كوماندوس إسرائيلي يخطف لبنانياً من البترون من دون أيّ عائق: أسئلة برسم الجيش والأجهزة الأمنية والبحرية الألمانية
الأخبار
في عملية لم تكن مفاجئة من حيث طبيعتها، أقدمت قوة كوماندوس إسرائيلية، فجر الجمعة، على تنفيذ إنزال على ساحل منطقة البترون في الشمال، وتوجّهت قوة خاصة ضمّت نحو 20 شخصاً ارتدوا زي جهاز أمني لبناني، يرافقهم مدنيون لم يُعرف ما إذا كانوا من عداد القوة أم عملاء لبنانيين ساعدوا القوة في الوصول إلى مبنى يضم عدداً من الشاليهات، حيث تمّ اقتحام شقة وخطف المواطن عماد أمهز.
بعد الكشف عن العملية أمس، أعلن جيش الاحتلال أنه خطف عنصراً في القوة البحرية التابعة لحزب الله، وأن الهدف هو الحصول منه على معلومات عن عمل القوة البحرية، فيما نقل موقع «أكسيوس» عن مسؤول إسرائيلي أن أمهز، الذي يتدرب على مهمة قبطان بحري، كان يعمل على نقل أسلحة إلى حزب الله من سوريا إلى لبنان عن طريق البحر.
وشكّلت العملية صدمة لبعض الجهات الرسمية. غير أن الصمت خيّم في مكاتب كبار المعنيين في المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية، فيما التزم «السياديون» الصمت بانتظار جلاء التحقيقات، علماً أن الحكومة عبّرت عن احتجاجها من خلال بيان لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي وتوضيح من وزير الأشغال علي حمية بأن المخطوف كان يخضع لدورة في معهد مدني يدرّب على قيادة السفن التجارية واليخوت، علماً أن أصحاب المبنى قالوا إن أمهز استأجر الشاليه قبل نحو شهر.
أسئلة برسم من؟
العملية جاءت في سياق تقديرات منطقية، وردت فيه معلومات عن استعداد العدو للقيام بعمليات إنزال جوية وبحرية بهدف النيل من عناصر قياديين في المقاومة ودبلوماسيين إيرانيين في العاصمة، إضافة إلى تحذيرات من نوايا العدو القيام بعمليات مشابهة في مناطق تتعلق بالجبهة البرية.
ومع ذلك، طرحت مصادر مواكبة جملة من الأسئلة حول ما حصل، وهي ليست موجّهة إلى جهة بحدّ ذاتها، بل إلى كل الجهات الرسمية، وفي مقدّمها الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية، إضافة إلى قوات الطوارئ الدولية «اليونيفل» وتحديداً الألمان الذين يتولون مراقبة النشاط في المياه الإقليمية للبنان على طول الساحل اللبناني.
وبحسب المصادر، يمكن اختصار الملاحظات بالآتي:
أولاً، إن المنطقة المستهدفة ليس فيها أي وجود عسكري أو أمني لحزب الله، ولا يمكن اعتبارها قريبة من الحزب لناحية البيئة الاجتماعية والسياسية والطائفية.
ثانياً، إن العدو فقط هو من زعم بصورة شبه رسمية بأن المواطن المخطوف عضو في القوة البحرية للحزب، ثم سرّب أنه كان يقوم بنقل أسلحة إلى حزب الله من سوريا عبر البحر، فيما لا توجد أي رواية أو تأكيد لهذه المزاعم، علماً أن الرجل سبق له أن خضع لدورات قبطان بحري قبل عامين وعاد قبل شهرين للخضوع لدورة ثانية، وكان يرغب بالتقدم للعمل مع القوة البحرية في الجيش اللبناني.
ثالثاً، المنطقة التي حصلت فيها العملية تقع بكاملها تحت سلطة الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية الرسمية، ما يطرح سؤالاً عن دور هذه القوى والأجهزة في مواجهة مثل هذه الاختراقات، خصوصاً أن الجيش يعرف أن لدى العدو سوابق في عمليات الإنزال البحري، وأن طبيعة المواجهة القائمة مع العدو تفرض التحسّب لعمليات مشابهة. وبالتالي، فإن أي إجراءات عادية تحصل على الشاطئ كان يمكن أن تعطّل مثل هذه العملية.
استخدم العدو لباس جهاز أمني محلي، وتحدّث أفراده باللهجة اللبنانية وأزالوا تسجيلات كاميرات
رابعاً، وقعت العملية في عمق بحري يقع تحت حماية القوات الدولية، وتحديداً تحت سلطة القوة البحرية التي تشرف عليها ألمانيا، ما يفرض طرح أسئلة مباشرة على الجانب الألماني، عن دور استخباراته البحرية وراداراته العاملة على طول الساحل، إذ من المعلوم أن القوة البحرية الألمانية تعمل ليلَ نهارَ على مراقبة الساحل اللبناني، خصوصاً في السواحل الجنوبية، تلبية لطلب إسرائيل بالحؤول دون أي عملية تسلل بحرية، وتولّى الجانب الألماني التدقيق في عمليات البحارة والصيادين في كل المواقع الساحلية الجنوبية وصولاً إلى مرفأ بيروت. كما تقدّم البحرية الألمانية بصورة دورية معلومات عن حركة القوارب في البحر، وخصوصاً التي تنقل مهاجرين غير شرعيين إلى أوروبا. والسؤال يصبح مشروعاً أكثر، بعدما أقدمت القوات الألمانية في 17 تشرين الأول الماضي على إسقاط مُسيّرة تابعة للمقاومة كانت تتجه من فوق البحر نحو الأراضي المحتلة، علماً أن العدو المُجهز بأفضل أنظمة الدفاع الجوي يواجه معضلة دائمة في التعرف المسبق إلى حركة مُسيّرات المقاومة.
