ستشهد الأيام الثلاثة المتبقية على موعد الانتخابات الرئاسية في إيران، احتداماً للتنافس بين المرشحين الستّة، ولا سيما الثلاثة الرئيسيين، أي مسعود بزشكيان، ومحمد باقر قاليباف، وسعيد جليلي. وأقيمت، ليلة أمس، المناظرة التلفزيونية الرابعة من أصل خمس مناظرات، حضرها المرشّحون الستّة، وكان موضوعها «السياسة الخارجية»، على أن تقام الليلة، المناظرة الخامسة والأخيرة، وموضوعها الاقتصاد. وفي هذا الإطار، يسعى المرشحون، من خلال مشاركتهم في المهرجانات الانتخابية وخاصة في المدن الكبرى، إلى تحفيز الجماهير لكسب المزيد من الدعم.ويخوض المرشّح الرئيسيّ للمعارضة، المحسوب على التيار الإصلاحي، مسعود بزشكيان، السباق الرئاسي تحت شعار «من أجل إيران»، فيما بدت لافتةً، على مدى الأيام الماضية، مشاركة محمد جواد ظريف، وزير الخارجية في إدارة حسن روحاني، إلى جانب بزشكيان وإلقائه كلمات في عدة مهرجانات انتخابية داعمة له في مختلف المدن الإيرانية. وساهمت المهرجانات والتجمّعات الانتخابية الكبيرة لمناصري مرشّح الإصلاحيين في كل من طهران وشيراز، في منح الرجل المزيد من الثقة بالنفس في حملاته الانتخابية.
من جهته، يعوّل المرشّح الأصولي، محمد باقر قاليباف، الذي يخوض السباق الرئاسي تحت شعار «حكومة الخدمة والتقدُّم»، على خبرته التي اكتسبها إبّان تولّيه رئاسة البرلمان وأمانة العاصمة وقيادة الشرطة، لتقديم نفسه على أنه صاحب خبرة وناجح، علماً أن هذه هي المرّة الرابعة التي يترشّح فيها قاليباف للرئاسيات في إيران خلال العقدَين الأخيرَين. أمّا سعيد جليلي، الضلع الآخر لمثلّث التنافس الانتخابي، والذي يحظى بدعم الجناح الراديكالي في التيار الأصولي المعروف بـ»الثوري»، فدخل السباق الانتخابي بشعار «عالم من الفرص، قفزة على مستوى إيران، ولكل إيراني دور رائع»، فيما يقدّم المرشّح للمرّة الثالثة، نفسه على أنه «السائر على خطى إدارة إبراهيم رئيسي».
يبدو أن كلاً من المرشّحَين الرئيسيّين للتيار الأصولي (قاليباف وجليلي) يتوقّع من الآخر أن ينسحب لمصلحته
وتفيد المعطيات واستطلاعات الرأي المختلفة بأن التنافس يستعر بفارق ضئيل ولصيق بين بزشكيان وقاليباف وجليلي، فيما يستبعد مراقبون أن ينجح أيّ من هؤلاء في تحقيق النصاب اللازم للفوز بالرئاسة (أي أكثر من 50% من الأصوات) في الجولة الأولى، ويرجّحون أن تنتقل الانتخابات إلى الجولة الثانية. وعلى الجانب الآخر، فإن المرشّحين الثلاثة الآخرين، وهم: علي رضا زاكاني، وأمير حسين قاضي زادة هاشمي، ومصطفى بور محمدي، لم يتمكّنوا من إيجاد موقع يُذكر وكسب الدعم الذي يخوّلهم الاستمرار في السباق. ووفق استطلاعات الرأي المختلفة، بما فيها ذلك الذي أجراه «مركز الطلبة الإيرانيين لاستطلاعات الرأي» (إيسبا)، و»مركز بحوث البرلمان الإيراني»، فإن بزشكيان سيكون أحد المرشّحَين الاثنين اللّذين سينتقلان إلى الجولة الثانية من الانتخابات. وفيما يقول «إيسبا» إن جليلي سيكون منافسه في جولة الإعادة، يذهب «مركز بحوث البرلمان» إلى أن قاليباف هو المنافس.
وبالتزامن مع تزايد أعداد الناخبين الذين سيدلون بأصواتهم للمرشّح الإصلاحي، بحسب بعض استطلاعات الرأي التي أنجزت في الساعات الأخيرة، يتصاعد الحديث داخل المعسكر الأصولي حول ضرورة التوصّل إلى إجماع بين مرشّحي التيار للحدّ من تشتّت الأصوات في ما بينهم. ويبدو أن تزايد الأصوات لمصلحة بزشكيان، وحتى تقدُّمه في بعض استطلاعات الرأي، أثار المخاوف لدى الأصوليين من أن يتمكّن الرجل من نيل المزيد من الدعم حتى يوم الانتخابات، أو أن يفوز من الجولة الأولى، أو أن ينتقل مع مرشّح أصولي (إما جليلي أو قاليباف) إلى الجولة الثانية، وحينها ستؤدي الثنائية القطبية التي تتبلور في المشهد السياسي إلى دفع المزيد من الناخبين نحو صناديق الاقتراع، للتصويت لمصلحته، وتالياً فوزه بالرئاسة.
وفي هذا الإطار، كتبت صحيفة «خراسان» الأصولية، في مقال بعنوان «إجماع أم تنافس بين الأصوليين؟»، أن «المسارات والعديد من استطلاعات الرأي تشير إلى أنه في حال تمكّن الأصوليين من توظيف إمكاناتهم وقدراتهم للتركيز على مرشّح واحد في الجولة الأولى، فإن احتمال فوزهم فيها يتزايد. وعلى رغم أنه لا يمكن الجزم بأيّ شيء، غير أن أرقام معظم الاستطلاعات تشير إلى احتمال كهذا». ورأت الصحيفة أن انتقال الانتخابات إلى الجولة الثانية سيكون لمصلحة بزشكيان، فيما «لا خيار أمام الأصوليين سوى الإجماع والتوصّل إلى مرشّح واحد في أسرع ما يمكن، الإجماع الذي يجب أن يحظى بمصداقية على أساس مراكز استطلاعات الرأي، وألّا يؤدي الخيار النهائي إلى تشكيل ثنائية قطبية مع السيد بزشكيان، وأن يتم حسم الأصوات المتردّدة التي تلعب دوراً مصيرياً بطبيعة الحال». من جهتها، قالت صحيفة «كيهان» إن «ائتلاف مرشّحي جبهة الثورة (الأصوليون)، وبغضّ النظر عن كيفية تشكيله، والذي يقدر على إيجاد الكفاءات البارزة واللازمة… يمثّل ضرورة ملحّة ولا خيار آخر سواه».
وعلى الرغم من الأصوات الداعية إلى ائتلاف المرشّحين الأصوليين، يبدو أن كلاً من المرشّحَين الرئيسيين لهذا التيار (قاليباف وجليلي)، يتوقّع من الطرف الآخر أن ينسحب لمصلحته. وممّا يرسّخ القناعة بأنهما يمتلكان حظاً وافراً للذهاب إلى جولة الإعادة، الفارق الضئيل بين أصواتهما في استطلاعات الرأي. وعلى أي حال، ثمة شكوك كبيرة في جدوى آلية الائتلاف بين المرشّحين، إذ تظهر تجربة الانتخابات في إيران أن أصوات المرشّح أو المرشّحين الذين ينسحبون لمصلحة مرشح ما، لا تصبّ بالضرورة في سلّة هذا الأخير، بل قد تذهب حتى إلى سلّة المنافس له.