
كرّر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الإشادة بنظيره التركي، رجب طيب إردوغان، مقترحاً التوسّط بين تركيا وإسرائيل لحلّ خلافاتهما. ولعلّ أهمية ما قاله ترامب، أنه جاء بحضور رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في المكتب البيضاوي، وأمام أنظار العالم أجمع. وفي وقت كانت الأنظار تتّجه فيه إلى تصريحاته حول إيران، تحوّل لقاء الزعيمين إلى حفل مديح بإردوغان.
وبدأ الحوار حول سوريا وتركيا، بقول نتنياهو: «لقد تناولنا الوضع في سوريا. لنا علاقات جيرة تسوء مع تركيا. ولا نريد أن تُستخدم سوريا قاعدةً لشنّ هجمات علينا من أيّ طرف، وفي المقدّمة تركيا، التي لها علاقات ممتازة مع الولايات المتحدة، والرئيس ترامب له علاقات مع الزعيم التركي. لقد تبادلنا الرأي حول السبل المختلفة التي تمنع اندلاع أيّ صدام». ثمّ ردّ الرئيس الأميركي، قائلاً: «لي صديق كبير اسمه إردوغان. أنا أحبه وهو يحبني. تذكرون لقد نلت من تركيا راهبنا (…) قلت لإردوغان إنك فعلت ما لم يفعله أحد منذ ألفي عام، بعدما استوليت على سوريا. إردوغان في الواقع صلب وذكي جداً. لقد نجح في ما لم ينجح فيه آخرون». وأضاف:» إذا كانت لإسرائيل مشكلات مع تركيا، فأعتقد بأنّني قادر على حلّها (…)».
وجاء كلام ترامب هذا ليعزّز حالة الزهو التي يعيشها إردوغان أصلاً منذ حديث الرئيس الأميركي الأول عن «قوّته وذكائه»، وبعد ردّ الفعل الأميركي الخجول جداً على اعتقال رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، وما تسرّب من موافقة ترامب المسبقة على اعتقاله، وهو ما دفع إردوغان إلى أن يستغلّ التأييد الأميركي للقيام بانقلابه المدني والسياسي ضدّ المرشح الأبرز لمنافسته على الرئاسة عام 2028، ويمضي قدماً في حملته ضدّ سائر أطياف المعارضة. ولذا، لم يفت رئيس «حزب الشعب الجمهوري»، أوزغور أوزيل، اتهام واشنطن، قبل يوم واحد من كلام ترامب، بمنح موافقتها على الاعتقال، وإن اعتبر أنْ «لا أميركا ولا ترامب سينقذان إردوغان».
وحظيت التطورات الأخيرة بتعليقات تركية عكست الأولوية التي يمنحها الرئيس الجمهوري للوضع في سوريا وموقعها في ترتيبات المشهد الشرق أوسطي الجديد، الذي تحاول الولايات المتحدة رسمه. وبرز منها، ما قاله الدبلوماسي السابق وعضو اللجنة التنفيذية في «حزب الشعب الجمهوري»، نامق طان، الذي أشار إلى أن «لهجة نتنياهو تجاه تركيا لم تكن حادّة، على الرغم من الهجمات الإسرائيلية الأخيرة في سوريا»، والسبب هو أن «نتنياهو لا يريد أن يغضب ترامب»، في حين رأى الكاتب إسماعيل كوتشوك قايا أن «التذكير بحادثة القس آندرو برونسون يثير خوف الأتراك. هذا مستغرب ويستدعي التأمّل ويشكّل تهديداً لإردوغان». أمّا «كلام ترامب عن أن إردوغان قام بما لم يقم به أحد في سوريا، فيمكن أن يثير السرور في قلب الرئيس التركي، لكنّ أحداً لا يعرف ماذا يريد الرئيس الأميركي من تركيا»، بحسب كوتشوك قايا.
جاءت دعوة نتنياهو إلى البيت الأبيض في ظلّ الحديث عن تصاعُد خطر المواجهة بين تركيا وإسرائيل
وجاءت دعوة نتنياهو إلى البيت الأبيض في ظلّ الحديث عن تصاعُد خطر المواجهة بين تركيا وإسرائيل، بسبب رغبة الأولى في إقامة قواعد عسكرية في سوريا، ولا سيما في مناطق هذا البلد الوسطى. وفيما تدرك أنقرة أن هذه الرغبة تحدٍّ جدي بالنسبة إلى تل أبيب، وليست مجرّد تمهيد لخطوة استفزازية، فقد سارع وزير خارجيتها، حاقان فيدان، إلى القول إن بلاده لا ترغب في مواجهة مع إسرائيل، مطمئناً الأخيرة إلى أنه «إذا كانت دمشق تريد التوصّل إلى اتفاق مع تل أبيب، فهذا شأنها». ولا شكّ في أن كلام فيدان – كما حديث نتنياهو -، وعرض ترامب للوساطة، يمهّدان الطريق لرسم حدود النفوذ في سوريا بين تركيا وإسرائيل، ويجعلان احتمال الصدام بينهما مستبعداً.
وهكذا، تصبح إشارة ترامب إلى حادثة القس برونسون واضحة، لجهة أنه على إردوغان أن يأخذ في الاعتبار المصالح الأمنية الإسرائيلية في سوريا، وأن يسلّم بأن تكون لتل أبيب اليد العليا في مناطق الجنوب السوري. وفي هذا الإطار، يبدو الرئيس التركي مستعدّاً لتقديم ما يلزم من أثمان للولايات المتحدة من أجل تعزيز سلطته في الداخل، والعمل على إحداث تغييرات تسمح له بتعديل الدستور، والترشّح مرّة أخرى للرئاسة عام 2028. غير أن ما يخشاه قسم كبير من الأتراك، هو أن تجرّ إدارة ترامب، إردوغان إلى التعاون معها ضدّ النفوذ الإيراني في المنطقة. ومع أن أنقرة وجّهت الضربة الكبرى إلى طهران بإسقاط النظام في سوريا، لكنّ الانتقال إلى مرحلة أوسع من التعاون مع أميركا ضدّ الجمهورية الإسلامية قد لا يثير ارتياح الأتراك.
وفي جميع الأحوال، يُتوقّع بعد إشادة ترامب بإردوغان، أن تشهد العلاقات التركية – الأميركية المزيد من التنسيق، وهو ما سيُتوّج بلقاء قريب يجمع الزعيمَين. كما أن إشارة الرئيس الأميركي إلى الوساطة بين تركيا وإسرائيل، قد يكون من شأنها دفع العلاقات بين الأخيرتين من مرحلة «التشنّج» إلى مرحلة «التعاون»، المحمول على خشبة «المصالح المشتركة».