مصافحة فرنجية ـ باسيلية… وهكذا تصرف النواب الجدد
إنطلق المجلس النيابي الجديد بولايته أمس طاوياً 3285 صفحة من ولاية المجلس السابق التي دامت تسع سنوات تخللها إقرار مشاريع قوانين مصيرية أعلت شأنَ العمل النيابي، ومشاريع أخرى أثقلت كاهلَ الشعب اللبناني. كذلك تخللتها مواقف تاريخية لبعض النواب الذين غادروا المجلس دوِّنت في المحاضر التشريعية التي سُجّلت فيها أيضاً مواقفُ مخيّبة لبعضٍ آخر ممّن لم يحالفه الفوز مجدّداً، فضلاً عن مواقف مشرّفة لبعض من استحقّ الفوز، ولآخَر كسبَ المقعد مصادفةً بحكم «القانون الغريب العجيب»…
إلى الرابية حيث دارة دولة الرئيس ميشال المر «الرَجل البرلماني والتاريخي العريق»، حسب ما وصَفه الرئيس نبيه برّي، توجّه رئيس الحكومة سعد الحريري واصطحبه الى ساحة النجمة حيث ترَأس جلسة انتخاب رئيس المجلس كونه اكبرَ النواب سنّاً ويعطيه الدستور والقانون صلاحية ترؤسِ المجلس النيابي وإدارة الجلسة الأولى المخصصة لانتخاب رئيس المجلس الجديد ونائبه وأعضاء مكتبه. ومتأبّطاً ذراع المر توجّه الرئيس الحريري الى قاعات مجلس النواب.
وقبَيل وصول الحريري الى الرابية قال المر: «واكبتُ عمل المجلس النيابي لأكثر من 60 سنة، ومنذ دخولي الى المجلس بعد التوصّل الى اتفاق الطائف كان الرئيس بري ولا يزال رئيساً لهذا المجلس، وقد كنتُ وما زلت معجباً بأدائه». وأضاف: «إننا سنتعاون دوماً مع الرئيس بري الذي نعرفه باتخاذ المواقف الصحيحة لإنقاذ البلد».
ورداً على سؤال حول «الترويكا» التي نشأت بعد «إتفاق الطائف» ايام عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي وكان البعض يَعتبره رابعَها، قال المر: «كانت هناك صعوبات كثيرة في ذلك العهد، ولكنّ الرئيس الهراوي استطاع تخطّي الصعوبات ومعالجة المشكلات، إذ كانت لديه الخبرة وفريقُ العمل، فلعبَ دوراً أساسياً في ذلك الوقت».
وأضاف المر: «حاوَل قياديون في هذا العهد أن «يُدفّعوني» ثمنَ خطأ ارتكبوه، مع العلم أنّني كنتُ يوماً ما صديقاً لهم وإذ بهم ينبرون الى محاربتي بواسطة أصدقاء مشتركين كحزب «الطاشناق». لقد أبلغوني أنّهم لا يرغبون ان يترشّحوا للنيابة معي، ولكنّني انا أصررتُ على الاستمرار في الترشيح غيرَ متحالفٍ معهم، وخضتُ المعركة الانتخابية على رأس لائحة فكسرتُ كلّ القيود وكسرتُهم».
وبعد دخول النواب كافّة، بمن فيهم الرئيس نبيه بري الذي جلس في مقدّم قاعة المجلس متوسطاً الرئيسَ نجيب ميقاتي والنائب جان عبيد، نادى المنادي بصوتٍ عالٍ: «دولة الرئيس». ودخلَ الرئيس المر واعتلى منصّة رئاسة المجلس متوسطاً النائبَين «الأمينَين» الأصغر سنّاً بين النواب طوني سليمان فرنجية وسامي فتفت وأعلن بمطرقته افتتاح الجلسة.
الحضور السياسي والديبلوماسي في الجلسة كان لافتاً بحجمه وكثافته بدءاً برؤساء جمهورية سابقين وشخصيات أمنية وقضاة وسفراء دول كبرى، وصولاً الى الوسائل الإعلامية العربية والأجنبية واللبنانية التي كان حضورها طاغياً.
كذلك كان لافتاً حضور عائلة بري، حيث جلس عدد من أبنائه في القاعة العليا المخصّصة للشخصيات الرسمية والديبلوماسية وللإعلاميين.
وفي هذه الجلسة التاريخية والسياسية بامتياز انتخبَ المجلس الجديد بري رئيساً له للمرّة السادسة بلا منازع، بأكثرية 98 صوتاً من أصل 128 حضروا الجلسة جميعاً، مقابل 29 ورقة بيضاء وورقة وحيدة اعتُبرت ملغاة.
