشيخ حسن عبد الله: “نحن اليوم في لبنان أحوج ما نكون إلى التعايش والحوار”. وأضاف: “من هنا، من هذه القرية المباركة تكريت، ومن هذه الدار المباركة دار آل العبد الله والأخ الأستاذ علي العبد الله نؤكد أننا نريد العيش الواحد في لبنان، ولن نتخلى عن عيشنا الواحد مهما عصفت من رياح”. كلام المفتي عبد الله جاء البارحة على هامش سلسلة زيارات روحية واسعة شملت مرجعيات دينية عكارية وطرابلسية بدعوة من رئيس مجموعة أماكو علي محمود العبد الله، الذي أقام بنهاية الجولة مأدبة غداء على شرف المفتي الشيخ عبد الله في دارته في بلدة تكريت. وتضمنت زيارات المفتي برفقة علي محمود العبد الله عددا كبيرا من المرجعيات شملت رئيس المجلس الإسلامي العلوي سماحة الشيخ علي قدور في طرابلس، مفتي عكار سماحة الشيخ زيد محمد بكار زكريا، سيادة المطران باسيليوس منصور راعي أبرشية عكار وتوابعها للروم الأرثوذكس.
وقال المفتي عبد الله خلال مأدبة الغداء: “التعدد والتنوع في الطوائف والمذاهب هما من النعم التي يعيشها لبنان”، وأضاف: “قال الإمام المغيّب السيد موسى الصدر “الطوائف نعمة والطائفية نقمة”، فالتعددية هي ثقافة وحواضر ثقافية في مجتمع واحد، وهي تشكل غنى ثقافي وفكري واجتماعي. كنت اليوم قد تحدثت عن التعددية الدينية في المجتمع الواحد. وأعود في الذاكرة إلى المدينة المنورة وإلى وثيقة النبي محمد صل الله عليه وآله، التي نظمت العلاقة بين المسلمين وغيرهم في المدينة، ومن هناك ابتدأت فكرة التعايش والحوار بين الأديان. ونحن اليوم في لبنان أحوج ما نكون إلى هاتين النقطتين، نقطة التعايش ونقطة الحوار. التعايش على المستوى الديني يتجلّى من خلال المؤسسات الدينية في لبنان مع تنوعها وتعددها حيث نجد أن الاتجاه واحد وهو بناء لبنان المتعدد والحفاظ عليه. وعلى مستوى الحوار نجد أن نقاط الاختلاف تحتاج الى حوار بنّاء لا حوار الطرشان، الحوار البناء يُبنى عليه في النقاط التي تشكل التقاء، أما النقاط الخلافية فنسحبها من التداول كي لا نؤدي الى نزاع، هناك نقاط غير قابلة للتبدل والتبديل على المستوى السياسي يمكن لنا أن نسحبها من التداول كي لا تؤدي الى خلافات داخلية. ونحن أحوج ما نكون إلى تقليص الخلافات الداخلية مع المستجدات التي نعيشها اليوم. ومن هنا نقول إن الطوائف هي النعمة أما الطائفية فهي النقمة والتعصب والتطرف، الطائفية هي التطرف الذي يأخذ الإنسان الى الهاوية وهي التي تبتلع كل شيء، حتى صاحبها. نحن لا نريد لهذا البلد أن يؤكل من الداخل، نحن نريد وطنا يليق بأبنائه ويكون وطنا نهائيا للجميع. ليس الغريب أن نزور بعضنا البعض وأن يلتقي بعضنا بعضا، الغريب ألا نجتمع مع بعضنا البعض، الأساس هو أن نكون مجتمعين جميعا في بناء وطن يحتاجنا جميعا، لا يمكن أن نُقصي فئة أو نُبعد فئة أو نستثني فئة، أو أن يكون لفئة معينة امتيازات معينة، نحن نريد وطنا يتساوى فيه المواطنون في الحقوق والواجبات”. وأضاف: “من هنا، من هذه القرية المباركة تكريت، ومن هذه الدار المباركة دار آل العبد الله والأخ الأستاذ علي العبد الله نؤكد أننا نريد العيش الواحد في لبنان، ولن نتخلى عن عيشنا الواحد مهما عصفت من رياح، ومن هنا نؤكد أن لبنان سيبقى وطننا النهائي، لن نبحث عن وطن بديل مهما صعبت الحياة في هذا الوطن، سنحفظ هذا الوطن وسنحافظ عليه، سندافع عنه مهما غلت التضحيات لأن هذا الوطن يستحق التضحية، إنه وطن الآباء والأجداد، وسيكون وطن الأبناء والأحفاد”.
