الثنائي الشيعي يوازن بين المواقف: مشاركة مرهونة بالتوافق الوطني
خمسة ايام كانت كافية لاحداث ما اعتبره البعض «الانقلاب الابيض». فبين من يصف الحاصل بالتغيير الجذري في الحياة السياسية، بمحاصصتها وتعطيلها وانتظارها، وبين من يرى في المسلسل تراجعا عن اتفاق والتزام، بالشراكة والميثاقية وعدم الاقصاء، يعيش الثنائي الشيعي، بجمهوره وسياسييه، ومعه الكثير من اللبنانيين حالة من الصدمة، في زمن الحديث عن وصاية وكلمة سر، التي قد يقطع يقين وجودها من عدمه، سرعة وشكل وطريقة التأليف بعد التكليف وهنا المحك والمعيار، حيث العبرة تبقى في التنفيذ.
كثيرة هي التساؤلات حول ملابسات وحقيقة ما يحصل من تطورات هذه الايام، وكثيرة هي الاسئلة حول نمط «الحكم الجديد» وادارته، و رغم كل ذلك يبقى الامل، من ان يكون الثنائي عون – سلام، قادرا على قيادة البلاد وانقاذها من كل ما اورداه من مشاكل في «مشروعهما السياسي»، اللذان تقاطعا عند نقاطه الى حد كبير، رغم ان الكلمة الفصل تبقى لمجلس الوزراء ببيانه الوزاري، الذي يتردد ان خطوطه العريضة قد انجزت قبل تاليف الحكومة، وللبرلمان بثقته، التي منحت مع الانتخاب والتاليف.
اتصالات داخلية وخارجية
وفي اطار ترميم الثقة التي اهتزت، بعد الاحداث السياسية الاخيرة، علم ان اكثر من خط داخلي وخارجي فتح على هذا الصعيد. فداخليا اكد رئيس الجمهورية خلال اللقاء الثلاثي الذي جمعه برئيسي المجلس والحكومة المكلف، على تمسكه بانطلاقة جامعة للعهد، لا تستثني احدا وعلى الشراكة الكاملة في السلطة لتحقيق ما جاء في بيان القسم، وهو ما اعاد التاكيد عليه الرئيس نواف سلام في كلمته المكتوبة، التي تقصد خلالها التوجه الى الثنائي بشكل مباشر، رادا على النقاط التي كان اثارها رئيس كتلة الوفاء للمقاومة، مخاطبا هواجس الثنائي، لناحية تحرير الارض من العدو الصهيوني، من جهة، واعادة الاعمار، من جهة ثانية.
علما ان تواصلا حصل بين رئيس الحكومة العتيد، الذي كان رفض الحضور الى لبنان على متن طائرة خاصة وضعت بتصرفه، ورئيس مجلس النواب ليل الاثنين بعيد التكليف، مؤكدا على ان تكليفه ليس تحديا لاحد، وان يداه ممدودتان لكل الاطراف السياسية لاطلاق ورشة بناء الدولة ومؤسساتها، واعادة جسور الثقة بين اللبنانيين.
اما خارجيا، فعلم ان الاتصالات مفتوحة على خط الرياض – باريس، التي لعبت دورا اساسيا في قلب المعادلة، والتي يفترض ان يفتتح رحلات الحج الدولية الى بيروت رئيس جمهوريتها ايمانويل ماكرون الجمعة،الذي تواصل امس مع الرئيس بري، على ان تستمر تباعا حيث يتوقع وصول امين عام الامم المتحدة، وفد سعودي برئيس وزير الخارجية ، ووزير خارجية الكويت، حيث رات مصادر متابعة ان فرنسا حصلت على جائزة ترضية في مسالة اختيار القاضي سلام كرئيس للحكومة، بعدما ادركت تداعيات السير بخيار نجيب ميقاتي وآثار ذلك شعبيا على عهد الرئيس عون، رغم «الزلزال السياسي» الذي احدثته الخطوة، القابلة للمعالجة.
عون – سلام
وفيما تبدو اجواء كل من الرئيسين عون وسلام ، متطابقة الى حد كبير لجهة كيفية التعامل مع المرحلة المقبلة، وهو ما اصر الاثنان على ايصاله لمن يعنيهم الامر سواء في تصريحاتهم العلنية، او خلال اللقاءات والاتصالات المغلقة، فانه من الجدير للاهتمام التوقف عند 3 نقاط بارزة في كلمة الرئيس المكلف، ابرزها:
-جاء خطابه منسجما مع التطلعات التي عبر عنها خطاب القسم بشكل واضح، لجهة اعادة بناء الدولة، تنفيذ القرارات الدولية، استعادة القانون موقعه.
-تاكيده على رغبته في التعامل مع الجميع، في حديثه عن « اليدين المدودتين» وتحديدا للثنائي الشيعي، في حال كان يعتبر ان هناك من يحاول اقصاءه.
-غياب اي اشارة الى ملف الانتخابات النيابية وقانون الانتخاب.
الثنائي الشيعي
غير ان الصورة العامة التي تشغل بال اللبنانيين، لم تحجب ارتدادات «زلزال» اختيار نواف سلام رئيسا للحكومة، من خارج السياق، الذي استفز بطريقة «الاخراج» الثنائي الشيعي، في زاوية التسمية، وفقا لمصادر مقربة منه، والتي رات ان اي تحرك حاليا سيكون ضمن ضابطين اساسيين، الاول، عدم المصلحة بالذهاب الى سيناريو الشارع، والثاني، عدم الرغبة بتفجير الساحة الداخلية.
