د. هشام الأعور – من نحن في زمن التحولات؟

في خضم المشهد السياسي المعقّد والمضطرب في لبنان، تظهر تساؤلات عميقة من قلب طائفة الموحدين الدروز في لبنان، ومن داخل البيت الذي لطالما وُصف بأنه بيت الكرامة والتمسك بالثوابت. تتجلى هذه التساؤلات اليوم بصوتٍ حاد، صريح، وجارح في كثير من الأحيان، لكنها تعبّر عن قلق حقيقي وخوف على الهوية والمصير والانتماء. كيف لطائفة دفعت أثمانًا غالية من دماء أبنائها، وقدّمت تضحيات لا تُحصى على مدى قرون، أن تجد نفسها اليوم تتساءل: من نحن؟ وإلى أين؟
نرى من يصنّف نفسه امتدادًا للشرعية في سوريا بقيادة احمد الشرع ، ومن يتموضع في محور المقاومة مع حزب الله، ومن يصفق لمدنية الدولة نهارًا ويغرق في الخطابات المتقوقعة ليلًا. تناقضات تضعنا في حيرة، وتدفعنا للتساؤل: ما هو خطنا الحقيقي؟ ما هو موقفنا الثابت؟ هل نحن مع الفكر الإسلامي السياسي؟ أم مع الدولة المدنية؟ هل نحن مع الحياد؟ أم مع التموضع الإقليمي؟ أين أصالة الانتماء؟ وأين بوصلة المبادئ؟
وفي ذكرى اغتيال رفيق الحريري، رأينا من بيننا من ينزل إلى ساحة الشهداء. لا عيب في ذلك إذا كان من باب الوفاء، لكن ما الهدف من الخطاب إن أصبح بلا وضوح؟ ما جدوى التموضع السياسي إن فقدنا وضوح الهوية وخسرنا احترام الطوائف الأخرى لنا؟ هل نحن فعلاً أصحاب قضية؟ أم أصبحنا ورقة تتقاذفها مصالح اللحظة وتقلبات التحالفات؟
لطالما قيل إن هذا هو مقتضى السياسة، لكن ما قيمة السياسة إن كانت على حساب الكرامة؟ كيف نُبرر فقدان الوجه الحقيقي عندما نُغير التحالف وننسى الأصل، ونتحدث عن المرونة ونضيع المبادئ؟ كيف يمكن لنا أن ننسى ما هو تاريخنا الذي أعطانا الكلمة والموقع؟ من رفع اسمنا؟ أليسوا هم أهلنا وشهداؤنا؟ أولئك الذين استشهدوا على تراب هذا الجبل ضد الغزاة والمحتلين دفاعًا عن الأرض والعرض والكرامة.
اليوم نجد أنفسنا في موقع صعب، فالصوت الذي يعلو في القرى لم يعد صوت القوة، بل صوت الحيرة. شبابنا يسألون: ماذا نُمثل؟ وإلى أين نتجه؟ وهل ما زالت للطائفة هيبتها؟ أم أننا أصبحنا مادة للسخرية، يتندر بها الآخرون كلما تبدّل خطابنا واختلف تموضعنا؟
بني معروف، يا من حفرتم التاريخ بدماء أجدادكم، أين أنتم؟ أين ذلك الصوت الواحد الذي كان لا يُشترى ولا يُباع؟ أين الشموخ الذي كان لا ينحني؟ وسط هذه التحولات، من نحن فعلًا؟ هل ما زلنا نُمسك بجذورنا؟ أم أن الرياح اقتلعتنا من أرضنا؟ مصيرنا اليوم لا تحدده الشعارات ولا الخطب الرنانة، بل تحدده الشجاعة بالعودة إلى الذات، إلى الأصل، إلى المبادئ.
الكرامة لا تُشترى. والانتماء ليس ورقة تتغيّر بتغيّر المواسم. مصيرنا مرهون بصدقنا مع أنفسنا أولًا، وبقدرتنا على التمييز بين الثابت والمتحوّل، بين ما يمكن التفاوض عليه، وما يجب ألا يُمسّ. إذا أردنا احترام الطوائف الأخرى، علينا أن نحترم أنفسنا أولًا. وإذا أردنا أن نحفظ مقدساتنا وأصولنا، فعلينا أن نكون أمناء على إرثنا وهويتنا.
لبنان تغيّر. والمنطقة كلها تتبدّل. لكن الكرامة لا تتغيّر، والمبدأ لا يتبدّل. ومن نسي ذلك، فقد البوصلة، وخسر كل شيء.