وشارك في مأدبة الغداء التي توجت زيارات المفتي عبد الله في عكار، سماحة مفتي عكار الشيخ زيد محمد بكار زكريا، سيادة المطران باسيليوس منصور، سيادة المونسنيور ايلي جرجس إضافة إلى عدد من رؤساء اتحادات البلديات والبلديات، والمرجعيات الدينية والسياسية والعسكرية والاجتماعية والأكاديمية.
مفتي عكار: نحن دعاة حوار
وكانت كلمة خلال الغداء لمفتي عكار سماحة الشيخ زيد محمد بكار زكريا، قال فيها: “بداية نشكر صاحب الدعوة الأستاذ علي العبد الله، صاحب المبادرات واللقاءات والجمعات الطيبة على هذه الدعوة لهذا الضيف العزيز، وهذه ليست بغريبة عليه وقد بادر سابقا بدعوة مشكورة لزيارة مدينة صيدا، في زيارة أيضا نصفها بالتاريخية تجولنا فيها على المفتين وعلى السادة المطارنة هناك، وما لمسنا في صيدا إلا كل الوحدة والمحبة والعيش الواحد. وقد تحدث اليوم مع الضيف العزيز سماحة الشيخ عن تجربة اللقاء الروحي. دور اللقاء الروحي الذي يتكلم به جميعنا من مفت أو مطران أو شيخ عقل أو شيخ طائفة هو تجسيد رسالة الإيمان، رسالة المحبة التي أصبحنا بحاجة اليها حين تحول العالم الى المادة ونسي الروح ونسي العلاقة مع الله جلّ وعلا. لذلك نحن دعاة حوار ودعاة أخوة ومحبة، نتمنى ولا نزال نرجو أن تنتهي هذه الفتن التي نراها وأن نتغلب على العدو الصهيوني الذي لا يمكن أن نقمعه ونردعه وندحره إلا بوحدتنا بإذن الله تعالى. هذا العدو الذي نرى ماذا يفعل في غزة من حرب إبادة وتجويع وماذا يفعل في بقية البلدان من استباحة الأراضي في جنوب لبنان وكل لبنان، واستباحة الأجواء وما فعله أخيرا في قصف الدوحة. هذا العدو الذي يذكرنا الله تعالى به وبأسلوبه وطريقته، لقد وصفهم ربنا جل وعلا بأنهم يفسدون في الأرض ويقتلون الأنبياء، ينقضون العهود لا يعرفون ميثاقا ولا مواثيق، لا يعرفون إلا الغدر والخيانة، ولا نأسف أننا نرى ذلك منهم لأن هذا دأبهم، لكننا نأسف أن يبقى هناك من لا يزال يثق بوعودهم ومن لا يزال يعوّل على عقلانيتهم. التعويل هو على وحدتنا الإسلامية – الإسلامية والإسلامية – المسيحية والوحدة الوطنية التي تتحطم عندها كل هذه المؤامرات”.
المطران منصور: لقاء صادق
وتحدث المطران باسيليوس منصور، فقال: “نحن اليوم في هذا اللقاء، نجتمع في دار الأخ العزيز علي العبد الله، هذه الدار الكريمة. هذا لقاء صادق ومحب عند الأخ الصادق والمحب علي العبد الله، وكما خبرناه خلال السنوات يعطينا فرحا بلقاء الأخوة الذين نحبهم وتأكدنا من محبتهم عبر سنوات طويلة. أنا هنا منذ 18 عاما وأنا أحوز على هذا الفرح بلقاء هؤلاء الأخوة وخاصة المشايخ والآباء في عكار ونحن الذين شكلنا المجلس أو اللقاء الروحي العكاري. كانوا في السابق يقولون إن الطائفية قتلت العالم وفرقت الناس، وأريد أن أسألكم هنا، هل هي الطائفية الدينية أم الأحزاب السياسية هي من قاتلت الناس؟ أنا لم أسمع منذ عام 1974 حتى اليوم أن أحدهم في عكار تلقى صفعة لأنه مسيحي أو مسلم. لكننا نعرف أن السياسيون الذين لا دين لهم هم من استخدم الإسلام والمسيحية، وهم لا ينتمون إلى طائفة الإيمان. نحن نشعر بالفرح هذه الأيام عندما نسمع عن مشروع تشييد جامعة أو مطار أو مستشفى عسكري، لكنني أشعر بالخوف أن تذهب هذه الوعود كما ذهبت وعود كثيرة أخرى. قلنا لرئيس الجامعة اللبنانية ولقائد الجيش، انطلقوا بمشروع الجامعة من المطرانية وبدون مقابل. وأنا كلي رجاء أن نعمل على تحقيق هذا الهدف لأنني أشعر بالخوف من أن ينسونا بعد عام أو عامين ويقولوا إن الظروف لم تكن مناسبة. لهذا أعلن أننا مستعدون بشكل فوري لتقديم أبنية لثلاثة كليات كي لا يتملص السياسيون من الوعود”.