التموضع يربك النواب
وكان أوّل الواصلين الى المجلس النيابي قبيل انعقاد الجلسة النواب الجدد الذين بدا بعضهم مرتبكاً قبل ان يتلمّسَ الطريق الى القاعة العامة مستعيناً بالإعلاميين. أمّا داخل القاعة فكان التموضع سيّدَ المشهد، إذ احتار بعض هؤلاء النواب أين يجلسون، فيما احتار بعض النواب ـ الوزراء المنتخبين بين ان يجلسوا في مقاعد النواب ام يجلسوا في المقاعد المخصصة للحكومة. فاختارت الوزيرة النائبة عناية عز الدين والوزيران جبران باسيل وسيزار أبي خليل الجلوسَ في مقاعد النواب، فيما اختار الرئيس سعد الحريري والوزيران نهاد المشنوق وبيار ابو عاصي الجلوسَ على المقاعد المخصصة للحكومة. وكان في إمكان المراقبين ان يلاحظوا في المشهد النيابي القطيعة شِبه المخفيّة بين الحريري والمشنوق، والتي بانت عندما مرَّ الحريري بجانب المشنوق أثناء توجّهِه للإدلاء بصوته في صندوقة الاقتراع، فلم يُحيِّه، فيما بدا المشنوق متجهّماً طوال الجلسة قبل أن ينسحب فجأةً ومن دون عذرٍ في دورة الاقتراع الثانية، ليعلنَ لاحقاً أنه انسحبَ لأنه يرفض انتخاب النائب إيلي الفرزلي نائباً لرئيس المجلس. وغرّد المشنوق لاحقاً بأنه «لن يصوّت لغازي كنعان». لكنّ البعض من المراقبين فسّر انسحاب المشنوق بأنّ سببَه «سوء العلاقة» بينه وبين الحريري.
جمالي والطبش حائرتان
في وسط القاعة النائبتان ديما الجمالي ورلى الطبش احتارتا أين تجلسان. وإذ استعانت الطبش بالنائب بهية الحريري لتُجلسَها الى جانبها في صدر القاعة النيابية، توجّهت جمالي الى آخِر القاعة محاولةً العثورَ على مقعد خالٍ قرب مقاعد أعضاء كتلة «المستقبل».
مصافَحة فرنجية ـ باسيلية
النائب تيمور جنبلاط جلسَ في المقعد الذي كان لوالده، يحوط به نوّابُ «اللقاء الديموقراطي»، مكتفياً بالتدوين والمراقبة، ولم يجُل على زملائه مهنّئاً مثلما فعلَ النائب طوني فرنجية الذي جالَ على جميع النواب حلفاءَ وخصوماً للتهنئة والتعارف. أمّا المصافحة اللافتة فكانت بينه وبين باسيل عند دخول الأخير الى القاعة العامة حيث كان فرنجية يدردش مع النائب جان عبيد الذي جلس في المقدّمة الى جانب بري وميقاتي، فتوقّف باسيل وصافحَه وعبَيد. إلّا انّ فرنجية انسحبَ ولم ينتظر للاستماع الى الدردشة التي دارت لدقائق بين عبيد وباسيل، والتي جالَ إثرها الأخير في القاعة ليعود «ويدردش» طويلاً مع النائب ميشال معوض، وكذلك مع نواب كتلة «الوفاء للمقاومة».
الكتائب تسطو على مقاعد «القوات»!
«القوات اللبنانية» التي كانت أوّلَ المعارضين لانتخاب بري، وتحديداً منذ تسعِ سنوات، ولم تتردّد في إعلان رأيها، وترجمته من خلال أوراق نوابها البيضاء في صندوقة الاقتراع على الرغم من تقاربِها مع بري في لحظة سياسية، لكنّها أوضحت انّ تصويتها ليس ورقة بيضاء في وجه برّي وإنّما ضد توجّهِه السياسي و«انسجاماً مع استراتيجيتها» .
بكّرَ نواب «القوات» ودخلوا بثقة الى مجلس النواب متمركِزين في المقاعد التي اعتادوا الجلوس عليها الى يمين قاعة المجلس لكنّهم قبل بدءِ الجلسة بعشرِ دقائق انسحبو الى خارج القاعة للتشاور، وعندما عادوا فوجئوا بأنّ نواب كتلة الكتائب نديم وسامي الجميّل والياس حنكش قد جلسوا في مقاعدهم «في الركنِ القواتي»، ولمّا حاوَل النائبان جان طالوزيان وقيصر معلوف الإشارة الى نواب الكتائب برغبتهم الجلوسَ قرب كتلة «القوات» مجتمعةً، لم يكترث النائب نديم الجميّل وأشار بإصبعه الى الخلف ليدلّهم على أمكنةٍ فارغة للجلوس، ولم يتحرّك من مكانه. كذلك فعلَ النائبان سامي الجميّل وحنكش اللذان لم يأبَها لامتعاض نوابِ «القوات» الجُدد، ولم يتحرّكا من مقعديهما. إستعانَ معلوف وطالوزيان بالنائب ستريدا جعجع التي نظرت الى نواب الكتائب خلفها لكنّهم لم يكترثوا، فما كان منهما إلّا الانسحاب الى اسفل القاعة والجلوس على المقاعد الكتائبية القديمة التي لطالما اعتُبرت «ركن» كتلة الكتائب. وعلّقَ بعض الصحافيين على المشهد متسائلين: «هل عادت الكتائب إلى عرينها؟».