خامساً، هل ما حصل يجعل اللبنانيين أكثر اطمئناناً لتولي القوات الدولية والقوى الغربية حماية لبنان ومنع العدو من الاعتداء عليه، ضمن برنامج تنفيذ «واسع» للقرار 1701؟ وهل علينا أيضاً الصمت والقبول بالأمر لمجرد أن ذلك يمنحنا رضى المجتمع الدولي.
سادساً، تقع المنطقة ضمن نطاق يتحرك فيه الجيش الأميركي، بطريقة رسمية أو غير رسمية، بهدف تأمين «قواعد إجلاء لموظفيه وعسكرييه» أو للنشاط الذي يراقب خط سير بحري وجوي تقوم به السفارة الأميركية في لبنان مع قبرص. وبعدما كشفت «الأخبار» أمس عن الأشغال الجارية قبالة شاطئ ضبية، والتي لم تحصل على إذن رسمي من وزارة الأشغال ولم يعلن الجيش رسمياً أنها بعلمه، فإن من الضروري مساءلة القوى والشخصيات «السيادية» التي تنادي بحفظ السيادة اللبنانية عن موقفها مما جرى، وهل تعتبر ما حصل جزءاً من حرب لا تخصّها؟
ما الذي حصل؟
حتى مساء أمس، لم يكن قد صدر أي موقف رسمي أو عن قيادة الجيش، باستثناء الإعلان عن «متابعة» الرئيس ميقاتي القضية، وأنه اتصل لهذه الغاية بقائد الجيش العماد جوزيف عون وبقيادة قوات اليونيفل التي أكدت أنها تجري التحقيقات اللازمة في شأن القضية وتنسّق مع الجيش. كما طلب رئيس الحكومة من وزير الخارجية عبدالله بو حبيب تقديم شكوى إلى مجلس الأمن.
من جهتها، وزّعت القوات الدولية بياناً لنائبة الناطق الرسمي باسم اليونيفل قالت فيه إنه «لا علاقة لليونيفل بتسهيل أي عملية اختطاف أو أي انتهاك للسيادة اللبنانية»، واعتبرت أن «نشر المعلومات المضلّلة والشائعات الكاذبة أمر غير مسؤول ويعرّض قوات حفظ السلام للخطر».
أما الرواية غير الرسمية، فتفيد بأن فرقة كوماندوس إسرائيلية تسلّلت عبر البحر في منطقة البترون وخطفت أمهز الذي يدرس في معهد البحوث العلمية والبحرية. وبحسب تقديرات الأجهزة الأمنية، فإن عديد القوة الإسرائيلية يناهز ٢٥ شخصاً من بحارة وغواصين وعناصر مقاتلين، انتقلوا بكامل أسلحتهم وعتادهم إلى شقة قريبة من الشاطئ، حيث اختطفوا أمهز الذي كان موجوداً بمفرده، واقتادوه إلى الشاطئ ليغادروا بواسطة زوارق سريعة إلى عرض البحر. وبحسب المعلومات الأولية، استيقظ صاحب المبنى أثناء دخول القوة إلى الشقة فخرج ليتفقّد ما يحصل، فصرخ به أحد أفراد القوة: «أمن دولة… فوت لجوّا». غير أنّ رداءة الصورة لم تسمح بتحديد لون بزات العسكريين.
وتشير المعلومات الأولية إلى أنّ تسجيلات كاميرات المراقبة في المبنى جرى حذفها، لكن كاميرا المبنى الملاصق تمكنت من تصوير أفراد المجموعة. كذلك يظهر في الصورة شاب على «سكايت بورد»، ويعتقد المحققون بأنه من ضمن المجموعة الإسرائيلية. وتشير المعطيات الأولية إلى أنّ جميع أفراد القوة غادروا باتجاه البحر. ولدى المحققين الذين يتولون التحقيق عدة فرضيات من بينها أنّ قسماً من مجموعة الكوماندوس كان موجوداً في المنطقة للاستطلاع والمراقبة قبل تنفيذ العملية.
وتشير المصادر إلى أنّ الاحتمال الأكثر ترجيحاً يفيد بأن أفراد القوة تسلّلوا بعد دخولهم بواسطة «زودياك» عبر البحر ومعهم عتادهم العسكري لتنفيذ عملية الخطف وعادوا بالطريقة نفسها. ومن عرض البحر، تولى طراد بحري أكبر نقل أفراد المجموعة.
وبحسب المعلومات فإن العملية استغرقت 4 دقائق فقط، وإن أمهز لا تربطه علاقة بالأجهزة الأمنية اللبنانية. وقد عثرت القوى الأمنية في شقته أمهز على نحو 10 شرائح أرقام أجنبية وجهاز هاتف مع جواز سفر أجنبي. كما عملت القوى الأمنية على جمع تسجيلات الكاميرات في محيط شقة البترون، قبل أن يتبين أن العدو تمكّن من حذف «الداتا» عن بُعد.