اخبار محليةالرئيسية

سيادة تحت الطائرات: دولة تُناقش، وعدوٌ يُحلّق – بقلم: د. هشام الأعور

بينما كانت الطائرات الإسرائيلية تمارس هوايتها اليومية في خرق الأجواء اللبنانية، اجتمع مجلس الوزراء في قصر بعبدا للتباحث في أمر جلل: “حصرية السلاح بيد الدولة”. وكأن الطائرات كانت تبعث للمجتمعين رسالة من السماء تقول: “ناقشوا ما شئتم، نحن هنا من يحدد السقف”.

اجتمعوا بوقار، وكأن السماء صافية، وكأن الجنوب ومعه البقاع لا يُقصفوا، وكأن البيوت لم تُهدم، والأطفال لم يُهجّروا، والبنى التحتية لم تعد ركاماً. خرجوا بقرار خطير: تكليف الجيش بوضع خطة لحصر السلاح، خطة ستُعرض قريباً جداً، وكأن السلاح هو الأزمة، لا من يخرق السيادة يومياً دون رادع. ولعل الأكثر غرابة أن الخطة تأتي استناداً إلى ورقة أميركية، وكأن الدولة استعادت قدرتها على اتخاذ القرار… شرط أن يأتي مكتوباً من الخارج ومختوماً بختم السفارة.

لكن فلننسَ قليلاً هدير الطائرات، فحكومة الرئيس نواف سلام على ما يبدو مصابة بالصمم الانتقائي؛ تسمع فقط ما يصل عبر القنوات الدبلوماسية، ولا تسمع صراخ الناس في الجنوب ولا ضجيج المآسي. لا صوت يُعلو فوق صوت الإملاءات. لم يسأل أحد في الجلسة: ماذا عن إعادة الإعمار؟ ماذا عن مئات العائلات التي باتت بلا مأوى؟ ماذا عن الكهرباء والمياه والطرقات التي سُوّيت بالأرض؟ لا وقت لهذه الترهات، فالأولوية دائماً للقرارات الكبيرة ذات الطابع السيادي… أو ما تبقى منه.

أما الدفاع عن لبنان، فذلك أمر مؤجل إلى إشعارٍ آخر. فلا خطة لوقف العدوان، ولا حتى بيان إنشائي حماسي يُشعر اللبنانيين بأن دولتهم لا تزال موجودة. المطلوب اليوم، حسبما يبدو، ليس الدفاع عن الوطن، بل ترتيب البيت الداخلي بما يُرضي الخارج. البيت قد يكون بلا سقف، بلا شبابيك، حتى بلا أبواب، لا بأس، طالما أن في الداخل ترتيباً يليق بأصحاب المبادرات.

ويأتي السؤال الجوهري: كيف يمكن الحديث عن “حصرية السلاح” في بلدٍ تُخترق أجواؤه صباحاً ومساءً، ولا يملك حتى ترف الشكوى؟ هل حصرية السلاح تعني تجريده ممن يدافع عن السيادة الوطنية ؟ أم أنها مجرد خطوة على طريق تدويل الضعف وتحويله إلى سياسة رسمية؟ وكأن السيادة صارت ترفاً، والدفاع عن الوطن تهمة، والقرارات تُؤخذ لا على وقع المدافع، بل على وقع الفاكس الأميركي.

في خضم هذا العبث، لم تعد الدولة تُشبه دولة، بل أقرب إلى سكرتارية إقليمية تتلقى البريد وتنفّذ التعليمات، مع هامش بسيط للاجتماعات والصور التذكارية. ما جرى ليس استعادة لهيبة الدولة، بل نعيٌ لها بلغةٍ بيروقراطية راقية. فالدولة التي لا تجرؤ على الدفاع عن ناسها، ولا تملك رفاهية الرفض، هي دولة تُسلِّم، لا تُحكِم.

وفي النهاية، جلس الوزراء ووقعوا، وصمتوا، وخرج وزير الإعلام إلى كاميرات الإعلام يتحدث عن القرارات السيادية. أما السيادة الحقيقية، فقد غادرت الجلسة بصمت، دون أن يلاحظ أحد غيابها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى