اخبار عربية ودوليةالرئيسية

السويداء منقسمة على نفسها: الهجري يعلنها «حرباً» على مؤيّدي الشرع

حيان درويش - الاخبار

لا تزال تصريحات الرئيس الروحي لطائفة الموحّدين الدروز، الشيخ حكمت الهجري – والتي خرج بها في أعقاب توقيع أحمد الشرع، الإعلان الدستوري الذي يوليه صلاحيات إدارة البلاد بشكل مطلق لمدة خمس سنوات يترأس خلالها المرحلة الانتقالية، من دون وجود أي سلطة قادرة على عزله -، تتفاعل.

فإلى جانب ما حمله التسجيل المصوّر، المسرّب من لقاء يجمع الهجري وفعاليات أهلية، من انتقادات للحكومة السورية، التي وصفها الأخير بأنها «متطرفة ومطلوبة دولياً»، سلّط ما قاله حول التفاهمات التي تنخرط فيها قوى من السويداء مع الإدارة الجديدة، بالقول: «نحن في مرحلة نكون (فيها) أو لا نكون، سنذهب باتجاه ما هو مناسب للطائفة»، وإن «أي تساهل في هذا الأمر لا يمكن أن نقبل به (…) وهذا حق من حقوقنا (…) نأسف على أبناء السويداء الذين يبيعون دماء وكرامة أهلهم في الساحل»، الضوء على الانقسام داخل المكوّن الدرزي، تجاه مسألة التعامل مع دمشق.

وفي هذا الإطار، ترى شخصيات درزية، في حديثها إلى «الأخبار»، أن «العلاقة بين الهجري وكل الفصائل العاملة في السويداء كانت عالية المستوى، إلا أن مسألة التقارب مع دمشق في المرحلة الحالية والتي ينظر إليها على أنها تطبيع مع نظام يفرض الأسلمة على البلاد وفق مفهوم السلفية الجهادية، ما يتنافى مع المصلحة العامة للأقليات، بما في ذلك الدروز، باعدت في ما بينهم».

وتضيف المصادر أن تصريحات الهجري «جاءت بمثابة إعلان الحرب الداخلية من قبله على قادة الفصائل التي تريد تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية»، وعلى رأسها قائد فصيل «رجال الكرامة»، يحيى الحجار المكنّى بـ«أبو حسن»، وقائد فصيل «رجال شيخ الكرامة»، ليث البلعوس، علماً أن الفصيلين المشار إليهما كانا من ضمن القوات التي وصلت مبكراً إلى العاصمة السورية، في ليلة سقوط نظام الرئيس السابق، بشار الأسد، في 8 كانون الأول الماضي، بالتنسيق مع قائد «اللواء الثامن»، أحمد العودة، الذي أسّس قبل يومين فقط من فرار الأسد إلى خارج البلاد، ما سمّي بـ«غرفة عمليات الجنوب»، والتي تتضمن فصائل من درعا والسويداء شاركت في الإطاحة بالنظام.

في المقابل، توافدت جموع من مؤيدي الهجري، أولَ أمس، إلى «دارة قنوات»، حيث جدّد رئيس الطائفة تصريحاته السابقة، مشيراً، في الوقت نفسه، إلى أن «الدروز طلاب سلام، ولا يمكن أن يخرجوا من النسيج السوري».

وبعدما أطلق مؤيدوه أول تظاهرة في «ساحة الكرامة» في السويداء للمطالبة بـ«سقوط الجولاني»، وطرد محافظ السويداء المكلّف من الحكومة السورية، مصطفى بكور، وقاموا برفع «راية التوحيد» (علم الطائفة الدرزية) فوق مبنى المحافظة، في خطوة سبقت الإعلان الدستوري، عاد مؤيّدون للحجار والبلعوس، لإنزال «علم التوحيد»، ورفع العلم الذي أقرّه «الإعلان الدستوري»، علماً للجمهورية. وأمس، تجدّدت الاحتجاجات ضد حكومة دمشق في «ساحة الكرامة»، حيث رفع المشاركون لافتات كُتب عليها أن «الإعلان الدستوري» يؤسّس «لاستبداد ديني». كما حضرت شعارات تندّد بـ«مقتلة العلويين في الساحل»، من قبيل «اللي بيقتل شعبه خاين».

يتوافق فصيل «أسود الجبل»، مع مواقف الهجري في ما يخصّ العلاقة مع دمشق

من جهته، يتوافق فصيل «أسود الجبل»، مع مواقف الهجري في ما يخصّ العلاقة مع دمشق، حسبما يقول طارق المطوش، وهو قيادي في الفصيل المشار إليه، في حديثه إلى «الأخبار». ويضيف أن «محاولات المساس بالسويداء ستقابلها ردود فعل قاسية»، معتبراً أنّ «المواقف التي أطلقها الهجري هي لحماية الإنسان السوري عموماً وحفظ كرامته»، وأنه «لا يجب أن يكون ثمة معارضون لموقف الهجري من المنظومة الحاكمة في دمشق حالياً، فالأمر لا يقبل أي مغامرة بمصير المحافظة».

