يبدو أنّ السباق الانتخابي إلى البيت الابيض المقرّر غداً لن يعوق العدوان الإسرائيلي المتواصل على لبنان الذي استمر أمس على رغم من رداءة الطقس، قصفاً جوياً ومدفعياً مدمّراً لقرى وبلدات ومدن في البقاع والجنوب، موقعاً مزيداً من الشهداء والجرحى من المدنيين بذريعة قصف مواقع ومخازن أسلحة لـ»حزب الله»، في الوقت الذي استمرت المقاومة في استهداف المواقع العسكرية الإسرائيلية في شمال فلسطين المحتلة بمئات من الصواريخ ومهاجمتها بغارات من المسيّرات الانقضاضية، على وقع الاستمرار في التصدّي لمحاولات الاختراق البري للحدود الجنوبية.
وأعربت مراجع رسمية لبنانية عبر «الجمهورية» عن خشيتها من أن تعمد إسرائيل إلى استغلال انشغال الإدارة الأميركية بالانتخابات الرئاسية، وإلى الاستفادة من الجمود السياسي الحاصل وانقطاع آليات التفاوض في هذه المرحلة، لكي تطلق يدها في عمليات القتل والتدمير والتهجير على نطاق واسع، وبنحو مضاعف في لبنان، من الجنوب إلى الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع فمناطق أخرى، سعياً منها إلى محاولة إجباره على الرضوخ لشروطها التي تُعتبر تعجيزية، لما تشكّله من خرق فاضح للسيادة ومهانة للكرامة الوطنية.
وما يفاقم المخاوف، وفق المراجع، هو تهديد بعض المسؤولين الإسرائيليين بتفجير حرب صاعقة مع إيران وتوريط الولايات المتحدة فيها وابتزازها، في لحظة انشغال الإدارة الديموقراطية بتأمين الدعم اللازم في صناديق الاقتراع. ويمكن أن يؤدي اندلاع هذه الحرب الطاحنة بين إسرائيل وإيران إلى رفع مستوى السخونة بمقدار كبير جداً وبالغ الخطورة في لبنان، لأنّه سيكون إحدى ساحتها الأساسية.
حركة ديبلوماسية
وتزامناً مع التحركات التي قرّر لبنان القيام بها بعدما توسعت مساحة الاعتداءات الإسرائيلية في في اتجاه البترون عبر الإنزال البحري الذي نفّذته قبل يومين وانتهى بخطف قبطان تقول إسرائيل إنّه «من العناصر السرّية للقوة البحرية» للحزب. وفي موازاة الشكوى التي سترفعها بعثة لبنان لدى الامم المتحدة في نيويورك بناءً لتوجيهات من وزير الخارجية بعد التشاور مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وجّهت الأمانة العامة لمجلس الوزراء دعوة إلى مجموعة سفراء الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي، إلى لقاء يُعقد اليوم في السرايا لإبلاغهم القراءة اللبنانية للعدوان ومخاطره ليس على سلامة وأمن لبنان فحسب، إنما على الأمنين الإقليمي والدولي.
وكشفت مراجع ديبلوماسية لـ«الجمهورية»، انّ السفراء الخمسة تجاوبوا مع الدعوة وسيشاركون جميعاً في الاجتماع، ذلك انّ لهم أكثر من رسالة يريدون تكرارها أمام المسؤولين اللبنانيين تعبّر عن المخاوف من حجم العمليات العسكرية، وانّ احتمال توسع الحرب لم يعد وهماً كما نُقل عن أحدهم، وانّ تبادل الهجمات بين تل أبيب وطهران من إحدى تجلّياتها. ولفت آخرون إلى انّهم حذّروا مراراً من مجرى الأحداث، عندما شدّدوا امام جميع المسؤولين اللبنانيين على مختلف المستويات، على أهمية الفصل بين لبنان وغزة، وقد ذهبت أمنياتهم أدراج الرياح بالنسبة اليهم، وقد فوّتوا مجموعة من الفرص الذهبية التي كان يمكن ان تُستغل بطريقة فضلى.
واكّدت هذه المراجع، انّ الالتزام بالقرارات الدولية في لبنان تحول مصيدة للمجتمع الدولي، وأنّ الرهان على قدرته على تطبيق هذه القرارات ولا سيما منها القرار 1701 بكل مندرجاته لم تكن حصيلته واضحة ومقنعة. وانّ النقاش الدائر في الداخل لا يُعوّل عليه خارج أطار كونه من المناكفات الداخلية. فالمجتمع الدولي يريد أن يرى الخطوات الضرورية ولو نُفّذت في مواقيتها لما كان التشدّد اليوم قائماً في شأنها.
ميقاتي يجدّد التزامات لبنان
وعشية هذه الخطوة الديبلوماسية التي أعقبت عودة ميقاتي من جولة أممية واوروبية، تحدث إلى صحيفة «واشنطن بوست» مؤكًداً أولوية حكومته لجهة «التنفيذ الكامل للقرار 1701». واضاف: «ندعم مقترح الموفد الأميركي آموس هوكشتاين بما في ذلك نشر قوات لبنانية في الجنوب ووجود آلية مراقبة». وعن الاستحقاق الرئاسي، قال: «ما زلنا منقسمين في شأن من سيتولّى الرئاسة».
الحديث مع الشيعة
وكان ميقاتي زار مساء أمس الرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، الذي قال بعد اللقاء، إنّ «الدولة وحدها تحمينا بدعم وتعزيز الجيش، وهذا لا يحصل بمعجزة، فلدينا جيش جيّد وفاعل وقوى أمنية جيّدة، لماذا سيكون لدينا هوس حول الحرب الأهلية؟». وأضاف: «فليتفضّل المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين ويجيب رئيسي مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي حول مسألة وقف إطلاق النار، ويجب على الولايات المتحدة فرض وقف إطلاق النار، وأنا لست مفوضاً في هذا الأمر بل أراقب، وتربطني صداقة بالرئيسين بري وميقاتي. كما أنّ «اللقاء الديموقراطي» ورئيسه لديهما علاقات مع جميع الأطياف اللبنانية». وقال: «يجب الحديث مع الشيعة وهم جزء من لبنان، وليس لديّ أي تواصل مع الإيرانيين، ليس لأني لا أرغب فهذه ليست وظيفتي والمسألة تعود الى الحكومة اللبنانية والرئيسين بري وميقاتي».
وختم جنبلاط: «لنبدأ بوقف إطلاق النار ونبدأ بتنفيذ القرارات الدولية، ويرجى ألّا نطرح أبدًا مسألة أنظمة سياسية جديدة لأنّها ستأخذنا إلى المجهول، فلنبدأ بإستكمال تطبيق الطائف».