
بعد التعيينات الجديدة في وزارة الداخلية، وتولي العميد قبرصلي إدارة هيئة إدارة السير، كثر الحديث عن مرحلة جديدة ستشهدها “النافعة”، مرحلة وعدت بإزالة الفساد وتنظيف العمل من السمسرة، التي لطالما نخرت جسد هذا المرفق الحيوي.
ولكن، هل فعلاً تستطيع الإدارة الجديدة الوفاء بوعودها، في ظل هيمنة مافيات متجذرة داخل النافعة في مختلف المناطق اللبنانية؟
واقع الحال يظهر أن القضاء على السماسرة مهمة شبه مستحيلة. فالسمسار بات قادراً على فرض نفسه، متواطئاً مع عدد من الموظفين الذين يسهلون له عمله ويغطونه، مما يجعل محاولات الإصلاح تصطدم بجدار من الفساد المزمن.
أما عن العلاقة مع شركة “إنكربت”، فهي قصة أخرى من قصص الدولة اللبنانية مع عقود الشركات. رغم انتهاء العقد الرسمي للشركة منذ حوالى سنتين بحسب ديوان المحاسبة، فإن العمل استمر بذريعة “أمران تشغيل”. واللافت أن هذين الأمرين لا يبدو أنهما أوشكا على النهاية! والسؤال الذي يطرح نفسه: من يدقق في حسابات هذه المرحلة التشغيلية؟ وبخاصة أنه في نهاية العام الماضي تم تحويل حوالى 8 ملايين دولار لشركة “إنكربت” بشكل مخالف لكل الأصول القانونية، ومن دون موافقة وزارة الداخلية، ولا حتى وجود موازنة مصادق عليها للهيئة، إذ تم الدفع بالليرة اللبنانية على سعر صرف الدولار، في خطوة معاكسة لكل ما تلتزم به الدولة في صرف الأموال.
فهل ستفتح التحقيقات اليوم بكل هذه الملفات؟ وهل ستؤخذ بعين الاعتبار توصيات ديوان المحاسبة، الذي طلب إحالة شركة “إنكربت” إلى النيابة العامة التمييزية لمحاسبتها على سوء إدارة المرفق العام، ولا سيما أن تقاعسها أدى إلى تعطيل عمل “النافعة”، في فترة كان البلد بأمس الحاجة إلى خدماتها، مما تسبب بتراكم هائل للمعاملات؟
المحامي علي عباس اكد لـ “الديار” أن عدداً كبيراً من الإخبارات تم تقديمها ضد “النافعة” وشركة “إنكربت”، مشيراً إلى أن أحد هذه الملفات وصل إلى مرحلة الادعاء القضائي على الشركة بجرم هدر المال العام، وتحديداً في ما يتعلق باللاصقات والنمر الجديدة التي لم يحصل عليها المواطنون أصلاً. هذا الملف اليوم في عهدة قاضي التحقيق فؤاد مراد، مع جلسة تحقيق مرتقبة خلال شهر أيار المقبل.
عباس سأل: “إذا كانت كل هذه الادعاءات مثبتة، لماذا لا تزال الدولة اللبنانية تتعامل مع شركة عليها ملاحظات جوهرية من ديوان المحاسبة؟ ولماذا لا تبحث عن بديل لها، أو تتولى الدولة بنفسها أداء المهام التي تؤديها الشركة، خصوصاً أن القدرات التقنية أصبحت متوافرة محلياً”؟
من جهة أخرى، كشفت “الديار” عن واحدة من آخر الفضائح الكبرى، حيث تمكن السماسرة، بتواطؤ مع بعض الكتاب العدل وعدد من الموظفين، من بيع أرقام سيارات مميزة كانت محفوظة بأسماء أشخاص، لم يعودوا يتابعون أو يطالبون بها منذ مدة طويلة، وكأنها قد نُسيت. وقد جرى بيع هذه النمر بطريقة غير قانونية إلى أشخاص آخرين، عبر تزوير واضح قد يكون عبر استخدام توقيع الكاتب العدل دون علمه، أو ربما بتواطؤ مباشر من بعضهم.
هذا التواطؤ يعيد فتح باب الأسئلة حول تطبيق قانون السير بانتقائية: إذ تُطبّق المواد التي تؤمّن مداخيل مالية مثل فرض اللاصق الإلكتروني، بينما يتم التغاضي عن مواد أخرى تهم سلامة المواطنين وحقوقهم، كالمادة 164 التي تلزم الكتاب العدل بإبلاغ “النافعة” عن كل وكالة بيع خلال مهلة يومي عمل. عدم الالتزام بهذه المادة يفتح الباب أمام مشكلات خطرة، حيث إن أكثر من ثلث السيارات في لبنان مباعة بموجب وكالات بيع، مما يعني إمكان استخدام هذه السيارات في أعمال أمنية أو جنائية دون رقابة فعلية.
فضائح “النافعة” لا تنتهي هنا. فالمواطن، الذي بات ضحية هذا النظام الفاسد، يدفع اليوم مبالغ طائلة مقابل معاملات من المفترض أن تكون مجانية. فاستمارة المعلومات التي تُستخدم لاستخراج دفتر سواقة مفقود، هي قانونياً مجانية، إلا أن المواطن مضطر الى دفع ما بين 20 إلى 30 دولاراً للسمسار بسبب الفساد الداخلي.
ولا تزال أزمة دفاتر السوق ودفاتر السيارات مستمرة، رغم أن الدولة دفعت 8 ملايين دولار لشركة “إنكربت”، بهدف تسهيل الأمور وتأمين اللوازم الأساسية. لكن المفارقة أن الدفاتر مفقودة والمواطن يُعطى الآن ورقة بديلة بحجة نفاد الطباعة، ما أعادنا إلى زمن “الورقة بدل الدفتر” في زمن الرقمنة!
من هنا، لا بد من التدقيق في كل الأموال التي يتم استيفاؤها لمصلحة شركات الأموال بدلاً من الدولة، ومن إعادة تشكيل هيئة السير وتنظيم عمل مدارس تعليم القيادة التي تشهد فضائح صارخة.