أما حول الشخصيات الدينية الأساسية في المحافظة، فتؤكد المعلومات التي حصلت عليها «الأخبار»، من مصادر مقرّبة من الهجري وشيخي العقل يوسف الجربوع وحمود الحناوي، أن هناك توافقاً كبيراً بين المشايخ الثلاثة، على «ضرورة حفظ الطائفة وتجنيبها أي صدام مسلح مع أي طرف»، وهم متفقون أيضاً على «ضرورة أن تذهب البلاد نحو نظام حكم مدني وتعددي، من دون إقصاء لأي طرف».

ومع ذلك، ثمة خلاف جوهري في وجهة النظر بينهم، حول آلية التعبير والدفاع عن مصالح الدروز في سوريا؛ إذ فيما يقيم الهجري اتصالات مباشرة مع مجموعة من الأطراف الدولية بما في ذلك الاتحاد الأوروبي ودول منه، ويتواصل بشكل دوري مع الرئيس الروحي لطائفة الموحّدين الدروز في فلسطين المحتلة، موفق طريف، بما يعنيه ذلك من تواصل غير مباشر مع قيادات الاحتلال الإسرائيلي، فإن الجربوع والحناوي يريان أنه «من الضروري أن يتم التواصل والانفتاح أكثر في الرأي مع دمشق، وأن يجري بناء علاقة في إطار ضرورة ربط السويداء بالعاصمة، من أجل تسهيل حياة المدنيين وتشغيل مؤسسات الدولة».

وعلى هذه الخلفية، تبرز المسألة الجوهرية في الخلاف، والتي يمكن اختصارها بالعلاقة مع إسرائيل التي أبدت استعدادها «لحماية الدروز»، إذ فيما يعتبر الحناوي في تصريحاته أن «الدروز ليسوا ضعفاء ليطلبوا الحماية من أحد»، تقول مصادر قريبة من الجربوع، إن الأخير لم يقبل أن يجري أي تواصل مع طريف، منذ أن سقط النظام، الأمر الذي يقابله الهجري بالكثير من الخطوات المشيرة إلى نيته إعلان العلاقة الرسمية مع حكومة الكيان، من قبيل مباركة الزيارة الدينية الأخيرة، من وفد مؤلّف من 60 شخصية سورية إلى مقام «النبي شعيب» إلى الأراضي المحتلة، بالإضافة إلى قبوله دخول المساعدات القادمة من إسرائيل إلى قرى جبل الشيخ، باعتبار أنها مقدّمة من دروز فلسطين، الأمر الذي يتعارض تماماً مع تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، والتي قال فيها إن «إسرائيل» هي من أرسلت المساعدات.

وعلى الرغم من تأييد الجربوع والحناوي للتوافق الذي حصل في الاجتماع الأخير مع الشرع في دمشق، على أن تنفّذ الأخيرة ما تمّ طلبه من قبل ممثلي الطائفة، يبدو أن ثمة تراجعاً في موقفهما، إذ فيما أكّد الجربوع، في تصريحات إلى قناة «سكاي نيوز»، الانفتاح تجاه حكومة الشرع، قال إن «عدم الثقة» بها «مرتبط بخلفيتها الدينية»، مطالباً بـ«دولة مدنية ودستور يحمي حقوق الجميع»، ولافتاً إلى أن «الإعلان الدستوري لا يحقق طموح الشعب السوري وهو من لون واحد». أما الحناوي، فقد أكّد في تصريحات إلى قناة «الحدث»، أن «السلاح هدفه الدفاع عن النفس والأرض وليس للاعتداء أو التعدّي» وأن «اقتناءه أمر مؤقت» و«لم يحن وقت تسليمه بعد»، مضيفاً «(أننا) لسنا خارج الدائرة السورية، نريد العدالة وبناء الوطن والمواطن».

وتعيد شخصيات سياسية من محافظة السويداء، انقلاب موقف كل من الجربوع والحناوي إلى المقتلة الطائفية التي شهدتها مناطق الساحل السوري، إلى جانب عملية استقطاب 800 من أبناء العشائر العربية السنية التي تعيش في السويداء من قبل دمشق، لتجنيدهم ضمن صفوف الجيش و«الأمن العام»، تمهيداً لنشرهم في المحافظة بعد عزوف الدروز عن التوجه إلى مراكز التجنيد. وتلك خطوة يعتبرها كل من الجربوع والحناوي، محاولة من دمشق للالتفاف على فكرة تشكيل قوات أمنية وعسكرية للسويداء من أبناء المحافظة، وترسيخ فكرة «اللون الواحد».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى