لماذا قرّر حزب الله كسر «المراوحة القاتلة»؟
رهانات نتانياهو على ترامب واقع أم أوهام؟!
لا شك في ان عودة الرئيس الاميركي دونالد ترامب الى البيت الابيض، تشكل مصدر قلق ان لم يكن هلع بالنسبة للحلفاء والاصدقاء، وليس لخصوم واعداء الولايات المتحدة الاميركية، فالرهان على تغيير سلوكه الفظ وتراجعه عن دعم كيان الاحتلال، لم يرد في ذهن اي من اطراف المحور المناهض للولايات المتحدة، الذين يعرفون انه سيكون اكثر صراحة في الكشف عن نياته السيئة، بدل حالة النفاق التي مارستها الادارة الديموقراطية الداعمة المجزرة المفتوحة في فلسطين ثم في لبنان، وتتحفنا بالاعلان عن القلق ازاء العنف “الاسرائيلي” ضد المدنيين، وتدعي عدم معرفتها المسبقة بنيات نتانياهو «الشريرة».
اما الدول التي تدور في فلك واشنطن فهي تحضر نفسها لسنوات من المحنة، للتعامل مع رجل نرجسي متقلب ومزاجي، يؤمن فقط بمعادلات القوة والصفقات، ويتقدم لديه العمل الشخصي على ما عداه من مصالح. وتحت عنوان «اميركا اولا» سيدفع كل الحلفاء اثمانا باهظة ثمن الحماية. ولهذا جاء خطاب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم المسجل قبل صدور نتائج الانتخابات الاميركية، خاليا من اي رهان عليها، بينما ينبىء سلوك رئيس حكومة العدو بنيامين نتانياهو، بانه يراهن على ترامب لاستكمال مشروعه الطموح لتغيير الشرق الاوسط.
وفي هذا السياق، تلفت مصادر مطلعة الى ان الشيخ قاسم لم ينتظر النتائج الاولية للانتخابات، لانها لا تقدم او تؤخر شيئا في استراتيجية المقاومة المبنية على رفع مستوى المواجهة مع العدو، لاجباره بالحديد والنار على التراجع عن اهداف عدوانه من خلال رفع التكلفة المادية والمعنوية وفي عديد ضباطه وجنوده، لان ذلك وحده ما يقلب المعادلات ويسرع في انهاء العدوان ويقلص اهدافه، ويجعلها اكثر واقعية.
وهذا الامر يتطلب الابتعاد عن الرهان على تغيير السلوك الاميركي المرتهن للمصالح المشتركة مع كيان العدو، ولفرض التغيير يجب ان تشعر الادارة الجديدة ان مصالحها في المنطقة ستتعرض لاضرار كبيرة، دون ان تحقق مكاسب بالمقارنة مع التكلفة التي ستدفعها، وهذا قد يدفع ترامب الى محاولة اجراء الصفقة المطلوبة، مع مراعاة موازين القوى التي لا تمنح العدو اليد العليا، لانه عمليا ألحق خسائر كبيرة بحزب الله، لكنه لم ينتصر وما يزال بعيدا عن تحقيق اهدافه التي باتت مستحيلة التحقق، بعد ان اعاد حزب الله العمل بكامل طاقته ونجح في تجديد منظومته الامنية والعسكرية، على نحو يؤمن شبكة امان اكبر تستطيع معها المقاومة تأمين الوسائل اللوجستية لاكمال المعركة وايلام العدو.
وفي هذا السياق، اختار حزب الله بالامس رفع منسوب الرد على العدوان الاسرائيلي بصواريخ نوعية، اصابت مواقع عسكرية وامنية حساسة قرب مطار بن غوريون، وغيرها من المستوطنات التي استهدفت بصليات كثيفة، ليس فقط لمناسبة ذكرى اربعين الشهيد السيد حسن نصرالله، وانما لكسر النمط «القاتل» الذي تسعى حكومة الاحتلال الى فرضه على الجبهة اللبنانية. فبعدما عمد الجيش “الاسرائيلي” الى سحب اغلبية قواته من الشريط الحدودي، الذي دخلته على الحدود لتجنيبهم الخسائر في العديد والعتاد، ويعمل على نحو ممنهج على تدمير هذه القرى والمدن، ينشط سلاح الجو في استهداف اهداف مدنية وتدمير اهداف على كامل الخريطة اللبنانية، في معركة استنزاف يريد من خلالها نتانياهو اطالة امد الحرب دون دفع اكلاف كبيرة، وهو يراهن على الوقت لفرض شروطه.