علي العبد الله: عكار تعاني من الإجحاف والظلم
من جهته قال علي العبد الله: “يُسعدنا اليوم أن نستضيف في دارنا وفي هذه المنطقة الطيبة قامةً وطنيةً ومرجعيةً دينية، هي سماحة مفتي صور وجبل عامل العلامة القاضي الشيخ حسن عبد الله. إن وجودكم بيننا اليوم هو أكثر من زيارة، إنه رسالة وفاء وشراكة وعلاقات قوية، ورمز للوحدة الوطنية التي طالما نادينا بها جميعاً، وهو أيضاً تأكيد على أننا جسدٌ واحد، وأننا من عكار إلى جبل عامل شريكان في المعاناة، وشريكان في حبنا للبنان، وشريكان في الطموحات الوطنية وفي الإيمان بلبنان السيد الحر المستقل”.
وأضاف: “نحن نعيش اليوم في رحاب ذكرى جريمة تغييب الإمام موسى الصدر، ذكرى إمام الوطن الذي غاب جسده وبقي فكره حياً فينا. وللتاريخ، أود إخباركم أن الإمام الصدر زار دار آل العبد الله في العام 1973، حيث استقبله وجهاء بلدة تكريت وعكار في ذات العام الذي شهد أيضا زيارة مفتي الجمهورية الشهيد الشيخ حسن خالد الذي كان معروفا بمواقفه الداعية للوحدة الوطنية، ومن أبرز المدافعين عن مبدأ الشراكة بين الطوائف في لبنان ورفضه للعوامل المسببة للتفرقة الطائفية أو المذهبية. وشكلت دار آل العبد الله دائما الدار الذي يجمع بين كل اللبنانيين، والدار الذي يدعو باستمرار إلى وحدة الموقف والكلمة”.
وتابع قائلا: “إن هذه الأرض الطيبة التي تجسّد كل معاني الوحدة الوطنية تعاني من إهمال لم تعد كلمة “مزمن” تعبر عنه. إنه ليس إهمالاً، إنه إجحاف وظلم آنَ له أن ينتهي. لقد تم تغييب هذه المنطقة عن الخريطة الإنمائية، وحُرِمَت من أبسط المشاريع، من الطرقات والبنى التحتية إلى المستشفيات والوظائف العامة. وتشير تقارير دولية، مثل تقرير البنك الدولي، إلى أن معدل الفقر في عكار قد وصل إلى سبعين في المئة، وهو رقم صادم سيكون له انعكاسات هائلة ولن نسكت عنه أبداً”.
وأضاف: “انظروا معي إلى هذه المفارقة: إن عكار التي قدمت خيرة أبنائها شهداء في صفوف المؤسسة العسكرية، ودفعت فاتورة باهظة من دماء شبابها، وعانت من هجرة أبنائها الذين اغتربوا بحثاً عن لقمة العيش بسبب الحرمان التاريخي، لم تكن يوماً شريكة في الإنماء، بل كانت دائماً تجد نفسها شريكة في الدَّيْن والأعباء والمصائب. فهل هذه شراكة؟ ما هذا الإجحاف؟ إننا اليوم، ومع العهد الجديد، الذي يتمثل برئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، ورئيس مجلس الوزراء الدكتور نواف سلام، نأمل أن تكون هذه فرصة لتغيير هذا الواقع المؤلم بدعم من رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري. ونود هنا التوجه بالشكر إلى المؤسسة العسكرية على توفيها للأرض التي سيُبنى عليها مجمع الجامعة اللبنانية والمستشفى العسكري في منطقة حلبا العكارية”.