ورات المصادر، ان امتناع الثنائي عن تسمية اي مرشح يحمل رسائل سياسية واضحة للمعنيين، حيث انطلق من اعتبار ان الظروف الراهنة تستدعي الحذر في الخيارات السياسية، مما يشير الى ان التعاون مع الحكومة المقبلة قد يكون محدودا، ما يضع تحديات اضافية امام نواف سلام لنيل الثقة وتفعيل العمل الحكومي. لكن هل يعني ذلك عدم مشاركة الثنائي في الحكومة؟
الجواب وفقا للمصادر يبدو صعبا، خصوصا ان الثنائي قرر مقاطعة الاستشارات الغير ملزمة في المجلس النيابي، من باب تسجيل الموقف، اولا، بسبب السقف السياسي العالي من قبل بعض اطياف المعارضة الذي يحاول اظهار الثنائي بصورة المهزوم، وثانيا، انطلاقا من معلومات متوافرة لدى الثنائي، حول اتصالات جرت لتوزير بعض الاسماء التي تشكل استفزازا للطرف الشيعي، مستدركة بان ذلك لا يعني بالضرورة عدم المشاركة في الحكومة، فالمشاركة في الاستشارات غير الملزمة ليست البوابة الضرورية او الملزمة لدخول الحكومة، وان هذا الامر مرتبط برغبة وارادة رئيسي الجمهورية والحكومة.
«المعارضة»
من هنا تتقاطع مصادر مواكبة للاتصالات الجارية، على انه من مصلحة الثنائي المشاركة في الحكومة، خصوصا انه يملك بعضا من خيوط اللعبة التي مارسها مع انتخاب رئيس الجمهورية، وهو ما يجعل من المستحيل على اي حكومة ان تسير من دونه، للحفاظ على التوازنات داخلها، ولتلافي حصول» ازمة حكم»، وهنا التحدي الاساس امام الثنائي، بعيدا عن الحصص، في عملية اعادة ترميم علاقاته مع حلفائه و»شدشدة» التعاون معهم داخل مجلس الوزراء.
وابدت المصادر اعتقادها، بان اتجاه الامور لا يدل على ان البلاد تتجه الى ازمة حكم، نتيجة حرص حزب الله على الاستقرار العام واهتمامه باعادة اعمار ما تهدم، بالاضافة الى ان اجواء الساعات الاخيرة والمواقف الصادرة عن الرئيسين، ايجابية وتدعو الى «الاطمئنان»، آملة ان يكون ما حصل بمثابة غيمة صيف ومرت، خصوصا ان زيارة وفد المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الى بعبدا تصب في هذا الاتجاه، حيث سمع كلاما واضحا من عون مفاده انه «لا يمكن لمكون ان ينكسر وغيره ألا ينكسر، فإذا انكسر مكون، ينكسر لبنان بأسره».
من جهتها اكدت اوساط سياسية متابعة، ان الخطأ الاساس، والذي قد يكون ناجما، عن سوء تفاهم غير مقصود، كان في الربط بين بقاء الرئيس نجيب ميقاتي على راس الحكومة بوصفه انتصارا للحزب، فيما عدمه هزيمة للشيعة، وهو امر غير دقيق، معتبرة ان القاضي نواف سلام يشكل ضمانة في ما خص مسالة الصراع مع «اسرائيل»، هذا فضلا عن انه اصلاحيا، لا يشكل تحديا بحكم شخصيته، هو الذي كان الخيار الاول والاساسي، في فترات سابقة لاكثر من جهة وطرف، معتبرة انه رئيس حكومة جاء نتيجة تقاطع دينامية لبنانية ودعم خارجي.
وختمت الاوساط بان المعطيات المتوافرة حتى الساعة، تؤكد على رغبة جامعة من كافة الاطراف للمشاركة في الحكومة الجديدة، التي يرجح ان تكون من 24 وزيرا، حيث تمثل كل كتلة من 5 نواب بوزير، على ان يتم اختيارهم من اصحاب الكفاءة والاختصاص، من قبل الاطراف والاحزاب السياسية، والابرز على هذا الصعيد هو توجه كل من رئيس الجمهورية جوزاف عون والحكومة نواف سلام الى عدم حصولهما على حصص وزارية، في سابقة ستكون الاولى منذ تطبيق دستور الجمهورية الثانية، حيث اعتاد الرؤساء على ان تكون لديهم كتلة وزارية ونيابية.
تحقيقات المرفأ
على صعيد آخر، وفيما كان رئيس الحكومة العتيد يؤكد من القصر الجمهوري على ضرورة «العدالة لضحايا تفجير المرفا»، كشفت مصادر قضائية ان اجتماعا عقد قبل ايام في مكتب رئيس مجلس القضاء الاعلى سهيل عبود بحضور مدعي عام التمييز القاضي جمال الحجار، والمحقق العدلي في قضية تفجير مرفا بيروت القاضي طارق البيطار، بحث ملف وآلية الاستدعاء الى التحقيق، وسط اصرار الطرفين على موقفهما، وتتابع المصادر ان البيطار قرر اعتماد الاستدعاء المباشر دون ضابطات عدلية، واذا تعذر فلصقاً، على ان تكون الاستدعاءات بالتدرج، على ان تعلن الدفعة الاولى منها خلال الساعات الاربع والعشرين القادمة، على ما كشفت المصادر.
اوساط سياسية، حذرت من اي «دعسة ناقصة» في هذا الخصوص، معتبرة ان اعادة احياء الملف تاتي في وقت حساس ودقيق، في ظل الازمة المستجدة التي خلفتها الاستشارات النيابية وما رافقها من مواقف، والتي يتخوف الكثيرون من ان تتحول الى ازمة حكم، تطيح بالعهد منذ يومه الاول، ما لم تنجح المبادرات والوساطات في «لملمة» الوضع.