توطين الإيغور في الساحل السوري: أداة للتطهير الطائفي وتغيير ديموغرافي ممنهج
د.هشام الأعور – موقع التوحيد العربي

منذ سقوط نظام بشار الأسد وسيطرة هيئة تحرير الشام على مقاليد الحكم في سوريا ، طُرحت تساؤلات عديدة حول أسباب توطين عناصر من أقلية الإيغور المسلمة، المنحدرة من إقليم شينجيانغ في الصين، في مناطق الساحل السوري، ولا سيما في ريف اللاذقية الشمالي والمناطق القريبة من الحدود التركية. يعود ذلك إلى سياقات أعمق من مجرد التهجير أو التوزيع الجغرافي العشوائي، بل يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالسياسات التي انتهجتها الجماعات المسلحة المتطرفة خلال سنوات الحرب السورية، والتي اتسمت بطابع تطهيري طائفي واضح، لاسيما ضد العلويين، إلى جانب تهديد باقي الطوائف من الدروز والشيعة والسنة والمسيحيين.
اعتمدت تلك الجماعات، ومنها “جماعة تركستان الشرقية” التي تضم مقاتلين من الإيغور، على خطاب متشدد يستند إلى اعتبار الساحل السوري مركز الثقل للطائفة العلوية، ومن ثم كان هدفًا رئيسيًا في خططهم التوسعية. تم نقل العديد من هؤلاء المقاتلين مع عائلاتهم إلى مناطق محاذية للساحل، لا سيما في قرى ومناطق تم تهجير سكانها الأصليين منها خلال العمليات العسكرية، وتحولت تلك المناطق إلى بؤر مغلقة تدار من قبل عناصر أجنبية، ضمن مخطط مدروس يهدف إلى تغيير التركيبة السكانية، وإحداث اختراق جغرافي وطائفي في خاصرة الدولة السورية.
هذا التوطن لم يكن عشوائيًا أو طارئًا، بل جاء نتيجة سياسة مدروسة مارستها الجماعات المسلحة، مستفيدة من الغطاء الأمني واللوجستي التركي، والدعم المالي من جهات خارجية سعت إلى إحداث تحول ديموغرافي في مناطق استراتيجية، بقصد خلق واقع ميداني جديد يفرض نفسه في أي تسوية سياسية مستقبلية. هذا التوغل لم يهدد فقط العلويين، بل زرع القلق بين أبناء الطوائف الأخرى في سوريا، ممن وجدوا أنفسهم أمام مشهد يتكرر فيه سيناريو العنف الطائفي، والإقصاء الديني، على يد مجموعات تنكر الآخر وتحمل مشروعًا أيديولوجيًا متطرفًا.
بالتالي، فإن توطين الإيغور في الساحل السوري لم يكن مجرد نتيجة للحرب، بل أداة ضمن استراتيجية أوسع للتطهير والتغيير السكاني، عكست النوايا العميقة لبعض الجماعات المسلحة في إعادة رسم خارطة سوريا الاجتماعية والسياسية، عبر الإقصاء والتهجير، وإحلال جماعات وافدة بدلًا من السكان الأصليين، في واحدة من أخطر صور العبث بالتركيبة الوطنية السورية.