جولة روحية واسعة
استهل المفتي عبد الله زياراته العكارية بزيارة إلى المجلس الإسلامي العلوي، حيث التقى رئيس المجلس الاسلامي العلوي سماحة الشيخ علي قدور. وقال المفتي قدور إثر اللقاء: “نعتبر الزيارات والتواصل واللقاءات عملا وطنيا يهدف إلى ترسيخ الوحدة الوطنية التي نعتبرها السلاح الأمضى في مواجهة كل التحديات وتجاوز كل العقبات. رؤيتنا واضحة وواحدة لأننا ننظر بعين البصيرة وعين العقل والحكمة والوطنية. رسالتنا إلى جميع السياسيين أن يعملوا خاصة في هذه الظروف العصيبة على تجاوز الخلافات والتعالي على الصغائر لنحقق الهدف الأسمى وهو السلم الأهلي والاستقرار الأمني والنمو والازدهار للبنان. العدو الإسرائيلي وقوده هو العدوان ولن يتوقف عن الاعتداء سواءا على لبنان أو على سوريا أو أي بلد عربي، هو عدو للإنسانية. أهمية السلاح هي في الدفاع عن لبنان، وهذه قضية كبرى تم طرحها في الأوساط السياسية اللبنانية منذ زمن بعيد، وكان الكلام عن الاستراتيجية الدفاعية، نترك هذا الموضوع لأصحاب الاختصاص، ولكن نحن نرفض رفضا كليا أن يكون هناك نزع لسلاح المقاومة بينما العدو الإسرائيلي يجثم على صدرونا في جنوب لبنان”.
أما المفتي عبد الله، فقال بعد اللقاء: تشرفنا بزيارة سماحة الشيخ وهذا الدار، وهو دار لكل اللبنانيين. اليوم نحن في هذه المنطقة نعكس التقارب بين شمال لبنان وجنوبه وبين شرقه وغربه. الرؤية الوطنية هي التي تجمعنا وإن شاء الله تعالى سنكملها من خلال زيارة سماحة الشيخ إلى صور وجبل عامل ويكون اللقاء والحفاوة لنعكس هذا التقارب. نحن نريد خطاب معتدل هادئ يؤسس لحوار وطني، الحوار هو المخرج الوحيد لكل الازمات، والوحدة الوطنية هي القدرة الوحيدة لمواجهة كل الصعوبات”.
بعد ذلك، انتقل المفتي عبد الله برفقة علي العبد الله إلى دار الإفتاء في عكار حيث التقى سماحة مفتي عكار الشيخ زيد محمد بكار زكريا. وقال المفتي زكريا خلال اللقاء: “نسأل الله الإعانة وإياكم أن نبقى صوت العقل وصوت الحكمة وصوت الاعتدال وأيضا صوت الأمن والأمان لأن هناك من يراهن دائما على التشرذم والتفكك والحرب الأهلية والفتنة الداخلية والمذهبية والفتنة الطائفية، لكن إن شاء الله تبقى أصوات أهل العقل والإيمان. ومن خلال وحدتنا الإسلامية – الإسلامية إن شاء الله تعالى والوحدة الوطنية، تتحطم كل مخططات الصهاينة عند صخرة وحدتنا وتلاقينا. إن ما يجري في غزة هو مدرسة عظيمة للأمة من أجل أن تعرف حقيقة هذا العدو الذي كان البعض يتأمل أو يرجو منه خيرا أو ينخدع بشعاراته من حرية وديمقراطية وشعارات أخرى يتغنى بها، لكن نحن نقول هذا ليس بغريب على قتلة الأنبياء كما نقرأ في القرآن. لذلك نحن فعلا ندرك أن عدونا الأوحد والأساس هو هذا العدو الصهيوني”.
المفتي عبد الله من جهته شكر المفتي زكريا على الاستقبال، وقال: “انصدم الناس لأن الإسرائيلي مارس جرم على الدوحة، لكن هذه هي الهوية الحقيقية لإسرائيل، الهوية التي تحمل الإجرام ووظيفة الإجرام، والإجرام المنظم الذي يمارسه الكيان الإسرائيلي. هذا الأمر يستدعي تضامن على المستوى العربي، وإذا لم يكن هناك تضامن عربي، إسرائيل سترتكب كل يوم جريمة مماثلة”.