ووفقا لتلك الاوساط، دشنت المقاومة بالامس مرحلة جديدة لفرض معادلاتها وعدم الرضوخ للنمط العسكري الذي يحاول العدو فرضه، وهكذا رفع حزب الله منسوب الكلفة عمليا على حكومة الاحتلال، بعد ساعات على استبدال وزير الحرب، لمنع تكريس هذا الواقع، واجبار العدو على الوصول سريعا الى مرحلة اليأس، وافهام الادارة الاميركية الجديدة ان الرهان على استراتيجية الحكومة اليمينية المتطرفة في “اسرائيل” دون جدوى، وستكون له تداعيات غير محسوبة النتائج، مع اقتراب الرد الايراني الآتي لا محالة، والذي سيكون عنصرا ضاغطا على ترامب، الرئيس الذي يدعي ان لا يريد اي حرب في عهده.
في المقابل، يراهن نتانياهو على ترامب ويشعر بنشوة الانتصار عقب عودته الى البيت الابيض، وهو يرغب في اكمال مشروعه بضم الضفة الغربية، وفرض احتلال طويل في غزة، ومواصلة الحرب على حزب الله وتدمير لبنان، والانتقال الى ضرب المشروع النووي الايراني. فهل رهانه في مكانه؟
هذا السؤال، جاء الرد عليه في الاعلام “الاسرائيلي”، الذي حذر نتانياهو من هكذا رهانات ستدفع ثمنها “اسرائيل”. وفي هذا السياق تساءلت صحيفة «هآرتس» كيف يحتمل أن ثلثين من “الإسرائيليين” يفضلون ترامب، مقابل ثلثين من “اليهود” الأميريكيين يؤيدون هاريس؟ فيهود أميركا يعرفون أن ترامب يهدد اي إمكان لهم للعيش بازدهار؛ وأن وجوده يشجع اللاسامية والتزمت. وهو يتصدر الهجمة على حقوق النساء، وله التزام صريح لتخريب الديموقراطية الليبرالية. بالنسبة “لإسرائيل” أيضاً، لا يشتري “يهود الولايات المتحدة” الادعاءات الديماغوجية وغير المفهومة، التي سيضع بموجبها حداً لكل النزاعات في الشرق الأوسط.
ووفقا للصحيفة «هم يعرفون بأن انعزاليته والسحر الذي يفرضه عليه فلاديمير بوتين، سيمنعان التدخل الأميركي في المنطقة، وسيزيدان هشاشة “إسرائيل” استراتيجياً. فما بالك في ضوء التهديد الإيراني؟ هم يعرفون السوابق، وطابعه غير المستقر، وانفجارات غضبه، ويعرفون بأنها وصفة مؤكدة لترك حلفاء الولايات المتحدة بمن فيهم “إسرائيل”، لمصيرهم».!
وامام هذه المعطيات، تنصح «هآرتس” “الإسرائيليين” أن يستمعوا للأغلبية الساحقة من “يهود” الولايات المتحدة، إن لم يكن انطلاقاً من التضامن فعلى الأقل من المصلحة. لان «الادعاء القائل بأن عودة ترامب، ستشكل مصدراً لإنجازات جغرافية سياسية لـ”إسرائيل”، وليست تهديداً على أمنها وعلى أساساتها الديموقراطية، التي باتت محدودة على أي حال، هي فكرة لا أساس لها من الصحة، إن لم تكن وهماً خطراً».
امام اوهام نتانياهو، وخيارات الشعب الاميركي التي استبدلت رئيسا خرفا، برئيس تافه وسخيف، يبقى الرهان على ارادة قتال المقاومين في الميدان، وهم حصلوا على الدعم اللوجستي المطلوب لمواجهة مشروع اميركي – “اسرائيلي” خطر، يحاول تغيير المنطقة بالحديد والنار، الاثمان ستكون كبيرة وغالية لكنها حرب اللاخيار، لان المعروض حتى الآن الاستسلام ووحدها ارادة المقاومة ستغير المعادلات بالرهان على الوقت الذي لا يعمل لمصلحة العدو.
ابراهيم ناصر الدين – الديار